الثلاثاء 26 اغسطس 2025

ثقافة

"الأعلى للثقافة" يناقش "دور الفن في التأثير على المجتمع" ضمن مبادرة "القوة في شبابنا"

  • 26-8-2025 | 16:18

جانب من المحاضرة

طباعة
  • دعاء برعي

نظم المجلس الأعلى للثقافة محاضرة عنوانها (دور الفن فى التأثير على المجتمع)، تحت رعاية وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، والدكتور أشرف العزازى؛ الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة.

ألقى المحاضرة المخرج الدكتور محمد الشافعى؛ أستاذ علوم المسرح بجامعة 6 أكتوبر، والتي جاءت فى إطار مبادرة (القوة فى شبابنا)، وشهدت حضورًا واسعًا من الشباب المهتمين بمتابعة مختلف جوانب الثقافة والإبداع.

وقال الدكتور محمد الشافعى، إن الفن بكل صوره أدبًا أو مسرحًا أو سينما أو موسيقى أو فنونًا تشكيلية وغيرها من فروع، يمثل أحد أهم القوى الناعمة التى شكّلت وجدان المجتمع المصرى وملامح هُويته الثقافية عبر مختلف العصور؛ فالفن ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو انعكاس لروح الشعب، وصوت معبّر عن قضاياه، وأداة لتوجيه وعيه وصياغة قيمه.

 وأضاف الشافعي: "منذ بدايات الحضارة المصرية القديمة، كان الفن حاضراً في العمارة والنحت والرموز، يحمل رسائل خالدة عن العظمة والخلود، ثم استمر تأثيره في العصور الحديثة عبر الأغنية الوطنية، والمسرح الذي انتقد الظواهر الاجتماعية، والسينما التى وثّقت التحولات السياسية والاقتصادية والفكرية، ليثبت قدرته على أن يكون مرآة للمجتمع من جهة، ومحركًا له من جهة أخرى؛ فهو يعكس هموم الناس وأحلامهم، وفى الوقت ذاته يزرع قيمًا جديدة ويدفع نحو التغيير".

وحول دور الفن تابع الشافعي: "ما زال للفن اليوم دور جوهرى فى ترسيخ الهُوية الوطنية، ومواجهة التحديات الفكرية، وصناعة صورة مصر الحضارية أمام العالم، ومن هنا فإن دعم الفنون، ورعاية المبدعين، يُعَدّ استثمارًا حقيقيًا فى مستقبل المجتمع المصرى؛ لأنه ينمى من وعيه وثقافته كما يرسخ قيمه فى أعماق وجدان أجياله الحالية والقادمة. كما أن دور الفن فى التأثير على المجتمع المصرى، لا يمكن أن نغفل بعده العالمى الذى جعل منه أداةً رئيسية فى ما يُعرف بالغزو الثقافى؛ فكما استخدمت مصر الفنون لترسيخ هويتها الوطنية وتشكيل وعى أبنائها، كذلك فعلت "الولايات المتحدة الأمريكية"، وتخطت ذلك متخذة من الفن والترفيه وسيلة لاختراق المجتمعات المنافسة لها، وأبرز مثال على ذلك ما حدث مع "الاتحاد السوفيتى" خلال الحرب الباردة؛ فلم يكن الغزو الثقافى الأمريكى عسكريًا أو سياسيًا مباشرًا، بل جاء ناعمًا عبر الموسيقى، والأفلام، والمطاعم، والمنتجات الاستهلاكية؛ فقد أُقيمت حفلات ضخمة لفنانى الغرب مثل "مايكل جاكسون"، وانتشرت مطاعم "ماكدونالدز" متخطية الحدود الأمريكية لآلاف الأميال بوصفها لأسلوب الحياة الأمريكى، إلى جانب سيلٍ من الأفلام الهوليودية التى جسّدت الحرية الفردية والحلم الأمريكى، هذه المظاهر لم تكن مجرد تسلية بريئة، بل كانت أدوات مُمنهجة لإغراء الشعوب، وكسر جدار العزلة، وخلق صورة مثالية جذابة عن النموذج الأمريكى مقابل النموذج السوفيتى الصارم؛ حيث ساهم هذا الغزو الثقافى آنذاك فى تقويض المنظومة الفكرية والاجتماعية داخل "الاتحاد السوفيتى"، وتمكن من جذب الشباب إلى النموذج الغربى، وفتح الباب أمام تحولات قيمية كانت من بين العوامل التى عجّلت بانهياره".

