الأربعاء 3 سبتمبر 2025

ثقافة

مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي يناقش الذكاء الاصطناعي ما بين الإبداع الإنساني وتهديد الصناعة

  • 2-9-2025 | 17:43

جانب من الندوة

طباعة
  • همت مصطفى

شهد اليوم الأول من فعاليات مهرجان القاهرة الدُّوَليّ للمسرح التجريبي في دورته الثانية والثلاثين، أولى الجلسات محور «المسرح وما بعد العولمة»، والتي أقيمت تحت عنوان «المسرح والذكاء الاصطناعي» وشارك فيها: دكتور عبد الكريم عبود من  العراق، دكتور منتهى طارق من  العراق، د. سليمان محمد آرتي من  الكويت، جهاد الديناري من  مصر، وأدار الجلسة دكتور هشام زين الدين من لبنان.

 المواقف تجاه الذكاء الاصطناعي متباينة

وفي بداية الجلسة، أكد دكتور هشام زين الدين أن المواقف تجاه الذكاء الاصطناعي متباينة؛ فهناك من يهلل له ويرى فيه فتحًا تقنيًا كبيرًا يمكن أن يطور المسرح ويدفعه نحو آفاق جديدة، بينما يقف آخرون على الضفة المقابلة معتبرين أنه تهديد مباشر وخطر وجودي قد يهدد جوهر الفن المسرحي ذاته، وهو ما يجعل الذكاء الاصطناعي إشكالية حقيقية تستدعي النقاش العميق.
 

د. منتهى طارق حسين: الذكاء الاصطناعي قادر على صياغة نصوص مسرحية لكنه عاجز عن تجسيد العمق الإنساني
 

وقدّمت الأستاذة الدكتورة منتهى طارق حسين، الأستاذة في الجامعة المستنصرية/ كُلِّيَّة التربية الأساسية، ورقة بحثية بعنوان: «نحو مقاربة تحليلية للعلاقة الترابطية بين الذكاء الاصطناعي وإنسانوية النص المسرحي”، وذلك ضمن فعاليات الجلسة النقاشية «المسرح والذكاء الاصطناعي"

وخلال عرضها للورقة البحثية، أوضحت الباحثة أن الذكاء الاصطناعي بدأ يفرض حضوره بقوة على العديد من المساحات التي كانت تعتمد في الأصل على الطاقة الإنسانوية الخالصة، وهو ما أوجد اتجاهين متناقضين: الأول يتبنى المخاوف من إمكانية أن يحل الذكاء الاصطناعي محل الإحساس الإنساني الذي يُعد أساس العملية الإبداعية، والثاني يرى في هذا التدخل أداة لتبسيط وتسريع الكثير من الأمور.

 وأضافت أن السؤال الأهم الذي يجب طرحه في هذا السياق هو: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون بديلًا للإحساس الإنساني الذي يُمثل حجر الأساس في الكتابة المسرحية الإبداعية؟

وبيّنت أن البحث الذي قدّمته سعى إلى تفكيك العلاقة الترابطية بين الذكاء الاصطناعي وإنسانوية النص المسرحي عبر مقاربة تحليلية متعددة الأبعاد، تمزج بين الفلسفي والتحليل الفني والتقني. وأكدت أن الدراسة انطلقت من إشكالية محورية مفادها: «كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتفاعل مع البعد الإنساني بكل أعماقه البشرية وذواته الحسية في النص المسرحي، من دون أن يفقد النص فرادته وروحه الإبداعية؟

وخلصت الباحثة إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر بالفعل على صياغة بني درامية متماسكة وإنتاج لغة مسرحية متقدمة، إلا أنه يظل محدودًا في تجسيد العمق الإنساني والبعد التأملي، مؤكدة أن الريادة ستبقى دائمًا للعقل والفعل الإنساني الذي لا يمكن تقليصه ضمن أطر محددة

وأشارت إلى أن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغت درجة تطوره التقني، سيظل في نهاية الأمر مرتبطًا بالعقل البشري ومقيدًا به، ولن يتمكن من تجاوز الروح الإبداعية الفريدة التي يتميز بها الإنسان.


د. سليمان محمد آرتي: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل المسرح بفضاءات رقمية تكسر الأعراف التقليدية

من جانبه شارك الدكتور سليمان محمد آرتي، الأستاذ المشارك بقسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت، في فعاليات الجلسة النقاشية «المسرح والذكاء الاصطناعي”، مقدماً دراسة علمية بعنوان: الذكاء الاصطناعي في الفن المسرحي: الرؤيا والتشكيل.

