في عصر الكلاسيكية المسرحية، برز اسم فيليكس لوبي دي فيجا بقلب العاصمة الإسبانية مدريد، أحد أعمدة المسرح العالمي الذين أسهموا في تطوير الفن الدرامي ليكون مرآة للواقع، ليُحدث ثورة أدبية أعادت تشكيل ملامح الفن المسرحي في إسبانيا، ويترك بصمة لا تمحى في تاريخ الأدب العالمي، تنوعت تجربته الأدبية بين الشعر، والكاتبة المسرحية، والرواية فكان غزير الإنتاج، حتى لقبّه معاصروه بـ"وحش الطبيعة"، نظرًا لقدرته العبقرية والفذة على الإبداع.
ميلاده ونشأته
وُلد لوبي دي فيجا في 25 نوفمبر 1562، ونشأ في أسرة متواضعة، أظهر نبوغًا أدبيًا مبكرًا، فتمكن من كتابة الشعر وهو لا يزال طفلًا، ثم التحق بجامعة ألكالا لكنه لم يُكمل تعليمه، وانخرط لاحقًا في الحياة الأدبية والعسكرية، حيث شارك ضمن صفوف "الأرمادا الإسبانية" عام 1588 في حملتها الفاشلة ضد إنجلترا.
عُرف بحياته العاطفية المضطربة، وتعددت علاقاته النسائية، وهو ما ترك أثرًا واضحًا في كتاباته، قبل أن يتجه في منتصف عمره إلى التديّن، ويكون كاهنًا عام 1614، دون أن يتوقف عن الكتابة.
حياته الأدبية
ويعد لوبي دي فيجا المؤسس الحقيقي للمسرح الإسباني الحديث، حيث كسَر القوالب الكلاسيكية الجامدة للمسرحية في عصره، وأرسى قواعد "الدراما الوطنية" التي مزجت بين المأساة والكوميديا، وأعطت أهمية للعنصر الشعبي، فكان أول من خاطب الذوق العام والجمهور العريض لا النخبة المثقفة فقط
جسد لوبي دي فيجا نموذجًا للكاتب الغزير؛ إذ يُنسب إليه تأليف أكثر من ثلاثة آلاف عمل أدبي، من بينها نحو 1800 مسرحية، نُشر منها ما يزيد عن 400 نص مسرحي مكتمل، بل وأحدث تحوّلًا جذريًا في مفهوم الدراما الإسبانية، من خلال ما عُرف لاحقًا بـ"الكوميديا الجديدة"، فتجاوز القوالب التقليدية، ودمج التراجيديا بالكوميديا، وفتح الباب أمام لغة شعبية قريبة من المتفرج، بدلًا من الاعتماد الحصري على اللغة النخبوية المقعّدة.
أشهر مسرحياته:
Fuenteovejuna: دراما اجتماعية تصور تمرد قرية ضد ظلم الحاكم.
El perro del hortelano: كوميديا ذكية حول الصراع الطبقي والحب.
El caballero de Olmedo: تراجيديا شاعرية عن الحب والموت والشرف.
La dama boba: مسرحية تعالج فكرة الذكاء والتعليم من منظور نسوي معاصر لعصره.
لكنّ نتاج لوبي دي فيجا لم يقتصر على المسرح فحسب، فكتب الشعر الغنائي والقصائد الملحمية، إضافة إلى الرواية والنقد الأدبي. وتُعد رسالته النظرية "فن تأليف المسرح في هذا الزمن" (Arte nuevo de hacer comedias en este tiempo)، من أهم الوثائق الأدبية في القرن السابع عشر، حيث برر فيها كسر القواعد الأرسطية، ودافع عن المسرح الشعبي القريب من نبض الجمهور.
وفاته
توفي لوبي دي فيجا في 27 أغسطس 1635 عن عمر ناهز 72 عامًا، وشيّعته مدريد في جنازة مهيبة تعكس حجم تأثيره، وعلى الرغم من مرور قرون على رحيله، لا تزال أعماله تُدرس وتُعرض وتُحلل، باعتباره أحد أبرز رموز العصر الذهبي الإسباني.