السبت 6 سبتمبر 2025

اقتصاد

بوتسوانا ثاني أكبر منتج عالمي للألماس الطبيعي تواجه تهديدا من "الصناعي"

  • 5-9-2025 | 15:40

الألماس الصناعي

طباعة
  • دار الهلال

 يواجه اقتصاد بوتسوانا أحد أكبر تحدياته في قطاع التعدين، مع تصاعد تأثير الألماس الصناعي على السوق العالمية. 

فبينما يعتمد البلد بشكل كبير على صادرات الأحجار الكريمة الطبيعية، بدأت المنتجات الصناعية الرخيصة تقلّص الطلب على كنوز بوتسوانا، مما يضع ضغوطًا متزايدة على إيراداتها ويثير القلق بشأن مستقبل القطاع واستدامة ثروتها الطبيعية.

وعقب اكتشاف رواسب هائلة من الألماس في باطنها عام 1967؛ تحولت بتسوانا إلى أكثر الدول ثراء في منطقة جنوب الصحراء من حيث نصيب الفرد.

إلا ان أزمة سوق الألماس العالمية حولت تلك الاكتشافات إلى محنة وقصة تحذير لما قد يحدث لاقتصاد يعتمد بصورة مفرطة على سلعة واحدة.

وتحتل بوتسوانا المرتبة الثانية عالميًا بعد روسيا من حيث كمية الألماس المنتَج، ويتركز الإنتاج في مناجم مثل جوايانج وأوبانج.

وفي تحقيق موسع لها من عاصمة بوتسوانا، أشارت وكالة بلومبيرج ، إلى سوق الألماس الطبيعي العالمي المأزوم جراء انتشار "الألماس المزروع" في المختبرات- الألماس الصناعي - والمعامل، ما تسبب في ضرب تجارة الألماس الطبيعي في مقتل، ولاسيما في الولايات المتحدة أكبر أسواق المجوهرات في العالم، مؤكدة أن الألماس المزروع مختبريا بات يشكل ما يقرب من نصف مشتريات خواتم الزواج في الولايات المتحدة بعدما كانت نسبته لا تتجاوز 5 في المائة في 2019.

وهناك عوامل أخرى عرجت إليها الوكالة الأمريكية من بينها انهيار قطاع متاجر السلع الفاخرة في الصين وتداعيات التعريفات الجمركية الأمريكية على التجارة، ما أضر باستخراج وصناعة الألماس الطبيعي.

وتضيف: أنه بينما أصبح في الإمكان تخليق الألماس المزروع داخل المختبرات في غضون أسابيع أو أشهر، في ظل بيئة مختبرية مراقبة؛ تحاكي الظروف الطبيعية؛ فإن الألماس الطبيعي يتشكل على مدار مليارات السنين، من بلورات كربونية تتشكل تحت ظروف ضغط وحرارة شديدتين في أعماق طبقات الأرض. 

وتابعت إن ثوران البراكين تعمل على إطلاق تلك الرواسب من الأعماق إلى طبقات يمكن للإنسان حفر مناجم لاستخراجها، أو تكون موجودة في قيعان الأنهار والبحار والمحيطات. 

ويتكلف استخراجه وتشغيله أضعاف عدة مقارنة بنظيره من الألماس الصناعي، أو الذي يُطلق عليه البعض "الألماس المختبري".

ومع انتشار استخدام "الألماس المزروع" حدث اضطراب كبير وارتباك شديد لم تشهدهما الأسواق منذ طفرة "الألماس الغروي" (نسبة إلى الطمي)، الذي اكتُشف بغزارة على شواطئ ناميبيا في مطلع القرن الماضي، وتسبب في تراجع الأسعار آنذاك. وفي المقابل تسبب انتشار الألماس المزروع وشيوع استخدامه في صدمة لإيرادات بوتسوانا التي يشكل الألماس الطبيعي 80 في المائة من صادراتها، وثلث الدخل الحكومي. 

وتجلت ذروة الأزمة في إعلان مجموعة "أنجلو أمريكان بي إل سي" سعيها لبيع شركة "دي بيرز"، أكبر شركة ألماس في العالم، التي تستخرج معظم الأحجار الثمينة من مناجم بوتسوانا ضمن مشروع برأسمال مشترك مع حكومة جابورون.

وتكشف إحصاءات اقتصاد بوتسوانا ومؤشراته الكلية عن حقيقة المشهد المؤلم في البلاد والتراجع السريع، الذي يطيح بالشعار التسويقي الشهير، الذي رفعته شركة "دي بيرز" العالمية: "ألماس يدوم للأبد".. للتعبير عن الطفرة التي انطلقت منذ السبعينيات. 

وقد انتقلت الأزمة إلى المؤشرات الكلية، وسط توقعات بأن يصل العجز المالي لبوتسوانا في عام 2025 إلى 11 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو الأكبر منذ الأزمة المالية العالمية في 2009، والأعلى على مستوى منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية خلال هذا العام. 

وسيزداد الدين الحكومي ليصل إلى 43 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ضعف المعدل المسجل قبل عامين، ويتجاوز الحدود المسموح بها تشريعياً.

من جانبها، ألغت وزارة المالية البوتسوانية توقعاتها للنمو الاقتصادي في 2025، لافتة إلى أنه قد ينكمش 0.4 في المائة. 

وهبطت احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية بنسبة 27 في المائة مقارنة بالعام الماضي. وتوقعت مجموعة "سيتي جروب" أن تواصل بوتسوانا تخفيض قيمة عملتها المحلية "بولا". 

وتتعرض بوتسوانا لانحسار في تدفقات إيراداتها، ما تسبب في مصاعب ضخمة تتعلق بالسيولة المتوافرة في البلاد، بما يهدد استقرار مالية البلاد واستدامة أنشطة العمليات الحكومية. وبعد سنوات من تقييد الاقتراض، انقلب الوضع وباتت البلاد تتجه إلى الدين. 

وقلصت وكالتا "موديز" و"ستاندرد أند بورز" من تصنيف البلاد الائتماني إلى توقعات سلبية خلال هذا العام، كما يعاني قطاع الألماس في البلاد ضغوطاً حادة، سواء بالنسبة للأسعار أو الكميات المنتجة.

وتشكل السياحة، التي تركز على رحلات السفاري الفاخرة في منطقة دلتا أوكافانجو بما لديها من أكبر تعداد للأفيال على مستوى العالم، المصدر الثاني للدخل في البلاد بعد الألماس، وتسهم بنحو 12 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. 

وهناك بعض مناجم النحاس قيد التطوير، بينما تتوافر في البلاد احتياطيات هائلة من الفحم، والتي لم تجتذب بعد الاستثمارات اللازمة لاستخراجها، ويعاني نحو 40 في المائة من السكان أقل من 24 عاماً من البطالة.

وتوظف مناجم الألماس بضعة آلاف فقط، فيما يعتمد الباقون على سخاء الحكومة الذي ولت أيامه بعد أن خفت بريق الألماس الطبيعي بسبب "الألماس المزروع" الذي سحب البساط من تحت أقدامه، والقى البلاد في دوامة من المتاعب والأزمات الاقتصادية.

ويشكل الألماس، ثلاثة أرباع صادرات بوتسوانا ونسبة كبيرة من إيرادات الحكومة؛ مما يجعلها دولة تعتمد اقتصاديًا على هذا المورد الطبيعي.