 

وأكد الباحث في ورقته أن الذكاء الاصطناعي أصبح يحتل مكانة بارزة في تطوير الفنون، حيث يسهم في تحويل عناصرها إلى تشكيلات تقنية جديدة تتوافق مع طبيعة التلقي المتغيرة، مشددًا على أن المسرح والتكنولوجيا يشكلان معًا ثنائية متلازمة في صياغة صورة معاصرة تتجلى في الروبوتات والأداء الرقمي (صوت، صورة، إضاءة)، بما يخلق فضاءً سينوغرافيًا متجددًا باستمرار.

مفهوم التجاوز الإنساني  يربط بين التقدم العلمي والتكنولوجي

وتناول د. آرتي ما طرحه الباحث سيمون يونغ Simon Young حول مفهوم التجاوز الإنساني، الذي يربط بين التقدم العلمي والتكنولوجي وبين تعزيز قدرات الإنسان لمواجهة الموت والأمراض، من خلال تطوير الهندسة الوراثية والجينات والتغيير البيولوجي، وهي ذات الرؤية التي أكدها عالم الفيزياء جريجوري ستوك Gregory Stock في كتابه إعادة تشكيل البشر (Redesigning Humans)، كما أشارت الباحثة نوران مهدي عبد العزيز في دراستها خطاب الأجساد المهجنة في الفنون الأدائية المعاصرة.

تجربة المخرج الفرنسي فيليب ديمير

وتوقف الدكتور آرتي في دراسته عند تجربة المخرج الفرنسي فيليب ديمير Louis Philippe Demers في مسرحيته “Inferno” (الجحيم)، حيث ارتدى الممثلون هياكل آلية نصفية أثناء الأداء الحركي، في محاولة لاختبار قدرة الإنسان على التعايش مع المركبات الآلية، بما يعكس نزعة تنظيرية لعوالم جديدة تقترب من واقع الحياة الإنسانية.

وطرح الباحث عدة فرضيات رئيسية، من أبرزها: إن مفهوم ما بعد الإنساني يرتبط بالتقدم التكنولوجي ودوره في تعزيز قدرات الإنسان، لكنه في الوقت نفسه يفرض نوعًا من التحكم يظهر في العروض المسرحية عبر عناصر مثل الإضاءة، الصوت، الحركة، البرمجيات، والفيديو، وأن السعي إلى كسر الأعراف الأدائية التقليدية وفتح فضاءات رقمية جديدة تتقاطع فيها البنية الطبيعية مع الآلية، بما يطور الممارسات الفنية المعاصرة.

وفي ختام دراسته، شدد د. آرتي على أن هذه التحولات ليست مجرد تنظيرات فكرية، بل انعكاس عملي في عروض مسرحية معاصرة باتت تستند إلى الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية، لتوسيع حدود الإبداع وإعادة تشكيل العلاقة بين الفن، الإنسان، والتكنولوجيا.

  •  د. الكريم عبود عودة: التناسج بين الجسد المادي والتجسيد الافتراضي يعيد صياغة الممارسات المسرحية في عصر الذكاء الاصطناعي

فيما قدّم الأستاذ الدكتور عبد الكريم عبود عودة، أستاذ المسرح في جامعة البصرة – العراق، دراسة بعنوان: الذكاء الاصطناعي والممارسات المسرحية: تناسج البعد المادي والتجسيد الافتراضي في العرض المسرحي المعاصر»، وذلك ضمن فعاليات الجلسة النقاشية «المسرح والذكاء الاصطناعي».

في مستهل ورقته، أوضح الباحث أن المسرح شهد منذ بدايات القرن العشرين تحولات جوهرية بفعل التطور التقني والتكنولوجي، وصولًا إلى التحديات الكبرى التي فرضها الذكاء الاصطناعي على المبدع الإنساني، فلم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة لمعالجة البيانات أو تنفيذ المهام الروتينية، بل تحول إلى فاعل رئيس في تشكّل العمليات الإبداعية، سواء في الفنون عامة أو في فن المسرح على وجه الخصوص.

