في ظل ما يشهده العالم من متغيرات أمنية متسارعة وتحديات إقليمية متشابكة، تواصل مصر تعزيز قدراتها الدفاعية وتوطيد شراكاتها العسكرية مع الدول الشقيقة والصديقة، من خلال تدريب "النجم الساطع" في نسخته التاسعة عشرة، الذي جرى خلال الفترة من 28 أغسطس حتى 10 سبتمبر الجاري، والذي يعد واحدا من أكبر التدريبات المشتركة عالميا.
ورصد مسئول الملف العسكري لوكالة أنباء الشرق الأوسط منذ بدء فعاليات مناورات "النجم الساطع" والتي تعد الأضخم في المنطقة، جاهزية كافة أفرع القوات المسلحة والأسلحة المعاونة بكل شجاعة ودقة في تنفيذ المهام العسكرية والأنشطة التكتيكية المتقدمة سواء على الأرض أو الجو أو البحر ، واستخدام الذكاء الاصطناعي، واستخدام المسيرات لدعم العمليات العسكرية، هدفت جميعها إلى تعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب وتحقيق التنسيق العملياتي بين القوات المشاركة، اختتمت بتنفيذ عملية الهجوم على شاطئ معاد من خلال عناصر الوحدات الخاصة بواسطة الإبرار البحري والإسقاط المظلي، وتنفيذ قصف جوي ضد الأهداف المخططة على الساحل بواسطة الطائرات المتعددة المهام، فيما قامت عناصر القوات البرية بتنفيذ أعمال التأمين وصد الإبرار البحري المعادي. وأظهرت الأنشطة المستوى الراقي للقوات ومدى قدرتها على تنفيذ المهام بأساليب إحترافية فى أزمنة قياسية وبدقة عالية.
وقد أظهر المقاتل المصري في هذا التدريب - بمشاركة 44 دولة، منها 14 دولة تشارك بقوات ومعدات عسكرية بأكثر من 8 آلاف مقاتل، و 30 دولة بصفة مراقب وعلى مدى 14 يوما - الذكاء والقدرة فى الادارة والتحكم والتنفيذ من خلال افضل استغلال للمعدة العسكرية التي بحوزته.
وأكد خبراء استراتيجيون لوكالة أنباء الشرق الأوسط أن هذا التدريب المشترك يعد منصة استراتيجية لتبادل الخبرات وصقل المهارات القتالية، ورسالة واضحة على عمق التعاون العسكري بين مصر وشركائها، بما يرسخ دعائم الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وأوضح الخبراء أن أهمية التدريب تكمن في كونه اختبارًا حقيقيًا لمدى جاهزية القوات المسلحة، مشيرين إلى أنه يتيح لمصر الاطلاع على أحدث التكتيكات القتالية والتكنولوجيات العسكرية المتقدمة، منوهين كذلك إلى أن استمرار انعقاد "النجم الساطع" على أرض مصر يعكس الثقة الدولية في قدرات الجيش المصري ودوره المحوري في حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة.
وفي هذا الإطار، قال اللواء دكتور سمير فرج الخبير الاستراتيجي ومدير إدارة الشؤون المعنوية الأسبق إن تدريبات "النجم الساطع" تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تعتبر مصر الشريك الاستراتيجي والرئيسي الأهم من خارج حلف الناتو، كما أن التدريب يؤكد أن مصر هي القوة الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط.
وأضاف أن مناورات "النجم الساطع" تهدف إلى تبادل الخبرات بين مختلف المدارس العسكرية وأنظمة التسليح المتطورة، حيث تركز الولايات المتحدة على اكتساب مهارات القتال بالأراضي الصحراوية، لخبرة مصر الكبيرة في هذا المجال، حيث إن مصر تعد آخر دولة دخلت حرباً تقليدية ضد إسرائيل، وخرجت مصر من هذه الحرب بخبرات قتالية كبيرة ما زالت تدرّس حتى الآن، لذلك يسعى الجميع للحضور إلى مصر للاشتراك في هذه المناورات للاستفادة من خبرة القوات المسلحة المصرية بعد حرب 1973.
وأبرز أن هذه التدريبات تشارك فيها 14 دولة بقواتها وأحدث أسلحتها ومعداتها، وهو ما يمثل فرصة للقيادة المصرية للتعرف على هذه الأنظمة والأسلحة الجديدة عن قرب، واختيار ما يلزم للقوات المسلحة عند التعاقد على شراء أي سلاح جديد.
ونوه إلى أن تدريب "النجم الساطع" يعد فرصة حقيقية لمصر للتعرف على أساليب القتال في العقيدة الغربية التي تتبعها الولايات المتحدة، كما أن هذه التدريبات ترفع الروح المعنوية لجنودنا.
ولفت إلى أن ميدان التدريب "قاعدة محمد نجيب" تعد أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط، وتظهر من خلال هذا التدريب قدرتها على استيعاب هذا الحجم من القوات والمعدات والأسلحة، إذ إن القاعدة مجهزة بميادين تدريب على أعلى مستوى، ومساحات واسعة للتدريب الصحراوي، فضلا عن الاستعدادات اللوجستية للقوات المشتركة.
