الإثنين 25 نوفمبر 2024

تحقيقات

إيران تواجه الاختبار الصعب وسط سيناريوهات مفتوحة لمشهد معقد ومرتبك

  • 4-1-2018 | 12:33

طباعة

بات النظام الإيراني أمام مأزق الاختبار الصعب والسيناريوهات المفتوحة، بعد أن ارتفع سقف مطالب المتظاهرين والمحتجين، واتسع نطاق العنف والمواجهات لتشمل ٧٠ مدينة في شرق وجنوب وغرب إيران، مع سقوط الكثير من القتلى والجرحى والمعتقلين.

ونشر المحتجون، عبر مواقع التواصل، تسعة مطالب رئيسية، كان أبرزها إجراء استفتاء عام حول شكل النظام المستقبلي، وطالبوا بأن يكون جمهوريا، وإجراء انتخابات بإشراف دولي، وإلغاء ارتداء الحجاب القسري، وحرية وسائل الإعلام وإلغاء الرقابة عليها وعلى الإنترنت، وتوزيع عادل للثروة وخطط للتنمية والقضاء على الفقر والبطالة والحرمان.

ورغم البداية السلمية للمظاهرات التي انطلقت الأسبوع الماضي في "مشهد" ثاني أكبر مدن إيران من ناحية الكثافة السكانية بعد العاصمة طهران، ذات الخصوصية الروحية والثقافية، وامتدت لعشرات المدن، إلا أن مسارها الحالي اتجه نحو العنف، وشهدت الاحتجاجات حرق ممتلكات عامة، والاعتداء على مؤسسات عسكرية تابعة لقوات الباسيج، وأضرحة دينية، وردد المحتجون هتافات ضد أعلى سلطة دينية، ممثلة في المرشد الأعلى، على خامنئي، وطالبوا برحيله وهتفوا: "الموت للديكتاتور"، وأحرقوا صوره، في تحول غير مسبوق باعتبار خامنئي رمزا دينيا مقدسا لديهم، وذلك مقارنة باحتجاجات "الثورة الخضراء" في ٢٠٠٩ ضد إعادة انتخاب الرئيس المحافظ السابق أحمد نجاد.

وربما يكون التحول الأبرز في الأحداث التي تشهدها إيران، هو أن الشعارات التي رددها المحتجون بدأت اقتصادية بالأساس موجهة ضد الغلاء والتدهور الاقتصادي والفساد الحكومي والسياسات الاقتصادية لروحاني، ثم حدث تطور نوعي في المطالب أدى لحدوث صدمة للساسة الإيرانيين، تمثل في المطالبة برحيل النظام برمته، ثم المطالبة بإنهاء التورط الإيراني في الخارج في إشارة للدور الإيراني في سوريا ولبنان واليمن. 


- سيناريوهات مفتوحة:

يطرح المحللون والمراقبون للشأن الإيراني عدة سيناريوهات مفتوحة أمام مشهد مرتبك ومعقد، يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه أحداث طهران، وهذه السيناريوهات هي:

السيناريو الأول: يستطيع النظام الإيراني بما يملكه من القوة العسكرية المتنوعة وبما لديه من خبرات سابقة أن يتحكم في وتيرة هذه الاحتجاجات، وخاصة أن المحتجين ليست لديهم قيادة موحدة، وتختلف هذه الاحتجاجات عن سابقتها في ٢٠٠٩، لأنها انتقدت جناحي السلطة من المحافظين والإصلاحيين، الأمر الذي يدفع ببعض المحللين إلى استبعاد أن تشكل الاحتجاجات الحالية تهديدا جديا لنظام الملالي في إيران، لأنها غير منظّمة.

ويدعم حجية هذا السيناريو المؤشرات التالية: أ ـ قيام النظام الإيراني بعمل حشد جماهيري مؤيد له من أنصاره، حتى يبدو أمام الرأي العام العالمي أنه يدافع عن وحدة تراب الوطن وحماية الحريات والمقدسات، ومن هنا عمل النظام الإيراني على تجميع عشرات الآلاف من مؤيديه في عدد من المدن للتعبير عن إدانة "الاضطرابات"، ورفع المتظاهرون لافتات تدين "مثيري الشغب"، ورددوا هتافات مؤيدة للمرشد خامنئي، ونددت مجموعة "الإصلاحيين" الرئيسية برئاسة الرئيس الأسبق محمد خاتمي بأعمال العنف، وبـ"الخداع الكبير" الذي تمارسه واشنطن بتأييدها المظاهرات، وأعلن رئيس المجلس التنسيقي للإعلام في طهران محسن محمودي عن مظاهرات ستنطلق احتجاجا على أعمال الشغب وهو ما بدأ يحدث بالفعل.