 الذكاء الاصطناعي ينتج  النصوص الموسيقية والصور والفيديوهات السينمائي

وبيّن أن الذكاء الاصطناعي أصبح قادرًا اليوم على إنتاج النصوص الموسيقية والصور والفيديوهات السينمائية، بل وعلى إعادة إنتاج العروض التاريخية عبر إعادة بنائها رقميًا، إضافة إلى ما أتاحه من إمكانات واسعة في دمج الصورة بالصوت عبر قوانين رقمية متطورة، وهو ما جعله جزءًا من العملية الفنية ذاتها، عبر مساهمته في تطوير أدوات تكنولوجية جديدة مثل تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي، بما أسهم في إعادة تشكيل العلاقة الجمالية ومعطياتها الفنية والفكرية، وصولًا إلى تأسيس علاقة جديدة بين الفنان المبدع والعالم الافتراضي المنتج.

 

وأضاف د. عودة أن الذكاء الاصطناعي لعب دورًا محوريًا في إحداث تحولات كبيرة على مستوى التكوين السينوغرافي والتفاعل الدرامي، إذ أتاح للصورة المشهدية إمكانات غير مسبوقة في تصميم عوالم رقمية قابلة للتغيير والتبديل والإزاحة والتفاعل الحي، وهو ما أفرز ديناميكية تفاعلية جديدة قائمة على التناسج بين البعد المادي لمكونات العرض المسرحي الحضورية والتجسيد الافتراضي للذكاء الاصطناعي.

وعبر هذا المفهوم، يتفاعل الجسد البشري المادي مع العناصر الرقمية داخل بنية متجانسة تستدعي وعيًا جماليًا وتقنيًا مبتكرًا، حيث تتيح البيئة الرقمية – من خلال تقنيات مثل التقاط الحركة والتوأم الرقمي – نقل الانفعالات والتعابير البشرية إلى شخصيات رقمية تستجيب للأحداث في زمنها الواقعي.

وأكد أن الإشكالية الأساسية التي تناولتها الدراسة تتعلق بفاعلية حضور الفعل الإبداعي الإنساني في مقابل الإمكانيات الرقمية المتطورة والمتغيرة، خاصة مع تصاعد الاكتشافات التقنية التي تسعى لإزاحة دور الفنان المبدع واستبداله بالقدرات الافتراضية كأداة للتعبير الفني المسرحي.

جهاد الديناري: الذكاء الاصطناعي يهدد مسرح الطفل ويضعف التلقي الحي أمام الشاشات.

بينما قدمت الباحثة جهاد الديناري ورقة بحثية بعنوان: «تحديات مسرح الطفل في عصر الـAi بين تطوير التقنيات.. وانهيار التلقي وتهديد الصناعة»، تناولت فيها ظاهرة مسرح الطفل «الأون لاين» الحديثة، التي يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي بداية من الكتابة والإخراج وصولًا إلى طريقة العرض.

وأشارت جهاد إلى أن انتشار فيروس كورونا ساهم في صعود المسرح الإلكتروني البديل في أوروبا وأمريكا، حيث أصبح من الممكن متابعة عروض مسرحية كاملة عبر الإنترنت من خلال حجز الكرسي إلكترونيًا، كما في تجربة المسرحية الأمريكية«Dream»، دون الحاجة إلى الحضور الفعلي.

وأكدت أن هذه التقنيات قدمت حلولًا عملية في أوقات الأزمات مثل جائحة كورونا، لكنها في الوقت ذاته تهدد فكرة التلقي المباشر للمسرح وتضعف من أهمية التجربة الحية، خاصة فيما يتعلق بمسرح الطفل الذي يقوم أساسًا على التفاعل الحسي المباشر بين الطفل والعرض المسرحي.

كما حذرت الباحثة من خطورة انزلاق الصناعة برمتها إلى سيطرة الآلة على حساب الدور البشري، موضحة أن استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في كتابة السيناريو، إنتاج الصورة المسرحية الإلكترونية، وأحيانًا الإخراج، يهدد الصناعة التقليدية، بل ويؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والعقلية للأطفال والمراهقين.

وختمت جهاد ورقتها البحثية بعرض مقارنة بين شكل التلقي في مسرح طفل حقيقي، وآخر يعتمد على الذكاء الاصطناعي، مؤكدة أن هذه المقارنة تكشف التباين الكبير بين التجربتين، وتنذر بضرورة التعامل الواعي مع هذه التقنيات الجديدة.

وشهدت الندوة نقاشات متعددة ومتباينة حول الذكاء الاصطناعي وعلاقته بالمسرح وقدم الدكتور سامح مهران رئيس المهرجان مداخلة أكد فيها علي خطورة استخدام الذكاء الاصطناعي على العقل البشري نفسه وأن استخدامه يجعل العقل بليد ويكون غير قادر فيما بعد علي أي إبداع أو ابتكار لأنه سيكون تعود على الكسل.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة