تقف الدول العربية والإسلامية أمام اختبار حاسم خلال قمة الدوحة، في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على العالم العربي والإسلامي، الأمر الذي يفرض عليها اتخاذ إجراءات رادعة أمام هذا الجموح الصهيوني، الذي لا يعترف بالمبادئ أو القوانين الدولية، مستندًا إلى غطاء سياسي وعسكري أمريكي.
وخلال أقل من عامين، لم تكتفِ إسرائيل بحرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وانتهاك الأعراف والمواثيق الدولية، بل شنت مواجهات عسكرية ضد خمس دول عربية وإسلامية، هي: سوريا ولبنان واليمن وإيران، وأخيرًا قطر، في انعكاس واضح لحجم التهديد الذي تمثله على المنطقة.
وفي العدوان الأخير على قطر، تكشفت حقيقة المزاعم الإسرائيلية بشأن رغبتها في إحلال السلام، كما برزت محدودية الحماية الأمريكية لدول المنطقة، وهو ما يؤكد أن الدول العربية مطالَبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالاعتماد على قدراتها الذاتية في حماية أمنها القومي.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية إنشاء قوة عربية مشتركة تكون مصر في قلبها، باعتبارها أكبر قوة إقليمية قادرة على فرض معادلة الردع.
ويرى خبراء أن تفعيل هذه الفكرة، التي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي قبل نحو عشرة أعوام، بات ضرورة ملحّة لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية، واستعادة الأمن والاستقرار الغائبين عن المنطقة منذ عامين.
رد عربي وإسلامي موحد
وبشأن قمة الدوحة، أكد الدكتور محمد العزبي، خبير العلاقات الدولية، أن الأجندة الرئيسية للقمة العربية الإسلامية المقررة في قطر ستتركز على عدد من الأولويات، في مقدمتها إدانة الهجوم الإسرائيلي على السيادة القطرية والدعوة إلى تحقيق دولي عاجل، مع مطالبة مجلس الأمن بالتحرك كما جرى في إدانات سابقة.
وأضاف العزبي، في حديث لـ"دار الهلال"، أن القمة ستسعى إلى صياغة رد عربي وإسلامي موحد ضد إسرائيل، من خلال قرارات قد تشمل مقاطعة اقتصادية، تجميد العلاقات، أو حتى بحث تشكيل قوة عربية مشتركة، وهي الفكرة التي طرحها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2015 بدعم سعودي.
وأشار إلى أن القضية الفلسطينية ستكون محورًا أساسيًا، عبر دعم مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة، ومناقشة التوترات في لبنان وسوريا، إضافة إلى تعزيز الدعم السياسي والمالي لفلسطين، مع التشديد على وقف سياسة "الأرض المحروقة" التي ينتهجها الاحتلال في القطاع.
وستُبرز القمة أهمية التضامن العربي الإسلامي، مع مناقشة الدعم لقطر، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء القطري الأسبق حمد بن جاسم دلالة قوية على وحدة الصف في توقيت حساس.
وأوضح العزبي أن القمة تأتي في ظل تصعيد خطير في غزة ولبنان، واستمرار التوتر مع إيران، ومخاوف من تهجير جماعي للفلسطينيين، ما يجعلها فرصة حاسمة لرسم خطوط حمراء أمام إسرائيل، عبر بيان يطالب بوقف فوري للجرائم الإسرائيلية ومنع أي محاولات لفرض وقائع جديدة على الأرض.
كما لفت إلى أن هناك توقعات بأن تُقر القمة خطة تحرك جماعي تشمل ضغوطًا دبلوماسية واقتصادية، مع ربط الهجوم على قطر بالأزمة الفلسطينية، لإنهاء ما وصفه بـ"الانطباع بأن إسرائيل تتحرك بلا عقاب".
