تضم القاهرة، عاصمة مصر لأكثر من ألف عام، عددًا كبيرًا من الشوارع والميادين التاريخية التي يعود تاريخها إلى قرون وتعد هذه الأماكن مقصدًا للعديد من السياح، لما تحمله من طابع جمالي وأهمية ثقافية وتاريخية، مما يجعلها من أبرز معالم القاهرة السياحية والتاريخية.
هذه الشوارع التاريخية ليست مجرد معابر، بل تحكي حكايات ملوك ومفكرين وفنانين، ويقصدها الزوار من داخل مصر وخارجها للاستمتاع بجمالها وعبقها التراثي، فهي من أبرز معالم القاهرة، تجمع بين سحر الماضي ونبض الحاضر، وتشكل عنصرًا أساسيًا في خريطة السياحة الثقافية للمدينة، ومنها شارع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب.
الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب
وُلد الموسيقار محمد عبدالوهاب في 13 مارس 1901 بحي باب الشعرية في القاهرة، ونشأ عاشقًا للفن والغناء منذ طفولته، فكان يحرص على حضور حفلات كبار المطربين في مطلع القرن الماضي مثل الشيخ سلامة حجازي وعبدالحي حلمي وغيرهم من رموز الموسيقى آنذاك. ورغم رفض أسرته للغناء، أصر عبدالوهاب على تحقيق حلمه، حتى حاول الهروب من المنزل ليغني في مسارح بسيطة بالأحياء الشعبية، إلى أن التقى بالشاعر أحمد شوقي الذي تبنّى موهبته وترك بصمة عميقة في تكوين شخصيته الفنية والفكرية.
قضى عبدالوهاب مع أمير الشعراء سبع سنوات كانت الأهم في حياته، إذ أصبح شوقي مثله الأعلى، وتدخل في تفاصيل يومياته فعلمه أسلوب الحديث وآداب المائدة، بل وأحضر له مدرسًا لتعلم اللغة الفرنسية لغة النخبة في ذلك الوقت، وسرعان ما بدأ نجم عبدالوهاب يسطع بفضل تقديم شوقي له في الحفلات الفنية.
اعتبر محمد عبدالوهاب ملحنًا سابقًا لعصره، دائم التجديد ومواكبًا للتطور الموسيقي العالمي.
قدم مئات الألحان التي خُلدت في تاريخ الموسيقى العربية، وتعاون مع كبار المطربين، وفي مقدمتهم أم كلثوم التي جمعته بها أغنية «أنت عمري» لتشكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ الطرب.
كما قدم مجموعة من الأناشيد الوطنية الخالدة مثل «وطني الأكبر» و«الجيل الصاعد».
لحن عبدالوهاب أجمل الأغنيات لعدد كبير من نجوم الغناء، فقدم لفريد الأطرش «حيران في دنيا الخيال» و«ياللي غيابك حيرني»، ولعبدالحليم حافظ «أروح لمين» و«غزل البنات»، وللفنانة فايزة أحمد «حمال الأسية» و«بريئة» و«ست الحبايب»، أما لنجاة الصغيرة فقدّم «دلوقت أو بعدين»، «أما غريبة»، «آه بحبه»، «شكل تاني» و«القريب منك بعيد».
رحل محمد عبدالوهاب عام 1991، وشيعته مصر في جنازة عسكرية مهيبة، تاركًا إرثًا فنيًا عظيمًا ما زالت الأجيال تتوارثه وتتغنى بروائعه، ومن أبرزها «ست الحبايب»، «هان الود» و«يا مسافر وحدك».