أُلقي القبض على عدد من الشباب المصري في أثناء محاولتهم حماية السفارة المصرية في بريطانيا من اعتداءات عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، الأمر الذي سلّط الضوء على طبيعة العلاقات التاريخية بين السلطات البريطانية والتنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، وما تحمله هذه الحادثة من دلالات حول تعقيدات الموقف البريطاني تجاه إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب.
بريطانيا مقر التنظيم الدولي
وقال عمرو فاروق، المتخصص في شؤون الإسلام السياسي، إن واقعة إلقاء القبض على بعض الشباب المصريين الذين حاولوا حماية السفارة المصرية في لندن، تعكس طبيعة العلاقة القوية بين المخابرات البريطانية وجماعة الإخوان المسلمين، وارتباطها الوثيق بالتنظيم الدولي.
وأوضح فاروق، في حديث لـ"دار الهلال"، أن هذه الخطوة تأتي للرد على ما يثار حول نية بريطانيا إدراج الجماعة على قوائم الإرهاب، مؤكداً أن هذا غير صحيح، لأن بريطانيا تمثل المقر الرئيسي للتنظيم الدولي والعاصمة الأولى للجماعة، والملاذ الآمن لقياداتها، فضلاً عن احتضانها عدداً كبيراً من المؤسسات الإعلامية والاقتصادية التابعة للإخوان.
وأضاف أن علاقة الجماعة بدوائر صنع القرار في الغرب، وخصوصاً في بريطانيا، وثيقة للغاية، مشيراً إلى أن بريطانيا لعبت على مدار تاريخها دور الممول الرئيسي للجماعة منذ عهد حسن البنا وحتى الآن، واستخدمتها كأداة لتحقيق مصالحها في الشرق الأوسط، في تبادل للأدوار مع الولايات المتحدة.
واعتبر فاروق أن بريطانيا هي "العقل المدبر" في مشهد الشرق الأوسط الجديد أكثر من واشنطن، لكونها صاحبة الدور الأبرز في إعادة هيكلة المنطقة لصالح مشروع "إسرائيل الكبرى".
وأكد أن توظيف الإخوان في الخارج، ومن بينهم تحركاتهم ضد السفارات المصرية، يدخل ضمن أدوات الضغط على القاهرة، خاصة فيما يتعلق بملفات حساسة مثل توطين الفلسطينيين في سيناء وتصفية القضية الفلسطينية.
كما شدد على أن الجماعة تحظى بحماية كاملة داخل بريطانيا، وتُستخدم لتنفيذ سياساتها في المنطقة، والسيطرة على الجاليات العربية والإسلامية، بل وأحياناً في أعمال تجسس عليها.
وتابع فاروق أن تحرك السلطات البريطانية ضد الشباب المصريين هدفه صناعة أزمة إعلامية، تُظهر مصر مقصّرة أمام الرأي العام الدولي، وتصدير صورة أنها مسؤولة عن مجاعة غزة وإغلاق المعبر، معتبراً أن هذه الشائعات تُستخدم لتشويه صورة الدولة المصرية.
وأشار إلى أن بريطانيا تُعد الملعب الرئيسي لغسيل أموال التنظيم الدولي، والحاضن الأساسي لمؤسساته الاقتصادية بفضل التسهيلات التي تقدمها، ما يجعل الإخوان ورقة مهمة في يد السلطات البريطانية.
ولفت إلى أن العلاقة بين بريطانيا والجماعة ممتدة تاريخياً وسياسياً واجتماعياً ودعوياً، حيث تنتشر المراكز الإسلامية التابعة لها بقوة هناك، وكشفت وثائق مسربة عن حجم التعاون والتنسيق بين المخابرات البريطانية والإخوان.
وختم فاروق بالتأكيد على أن المشروع الجاري تمريره اليوم بخصوص الشرق الأوسط الجديد هو مشروع بريطاني بالأساس، وأن لندن تتحرك لحماية الجماعة لأنها أداة رئيسية في هذه الخطة، معتبراً أن القبض على الشباب المصريين كان خطوة متوقعة، وأن الدولة المصرية على الأرجح كانت على علم بها، بدليل الإفراج عنهم بعد ساعات قليلة من التدخل المصري، ما جنب تلفيق "تهم" لهم.
علاقة تاريخية
من جانبه، قال أحمد بان، الباحث المتخصص في شؤون جماعات الإسلام السياسي، إن جماعة الإخوان الإرهابية نشأت في بدايات القرن العشرين على يد حسن البنا، ومنذ لحظة التأسيس تمكنت من الانتشار في الأوساط الاجتماعية والسياسية، وقد وجدت بريطانيا، باعتبارها القوة الاستعمارية التي كانت تسيطر على مصر آنذاك، في الجماعة فرصة مناسبة لتوظيفها بما يخدم مصالحها الاستعمارية.
وأضاف بان، في حديث لـ"دار الهلال"، أن بريطانيا سمحت بتمددها ووفرت لها مساحة واسعة للتحرك، الأمر الذي ساعد على انتشار فروعها في مختلف المدن المصرية، ومنحتها كذلك فرصة الظهور والمشاركة في الساحة السياسية على حساب الحركة الوطنية المصرية التي كانت تناضل ضد الاحتلال.
وأوضح أن بريطانيا لم تكتفِ فقط بفتح المجال للجماعة في الداخل المصري، بل إنها سعت إلى استثمار وجودها في خدمة أهدافها السياسية.
وأشار بان إلى أن العلاقة بين الطرفين لم تنقطع مع تضييق الخناق على الجماعة داخل مصر، بل إن بريطانيا عادت لتحتضنها بشكل أوضح بعد خروجها من مصر في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وفي تلك الفترة، وفرت لندن للجماعة ملاذاً آمناً، وسمحت لها بممارسة أنشطة سياسية وتنظيمية، لتواصل تحركاتها من الخارج رغم التضييق المستمر من جانب السلطات المصرية وعدد من الدول العربية الأخرى.
وأضاف الباحث أن الجماعة لم توجّه نشاطها الخارجي إلى مواجهة إسرائيل كما كانت تزعم في خطاباتها وشعاراتها، بل اتجهت إلى محاصرة السفارات المصرية في عدد من العواصم الأجنبية، بدلاً من محاصرة السفارات الإسرائيلية.
وأوضح أن ذلك الموقف جاء في وقت تعاني فيه إسرائيل حالة من العزلة المتزايدة على الصعيد الدولي، بسبب جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.