يُعد اللواء باقي زكي يوسف أحد أبرز رموز الإبداع العسكري في تاريخ مصر الحديث، وصاحب الفكرة الهندسية التي غيرت مجرى الحرب وخلدت اسمه في ذاكرة الوطن، ففي وقتٍ كانت فيه التحصينات الإسرائيلية على ضفة قناة السويس الشرقية تُوصف بأنها "المانع الذي لا يُقهر"، خرج هذا الضابط المصري الهادئ بفكرة عبقرية بسيطة في ظاهرها، لكنها كانت مفتاح النصر في حرب أكتوبر المجيدة، لقد استطاع بعقله الهندسي وخبرته العملية أن يحوّل مياه القناة إلى سلاحٍ للنصر، إذ اقترح استخدام مضخات ضخمة لتجريف الساتر الترابي لخط بارليف، فكانت الفكرة المصرية الخالصة التي فتحت الطريق أمام عبور القوات المسلحة إلى الضفة الشرقية في ملحمة بطولية أعادت للأمة كرامتها.
وفي ذكرى نصر أكتوبر المجيد، تبقى سيرة اللواء باقي زكي يوسف شاهدًا خالدًا على أن الإبداع والعلم لا يقلان أهمية عن الشجاعة والإقدام، وأن عقول أبناء مصر كانت السلاح الحقيقي الذي يصنع النصر ويحمي الوطن.
باقي زكي يوسف
وُلد اللواء باقي زكي يوسف في 23 يوليو عام 1931، وتخرج في كلية الهندسة – جامعة عين شمس عام 1954، قسم ميكانيكا.
وانتُدب عام 1964 للعمل في مشروع السد العالي بأسوان، وهناك شاهد عن قرب عمليات تجريف جبال من الرمال باستخدام المياه، وهي التجربة التي زرعت في ذهنه فكرة عبقرية غيرت مجرى الحرب فيما بعد.
وبعد نكسة يونيو 1967، أُلغي انتداب الضباط وعاد إلى القاهرة ليُعين رئيسًا لفرع المركبات بالفرقة 19 مشاة ميكانيكية، حيث ظل ضابطًا مهندسًا في القوات المسلحة حتى 1 يوليو 1984، قضى منها خمس سنوات برتبة لواء.
المياه تحطم خط بارليف
وفي مايو 1969، وأثناء اجتماع بقيادة اللواء سعد زغلول عبد الكريم قائد الفرقة 19 بالجيش الثالث الميداني بمدينة السويس، طُرحت تساؤلات حول كيفية التعامل مع الساتر الترابي لخط بارليف.
عندها تقدّم زكي يوسف باقتراحه الجريء: استخدام مياه قناة السويس لتجريف الساتر الترابي عبر مضخات قوية تضخ المياه بضغط عالٍ لفتح ثغرات تسمح بعبور الدبابات والمعدات.
وروى يوسف عن تلك اللحظة قائلاً: "بمجرد أن أنهيت كلامي، عمّ الصمت القاعة، لدرجة أني ظننت أني قلت شيئًا خارج المنطق".
لكن سرعان ما لاقت فكرته قبولًا لدى القيادة العامة، وتم تنفيذها بسرية تامة بالتعاون مع سلاح المهندسين، فتم استيراد المضخات والتدريب على استخدامها، حتى جاء يوم 6 أكتوبر 1973 لتثبت الفكرة نجاحها الباهر؛ حيث تمكنت القوات المصرية من عبور القناة وتحطيم الساتر الترابي في أقل من ست ساعات.
تكريم مستحق
تكريمًا لدوره البطولي، حصل اللواء باقي زكي يوسف على نوط الجمهورية العسكري من الدرجة الأولى عام 1974، تقديرًا لشجاعته وأعماله الاستثنائية في ميدان القتال، كما حصل على وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1984 عند إحالته إلى التقاعد من القوات المسلحة.
رحل اللواء البطل باقي زكي يوسف عن عالمنا في 23 يونيو 2018، عن عمر ناهز 86 عامًا، بعد أن سطّر اسمه بحروف من نور في سجل أبطال مصر الخالدين، وبقيت فكرته شاهدًا على عبقرية الجندي المصري وإصراره على النصر.
وقد نعى مجلس الوزراء المصري الفقيد، مؤكدًا أن التاريخ سيظل يذكر، بمجدٍ وشرف، بطولات أبناء القوات المسلحة على مرّ العقود والأزمنة، وأن اسم الراحل الكريم سيبقى محفورًا في سجلات الشرف المصرية.