ب ـ ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه يأمل أن تنتهي التظاهرات خلال أيام، مشددا على أن الحق في التظاهر يجب ألا يؤدي إلى انتهاكات للقانون، وهو ما يحمل في طياته اقتراب نهاية الاحتجاج بطرق أخري يكفلها القانون في إيران.

السيناريو الثاني: الوصول إلى مرحلة من التفاوض بين قواعد النظام في إيران والمتظاهرين، بما يضمن لهم الحد الأدنى من المطالب في قوالب شرعية محكومة، وضمان أمن واستقرار طهران من جانب آخر، وتشير المواقف الدولية التي تنتقد السلوك الإيراني تجاه المتظاهرين وخاصة الموقف الأمريكي وبعض المواقف الغربية إلى احتمالات أن يستجيب النظام في إيران للكثير من المطالب والإقدام على مرحلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تضمن وحدة واستقرار إيران. 

السيناريو الثالث :أن تستمر المظاهرات والاحتجاجات، خاصة أن زخمها الأساسي من الأحياء الأكثر فقراً وفى مدن أكثر عن ٢٠٠٩، وأن النظام الإيراني لم يكن جاهزا للمظاهرات، وأن الإيرانيين خرقوا حاجز الخوف، الذي خلّفه قمع مظاهرات مشابهة عام ٢٠٠٩، ورغم التخوف لدي إيرانيين كثيرين من أن تؤدي الاحتجاجات إلى فوضى شبيهة بما يحصل في المنطقة، إلا أن محللين يعتقدون أن النظام الإيراني يحاول استخدام أساليب - مثل الاعتقال وحجب شبكات التواصل الاجتماعي- من أجل إخماد الاحتجاجات.

وإن كان ثمة اتجاه آخر يرى أنه حتى الآن، لا تشكل الاحتجاجات تهديدات لوجود النظام الإيراني، إلا أنها أضعفته، وألحقت الضرر بشرعيته، وإذا استمرت فقد تهدد استقراره، وفي هذه الحالة ثمة اتفاق بين الرئيس الإيراني حسن روحاني، والحرس الثوري الإيراني، والجيش الإيراني حول إنهاء المظاهرات، وإن كان الحرس الثوري وميليشيا الباسيج تمارس الانضباط وتركز على الردع.

ويعتقد محللون أنه على عكس مظاهرات ٢٠٠٩ التي كان لها رؤوس معروفة ومطالب محددة بإعادة الانتخابات أو إعادة فرز الأصوات وكان زخمها الأساسي من أبناء الطبقة الوسطى في المدن خاصة العاصمة طهران، فإن المظاهرات الحالية زخمها الأساسي من الأحياء الأكثر فقرا وفى مدن أكثر عن ٢٠٠٩، ولا شك أن هذا الاختلاف هو ما يدفع للتأني قبل توقع ما يمكن أن تسفر عنه خاصة أن المظاهرات ليس لها قيادة محددة يمكن التواصل معها.

وعلى أيه حال، يمكن القول أن المظاهرات والاحتجاجات في إيران قد خلقت حالة من الحراك السياسي في المجتمع، الأمر الذي لابد أن يحسب له النظام في إيران حساباته من جديد، وخاصة بعد أن خيمت أجواء وشعارات "الربيع العربي" على الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران، حيث رفع المحتجون، شعار «عيش.. عمل.. حرية".. وبات على النظام في إيران مواجهة الاختبار الصعب والاستجابة لتلك المطالب بمرونة كبيرة، وسيظل المشهد السياسي في إيران مفتوحاً على كل السيناريوهات على الأقل خلال الفترة القليلة المقبلة.

    أخبار الساعة

    الاكثر قراءة