من جهته، قال اللواء طيار دكتور هشام الحلبي المستشار بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية إن تدريب "النجم الساطع" يعد من أكبر التدريبات المشتركة في العالم، حيث شارك فيه عدد كبير من دول العالم ذات الثقل العسكري، مشيرا إلى أن حجم زيادة حجم القوات وعدد الدول المشاركة في هذه النسخة من التدريب يعكس بشكل كبير مدى الثقة الدولية في القوات المسلحة المصرية وسعيهم للانخراط معها في تدريبات قتالية مشتركة لما تتمتع به من ثقل إقليمي ودولي.
وذكر "الحلبي" أن هناك زيادة كبيرة في عدد الدول التي تشارك بصفة مراقب، حيث يبلغ العدد 30 دولة، منوها إلى أن تلك الدول تشارك من خلال متابعة فعاليات التدريب، للمشاركة فيه بشكل أساسي في المرات القادمة.
وأبرز أن التسليح المستخدم في التدريب يعد الأحدث في العالم، لافتا إلى أن مصر قادرة بقواتها المسلحة على تنظيم هذا الحجم من التدريب العالمي عالي المستوى، حيث تشارك 44 دولة بسلاح متمركز، وتدريبات محترفة بالذخيرة الحية تمثل العمليات الحقيقية.
ونوه إلى أن ميادين التدريب المستخدمة في فعاليات "النجم الساطع" تناسب التسليح الحديث لضمان أعلى مستوى من احترافية التدريب، وهو ما يعكس ثقل مصر العسكري وقدرتها على استضافة تدريب مشترك بهذا الحجم، واستمراريته.
ولفت اللواء طيار دكتور هشام الحلبي إلى أن المستوى العالي من التدريب للمقاتل المصري مع أسلحة متنوعة وحديثة يمثل إضافة لأي مقاتل، مسلطا الضوء كذلك على أن مشاركة القوات بالتدريب لا تكون في القتال فقط، ولكن أيضا في التخطيط وإدارة عمليات القتال من مراكز العمليات.
وأضاف " الحلبي " أن نسخة هذا العام تشهد مشاركة لقوات الشرطة المصرية، حيث يتطرق التدريب إلى "الحروب التقليدية" وهي التي تكون بين جيشين نظاميين، و"الحروب غير التقليدية"، مثل الحرب على الإرهاب، وكانت الشرطة جزءا من الحروب غير التقليدية عبر اشتراكها في الحرب على الإرهاب، لذلك فإن مشاركتها في هذا التدريب يمنحها خبرة وكفاءة كبيرة في هذا المجال.
ولفت إلى أن التدريب يشهد حضورا قويا للتسليح المصري الحديث، الأمر الذي يمثل فرصة كبيرة لكل دول العالم أن ترى السلاح المصري جنبا إلى جنب مع السلاح العالمي، وهو ما يعد يمثل ثقلا للصناعة العسكرية المصرية.
واختتم تصريحه بإلقاء الضوء على أهمية التدريب وانعكاساته على الجانب السياحي، حيث يضع التدريب مصر على الخريطة العالمية في إعلام الدول المشاركة بما يمثل إضافة للدولة المصرية ودعاية للأمن والاستقرار.
بدوره، أكد اللواء محمد الغباري مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق أن مثل هذه التدريبات تعكس الاستعداد القتالي للقوات المسلحة فضلا عن استعراض الكفاءة الفنية للمعدات والأسلحة المستخدمة في التدريب.
وقال "الغباري" إن مسألة رفع مستوى التدريب في الجيوش يكون بأمرين، الأول هو التدريب الفعلي الشاق كما في نموذج "النجم الساطع"، أو الخبرات المكتسبة من الحروب، وهو ما يتوفر كذلك لدى مصر من خلال حرب أكتوبر والحرب على الإرهاب.
وأبرز أن فوائد تدريب "النجم الساطع" تتمثل في أنه يمثل فرصة للقوات المشاركة من مختلف الدول للاطلاع على العقائد التدريبية لكل جيش، بما يزيد من حصة العلم والخبرة لدى القوات.
ونوه إلى أن التدريب يشهد مشاركة دولية واسعة، بما يعني أنه تتم إدارته من خلال مراكز قيادة مشتركة، وهو الأمر الذي يمكن من الاطلاع على مراكز القيادة الحديثة والتعرف على الأساليب الحديثة لمراكز القيادة، كما أن التدريب يعد فرصة لنقل خبرة القتال المكتسبة لدى الجيوش الأخرى.
ولفت إلى أن مصر تعد الدولة الوحيدة في العالم التي حاربت الارهاب وانتصرت عليه واجتثته من جذوره، مشيرا إلى أن التدريب يعد فرصة للدول المشاركة فيه للاطلاع على التجربة والنموذج المصري في الحرب على الإرهاب.
وشدد مدير كلية الدفاع الوطني الأسبق على أن التدريب يعد رسالة قوية وواضحة كلك على قدرات الجيش المصري الفعلية واستعداده القتالي، وهو ما يمثل رداعا لأي تهديد يحيط بمصر خاصة في ظل الظروف الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.