مصر.. صمام الأمن الإقليمي
وبشأن الأدوار الإقليمية، شدد العزبي على أن مصر ستلعب دورًا محوريًا في القمة كميسر رئيسي للجهود الدبلوماسية، على غرار ما قامت به في "قمة فلسطين" بالقاهرة في مارس 2025، مؤكدًا أن مشاركتها على أعلى مستوى تمثل اختبارًا لدورها الإقليمي.
وأضاف أن مصر تُعتبر "صمام الأمن الإقليمي" بفضل موقعها الجيوسياسي الذي يسيطر على قناة السويس، وحدودها مع غزة التي تجعلها بوابة أساسية للدعم الإنساني، فضلًا عن قوة جيشها، وخبرتها في الوساطة، وعلاقاتها المتوازنة مع القوى الدولية، ما يجعلها "رمانة الميزان" في الشرق الأوسط.
وشدد على أن نجاح القمة في تبني إجراءات عملية مشتركة سيعني انتقال العالم العربي والإسلامي من مرحلة البيانات التقليدية إلى مرحلة العمل الفعلي لردع التصعيد الإسرائيلي وحماية الاستقرار الإقليمي.
وفي سياق الدور المصري، يؤكد منير أديب، الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية وقضايا الأمن القومي، أن مصر دولة عربية كبرى ترفض أي اعتداء على الدول العربية، مشيرًا إلى ما جاء في تصريحات ممثلها في الأمم المتحدة بشأن العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، حيث أكد أن مصر لن تترك قطر بمفردها.
وأوضح أديب، في حديثه لـ"دار الهلال"، أن دور مصر يتجاوز مجرد مواجهة الاعتداء الإسرائيلي على قطر، ليتمثل في ضمان عدم تكرار مثل هذه الاعتداءات مستقبلًا، سواء على قطر أو غيرها من الدول العربية.
ولفت إلى أن الرؤية المصرية كانت بعيدة المدى إزاء مثل هذه التهديدات، مشيرًا إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي طرح عام 2015 فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة أو ما يُعرف بقوة الردع العربي، مرجحًا أن يعاد طرح هذا المشروع خلال قمة الدوحة.
وأكد أن هذه القوة ستشكل عامل ردع أمام أي اعتداءات إسرائيلية، وربما تسهم في دعم قيام الدولة الفلسطينية.
وفي المقابل، أشار أديب إلى أن بعض الدول تفتقر إلى الإرادة لتأسيس هذه القوة، فيما تسعى دول أخرى إلى تحمل مسؤولية إدارتها وتحريكها بنفسها.
وشدد على أنه إذا أرادت الدول العربية، وخاصة الخليجية، حماية أمنها، فإن مخرجات القمة يجب أن تتضمن تفعيل القوة المشتركة، على أن تكون مصر في قلبها، مع توزيع المهام بين مختلف الدول العربية.
وأضاف أن تولي مصر دورًا فاعلًا داخل هذه القوة لن يكون عبثًا، بل استنادًا إلى كونها قوة إقليمية مركزية في الشرق الأوسط تمتلك جيشًا قويًا، وهو ما يجعلها بطبيعتها المرشح الأبرز لقيادة هذه المبادرة.
وأشار إلى أن تفعيل القوة العربية المشتركة سيُمكّن الدول العربية من مواجهة أي عدوان إسرائيلي قد يتكرر مستقبلًا، مؤكدًا أنه بعد سقوط الجيشين العراقي والسوري، أصبحت مصر القوة العربية الوحيدة القادرة على حماية الأمن في الشرق الأوسط والخليج العربي.
وختم أديب بقوله إن المنطقة لم تعد في مأمن من الاعتداءات، إذ سبق أن انتهكت إسرائيل سيادة سوريا ولبنان وإيران واليمن، وصولًا إلى قطر، وهو ما يجعل من تأسيس قوة عربية مشتركة أمرًا ملحًا، بحيث تهب الدول الأعضاء لنجدة أي دولة تتعرض لعدوان تحت مظلة هذه القوة.