الجمعة 19 سبتمبر 2025

تحقيقات

«النبيّ المعلم».. موضوع خطبة الجمعة

  • 19-9-2025 | 09:47

مسجد

طباعة

تأتي خطبة صلاة الجمعة، اليوم، تحت عنوان: "النبي المعلم صلى الله عليه وسلم"، حيث تستهدف بيان سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم في التعليم والتي ندرك منها أهمية طلب العلم والسبل الصحيحة لتحصيله، وأنه لابد من العلم والتعليم، وتجديد دوافع النجاح مع بداية العام الدراسي الجديد.

وفيما يلي نص خطبة الجمعة:

الحمد لله الذي أشرق بنور العلم قلوب العارفين، وزيَّنَ به عقول العاملين، ورفع به شأن المتقين، نحمده حمدًا يليقُ بجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونستعينه استعانة من لا حول له ولا قوة إلا به، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شيء عليم، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، الذي أرسله بالهدى ودين الحقِّ، تركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلّى الله وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وبعد:

فإِنَّ الجناب المعظم صلى الله عليه وسلّم شمس لا تغيب، ونورٌ لا يخبو، فقد كان حضرته المعلم الأسمى الذي أضاء العقول المظلمة، وسقى القلوب العطشى، حياته مدرسة نور ومعرفة وضياء، فما تكلم إلا بوحي وحكمةٍ، وما صمت إلا ليرشد إلى الخير والبركة، فكانت كلماته ذِكرًا ونورًا وهدايةً، وكان صمته فكرًا يكسوه الجلال والهيبة، وكانت رؤيتُه كفلق الصبح تستجلب العقول والأرواح، مزيجٌ مدهش معلمًا ومربيًا وملهما. وصفَهُ أحد أصحابه فقال: "فبأبي هو وأمي ما رأيتُ معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه".

سادتي الكرام، كان المعلمُ الأفخم الله يختارُ في تعليمه من الأساليب أحسنها وأفضلها، وأَوْقَعَها في نفس المخاطب وأقربها، وأشدَّها تثبيتًا للعلم في ذهن المخاطب وأيسرها، تراه معلمًا فريدًا، يجمع بين كل فنون التعليم، ينوّعُ حديثه حسب ما تقتضيه الحالُ، يغرسُ العلم في القلوب والعقولِ غرسًا، فيُمهِدُ للموضوع بأسلوب لطيف، ويُراعي حال السامع، فكانت مجالسه مدارس حقيقيةً، تُثري العقول، وتُصلحُ النفوس، وتُهذَّبُ الأخلاق. صدق في وصفِ حاله الشريفِ حين قال: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِرًا».

أيها المكرمون، استحضروا الحال النبوي الشريف، كيف كان يُعَلِّمُ ويُربي ويؤسس، كيف كان يغرس في الدنيا أنّ العلم شمس لا تغيب، تشرقُ على العقول فتنتج الأفكار، وتثمرُ الإبداع، وتسقط حجب الجهل، وتكشف أسرار الكون، وتفتح أبواب المغاليق. فنورُ العلم هو الكنز الذي لا يفنى، والسفينة التي تبحرُ بالأمة والوطن نحو مستقبل مشرق. العلمُ شريان الحياة، ونبع الحكمة، وسرُّ النهضة، ومفتاح المعرفة، يكفيه شرفًا أن سرَّ عظمة الأمة المحمدية يكمن فيه؛ لذلك كانت براعةُ الاستهلالِ الْأُولَى ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾.

اعلموا عباد الله أن العلم والتعلم أساس نهضة الأمة وصلاح الفرد؛ فقد قرنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بين الإِيمَانِ والعلم في كتابه الكريم، ورفع منزلة أهله، فجعلهم في مكانة لا يبلغها غيرُهم. تأملوا قوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾. لذلك شبه الجنابُ الأكرم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم العالم بالقمر ليلة البدر، الذي ينير الكونَ من حوله؛ فالقمرُ يضيء لنفسه ولغيره، وكذلك العالم، ينتفع بعلمه، وينتفعُ الناسُ بنوره. فهو ليس شمعةً تذوبُ لتضيء لحظات، بل هو شمس لا تغربُ، ونهر لا ينضب. قال الجنابُ المعظم: «فضلُ العالم على العابدِ كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».

سادتي الكرام، أعيدوا للمجتمع المصري هويته، ازرعوا في نفوس أبنائكم حُبَّ الإبداع والشغفِ بالقراءة والوصول للمعرفة، أعلموهم أننا نعيش في رحاب بلدٍ عظيمٍ عنوانه: "العلمُ لا يعرف الكلمة الأخيرة". فقد أسس علماؤه المدارس العلمية والمكتبات المعرفية، وبنوا المراصد الفلكية. فمصر طوال بلد العلم والعلماء، تفتح ذراعيها لكلّ باحث عن النور والمعرفة والحقيقة، قصة شغفٍ لا ينتهي، وبحثٌ دائم لا ينقطع. فقيمة مصر العلمية ليست مجرد إنجازات ماضية، بل هي روح تتجدد في كلّ جيلٍ يسعى إلى المعرفة، وفي كلّ عقل يفكر في مستقبل أفضل.

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الأَنبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَبَعْدُ: عباد الله، إنَّ العام الدراسي بداية حقيقية لبناء الإنسان المسلم الواعي، الذي يجمع بين العلم النافع، والخلق الرفيع، والانضباط التربوي، وتجديد دوافع النجاح والابتكار والإبداع. فطريقُ العلم شاق، ولكنه طريقُ الأنبياء والأولياء، وهو طريق يقومُ النجاح فيه على دوافع راسخةٍ منبعها القلب والروح. فأخلصوا نياتكم؛ فإنّ الإخلاص أساسُ قبول العمل. واعلموا أن حبَّ العلم وقود النفس، وباعثُ الهمة، فمن أحبَّ شيئًا أبدع فيه، ومن شغف به لم ير في السهر تعبًا ولا في البحث مشقةً. واصبروا وثابروا، فالعلم لا يُنالُ بالراحة، بل بالجهد والمجاهدة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

إلى كل ولي أمرٍ، وكلّ مُربٍّ، ومعلمٍ: اعلموا أن مسؤوليتنا في تربية جيلٍ واع لا تقتصر على توفير المسكن والملبس، بل تمتد لتشمل غرس حبّ العلم في نفوس أبنائنا. فالعلمُ ليس مجرد وسيلة للحصول على وظيفة أو مكانة اجتماعية، بل هو نورٌ وهداية، أمرنا الله تعالى بالتزود منه، فقال جل جلاله: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾. فكونوا لهم قدوة حسنةً في حبّ القراءة والتعلم المستمر، واصحبوا أبناءَكُم في رحلة المعرفة؛ لتفتحوا عقولهم وتُنَمُّوا إبداعهم.

وإلى المنظومة التعليمية كلّها: أنتم مربون مرشدون، اجعلوا مناهجكم متكاملة، لا تحصروا العلم في الكتب والمقررات، بل أطلِقوا العقول وذللوا العقبات، أوقدوا شعلة حبّ العلم في قلوب طلابكم. فمستقبل أمتنا مرهون بتعاوننا جميعًا، وليكن هدفنا المشترك هو إنشاء جيل واع ومبدع، قادر على قيادة الأمة نحو مستقبل مشرق. فلنعمل معا يدًا بيد لتحقيق هذه الغاية النبيلة.

اللَّهُمَّ ابْسُطْ في بلادِنَا مصرَ بِساط الأمانِ والاستقرار والنور والعلم النافع.

الاكثر قراءة