الثلاثاء 16 سبتمبر 2025

مقالات

الذكاء الاصطناعي و الأساطير الإغريقية

  • 16-9-2025 | 10:45
طباعة

قبل آلاف السنين من ظهور الروبوتات والمساعدات الصوتية، تخيل اليونانيون القدماء في أساطيرهم كائنات آلية قادرة على الحماية، والتدمير، والخدمة، وحتى التمرد. قد يبدو غريباً أن نربط بين تكنولوجيا اليوم والأساطير القديمة، لكن المفاجأة هي أن اليونانيين لم يتخيلوا فقط روبوتات ذكية، بل ناقشوا بذكاء مدهش العديد من التحديات التي نواجهها اليوم.

من تالوس الحامي البرونزي إلى بأندورا ذات البرمجة المريبة، نكتشف في التراث اليوناني القديم بذور مفاهيمنا التكنولوجية الحديثة. هذه الحكايات ليست مجرد قصص خيالية، بل هي دروس فلسفية عميقة تضيء لنا الطريق في عصرنا التكنولوجي المتقدم.

تالوس: أول روبوت حربي في الأساطير

هل سبق اليونانيون القدماء عصرنا في ابتكار الروبوتات العسكرية؟ أسطورة تالوس، العملاق البرونزي الذي صنعه الإله هيفايستوس، تشير إلى ذلك. كانت مهمته حماية جزيرة كريت من الغزاة، فكان يدور حولها ثلاث مرات يوميًا، يرمي الصخور على السفن المعادية، ويحتضن الأعداء بجسده الساخن حتى الموت.

ما يثير الدهشة هو الدقة في التفاصيل التي وردت في الأسطورة:

 * نظام التشغيل: كان يمتلك أنبوبًا واحدًا يمتد من رقبته إلى كاحليه، يحمل "دماءه" السائلة المعدنية.

 * آلية الإيقاف: تم تثبيت مسمار في كاحليه لمنع تسرب السائل، في تصور مبكر لما يشبه نظام الإغلاق الآلي.

يرى المؤرخون أن تالوس هو النموذج الأولي لـ "الروبوت العسكري الحديث"، فهو يجسد سمات أنظمة الأمن الآلية المعاصرة. لكن الأسطورة تطرح سؤالاً مهماً: هل كان تالوس كائنًا حيًا أم مجرد آلة؟ وهل يمكن اعتباره أول تصور لـ "الأندرويد" في التاريخ؟

هيفايستوس: إله التكنولوجيا العبقري

لم يكن هيفايستوس مجرد صانع لتالوس، بل هو الشخصية المحورية وراء كل الابتكارات الأسطورية. على عكس الآلهة الأخرى التي كانت منشغلة بالصراعات، كان هيفايستوس مهووسًا بالصناعة والابتكار، مما جعله "إله التكنولوجيا العبقري"." ايلون ماسك العصر الاسطوري "

من أبرز اختراعاته:

 * الخادمتان الذهبيتان: روبوتات على شكل نساء من الذهب، قادرات على توقع احتياجاته والاستجابة لها، تمامًا مثل المساعدات الافتراضية الذكية اليوم.

 "سالي وإليكس"

 * العرش السحري: عرش ذهبي صنعه لأمه هيرا، يحبس من يجلس عليه، في مثال مبكر على أنظمة الأمان الذكية.

هذه الاختراعات تبرز عبقرية الإله، وتكشف أيضًا عن ثنائية التكنولوجيا: فهي يمكن أن تكون أداة للراحة، كما في حالة الخادمات، أو وسيلة للانتقام، كما في حالة العرش السحري. هذا الاستخدام المزدوج هو ما نواجهه في عصرنا الحالي.

باندورا: أول "ذكاء اصطناعي شرير"

إذا كان تالوس يمثل الروبوت الحامي، فإن أسطورة باندورا تقدم لنا أول تصور للذكاء الاصطناعي الشرير. لم تكن باندورا كائنًا حيًا، بل مخلوقًا مصنوعًا من الطين بأمر من زيوس، ومبرمجًا مسبقًا لفتح صندوق الشرور وإطلاق المصائب على البشرية.

تمثل باندورا تحذيرًا مبكرًا من خطر الأنظمة الذكية التي تفتقر إلى الأطر الأخلاقية وتنفذ أوامر صانعها دون اعتبار للعواقب. هي مثال صارخ على "التطبيق الخبيث للذكاء الاصطناعي"، حيث أُطلقت عليها الأوامر لتنفيذ مهمة محددة، ولم تكن تمتلك وعيًا أو هوية شخصية.

دروس من الأساطير لمستقبل الذكاء الاصطناعي

الأساطير اليونانية ليست مجرد حكايات، بل هي إطار عميق لفهم علاقتنا بالتكنولوجيا. من خلال قصصها، طرح اليونانيون أسئلة جوهرية لا نزال نبحث عن إجابات لها:

 * وجهان للابتكار: كل ابتكار يحمل في طياته وعودًا بالتحسين ومخاطر التدمير، كما يظهر في تالوس (الحامي/المدمر) وباندورا (الهدية/العقاب).

 * أخلاقيات التكنولوجيا: ضرورة وضع أطر أخلاقية للابتكار، كما يتضح من عواقب اختراعات هيفايستوس عندما تستخدم للانتقام.

 * الغطرسة التكنولوجية: تحذير من تجاوز الحدود، كما في أسطورة بروميثيوس الذي عوقب على سرقته للنار، و دايدالوس الذي صنع أجنحة لابنه إيكاروس، الذي سقط ومات بعد أن طار "أعلى من اللازم". هذه القصص تذكرنا بأن الابتكار بلا حكمة قد يقود إلى الكارثة.

في عصر يتسارع فيه تطور الذكاء الاصطناعي، تكتسب هذه الأساطير أهمية جديدة. إنها لا تقدم لنا تنبؤات مدهشة فحسب، بل تمنحنا إطارًا أخلاقيًا وفلسفيًا للتعامل مع التحديات التكنولوجية المعاصرة.

ربما يكون الدرس الأهم هو أن التكنولوجيا، مثل النار في أسطورة بروميثيوس، هي أداة قوية يمكن أن تنير طريقنا أو تحرقنا، وهذا يتوقف كليًا على طريقة استخدامنا لها.

د.شيماء المهدي

الاكثر قراءة