تربعت أجاثا كريستي على عرش روايات الجرائم الإنجليزية طوال نصف قرن بلا منازع، فأسرت عقول الملايين في عالم أدب الجريمة، بعد أن أدخلت القارئ في متاهات من الألغاز والتشويق لا يخرج منها إلا بحل عبقري ومفاجئ. وقدّمت إرثاً أدبياً لا يزال يُدرّس ويُحتفى به في العالم بأسره، مؤكدة أن الجريمة قد تكون فناً، وأن حلّ الألغاز قد يكون أعمق من مجرد اكتشاف القاتل.
ميلادها ونشأتها
وُلدت كريستي في 15 سبتمبر عام 1890 في مدينة توركاي ديفون جنوب إنجلترا، ونشأت في كنف عائلة محافظة. وعلى الرغم من أنها لم تتلقَ تعليماً تقليدياً في المدارس، لكن شغفها بالقراءة منذ الطفولة، خاصة في مجال الأدب البوليسي، مهّد لها طريقاً نحو كتابةٍ غيّرت تاريخ هذا النوع الأدبي.
دخلت أجاثا كريستي عالم الكتابة من بوابة الحرب العالمية الأولى، حيث عملت ممرضة، وهناك تعرّفت على المواد الكيميائية والسموم، التي ستصبح لاحقاً سلاحها المفضّل في كثير من رواياتها.
ونشرت أولى رواياتها البوليسية "قضية ستايلز الغامضة"في 1920، وقدّمت خلالها شخصية المحقق البلجيكي الشهير هيركيول بوارو، أحد أشهر المحققين الخياليين في تاريخ الأدب.
تعليمها
تلقت أجاثا تعليمها في البيت مثل فتيات كثيرات من العائلات الميسورة حسب التقليد آنذاك، ثمَّ التحقت بمدرسة في باريس وجمعت بين تعلم الموسيقى والتدريب عليها وبين زيارة المتاحف والمعارض الكثيرة في فرنسا ولم تعجب بأساطين الرسم الزيتي في القرنين السادس عشر والسابع عشر وتلك مسألة تنم عن غرابة وخروج على المألوف في مثل هذه الحالات.
حياتها
أتاح لها زواجها أن تزور معظم بلاد الشرق فتجولت في بلاد الشام العراق ومصر وبلاد فارس، ووفَّر لها هذا التجوال فرصاً عظيمة لكتابة أجمل رواياتها وقصصها المليئة بالأسرار، والمفعمة بالغموض.
وزارت كريستي مصر ودرست حضارتها وتاريخها وكتبت الرواية المعروفة "موت على النيل" التي حولت إلى مسرحية في 1946 بعنوان "جريمة قتل على النيل" كما كتبت الرواية الثانية "الموت يأتي في النهاية"، في 1945، كما كتبت مسرحية "أخناتون" الملك المصري الذي فرض ديانة جديدة، وقد أعدت أجاثا كريستي لكتابة هذه المسرحية منذ زيارتها (الأقصر) جنوب مصر عام 1931، واستعانت بخبرة علماء الآثار في رسم شخوص المسرحية التي أصدرتها إحدى دور النشر عام 1973.
أعمالها
خلقت كريستي في سردها لرواية الجريمة الحبكات المعقدة والشخصيات المتعددة الأبعاد، وظهرت قدرتها الفريدة على إخفاء المجرم حتى اللحظة الأخيرة، وجعلت من أعمالها مادة دسمة للسينما والتلفزيون والمسرح.
ويأتي ضمن أبرز أعمالها جريمة في قطار الشرق السريع، ثم لم يبقَ منهم أحد، وموت على النيل، التي لا تزال حتى اليوم تُقرأ وتُعاد ترجمتها وتمثيلها.
كتبت أجاثا كريستي أكثر من 80 رواية وقصة قصيرة، تُرجمت إلى أكثر من 100 لغة، وبيعت منها مليارات النسخ، ما جعلها واحدة من أكثر الكتّاب مبيعاً في التاريخ، إلى جانب شكسبير والكتاب المقدس. وكان لها بصمتها في المسرح، خاصة عبر مسرحيتها الشهيرة "فخ الفئران"، التي تعتبر أطول مسرحية
لكن حياة كريستي لم تختلف كثيرًا عن رواياتها الغامضة وألغازها، حيث اختفت بشكل غامض في 1926 لمدة 11 يوماً، مما أثار ضجة إعلامية واسعة. وعندما عُثر عليها، ادعت فقدان الذاكرة، وهو ما بقي غامضاً حتى وفاتها في 1976.