وأكد الدكتور محمد الشافعى أن الفن والثقافة كلاهما يلعب دورًا مزدوجًا؛ فإمّا أن يصيرا الدرع الحامى للهُوية الوطنية كما فى الحالة المصرية حينما نستثمر فى الفنون الأصيلة، أو أن يتحولا إلى أداة اختراق بواسطة استخدامهما كسلاح ناعم، تمامًا مثلما فعلت "الولايات المتحدة الأمريكية" مع "الاتحاد السوفيتى".

واستطرد الشافعي: " الفن فى جوهره وسيلة للتعبير عن الذات الجماعية والفردية، و"السايكودراما" تمثل صورة عملية لهذا الدور؛ فهى ليست مجرد تقنية علاجية نفسية، بل امتداد طبيعى لوظيفة الفن فى عملية مس الوجدان وتحريك المشاعر وإعادة تشكيل الوعى للمتلقى؛ فبطبيعة الحال تعتمد "السايكودراما" على التمثيل والإبداع الأدائى، وهما ركنان أساسيان فى الفنون المسرحية، غير أنّ غايتها تتجاوز المتعة الجمالية إلى بُعدٍ أعمق، إذ تساعد على تفريغ الشحنات الانفعالية، وتُعيد للأفراد قدرتهم على التواصل الفعال مع ذواتهم والآخرين، بهذا المعنى؛ فيتضح لنا أن "السايكودراما" تُجسّد الدور العلاجى والاجتماعى للفن، إلى جانب دوره التثقيفى والجمالى.

وأوضح أنه على المستوى المجتمعى تُسهم "السايكودراما" كذلك فى بناء جسور التفاهم والتعاطف، وتساعد على معالجة بعض الظواهر السلبية كالعنف، والعزلة، وضعف التواصل بين الأجيال؛ فهى أداة فنية نفسية مهمة قادرة على تحويل الألم الفردى إلى تجربة إنسانية مشتركة، وبالتالى تعزيز التماسك الاجتماعى، ومن هنا بات جليًا أن "السايكودراما" تُجسد أحد أرقى أدوار الفن فى التأثير على المجتمع، بوصفها تجعل من التمثيل والفن أداة علاجية وتربوية تُسهم فى تحسين الصحة النفسية، وترسيخ قيم المشاركة، وتوسيع وعى الفرد والمجتمع معًا.

وفى ختام حديثه، توجَّه الدكتور محمد الشافعى بخالص تحيته وشكره إلى الشباب على حضورهم الفعّال فى إنجاح هذه المبادرة الثقافية المهمة، وتحمّلهم عناء ومشقة المشاركة وسط حرارة الطقس الشديد، معتبرًا أن هذا حرصهم على المشاركة فى مثل هذه الفعاليات التثقيفيّة الرائعة يُعبّر عن وعيهم بأهمية الثقافة والفن فى صناعة المستقبل.

 ودعا الشافعي الشباب إلى أن يكونوا رموزًا فعالة فى عملية التغيير المجتمعى الإيجابى، عبر تبنيهم لقيم الحوار والإبداع والعمل الجماعى فى أوساطهم المختلفة، وحثهم على متابعة فعاليات مهرجان المسرح التجريبى في دورته الحالية، باعتباره منصة ثرية للتجارب الفنية الحديثة والجادة، التى تُسهم بصورة مؤثرة فى تجديد دماء الحركة المسرحية المصرية، وتفتح أمام الشباب آفاقًا جديدة لحرية التعبير والإبداع.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة