عامان مرّا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلّف آلاف الشهداء والجرحى ودمّر البنية التحتية، فيما لم تدّخر مصر خلال تلك الفترة جهدًا في مساندة الشعب الفلسطيني على المستويات كافة، السياسية والإنسانية والدبلوماسية، فمنذ الأيام الأولى للحرب، تحركت القاهرة بثقلها الإقليمي والدولي لوقف نزيف الدم، وفتحت معبر رفح أمام القوافل الإغاثية والمساعدات الطبية، وسعت بكل الوسائل لوقف الإبادة وإفشال مخططات التهجير القسري.
وجاء ذلك انطلاقًا من ثوابتها الراسخة بأن القضية الفلسطينية تظلّ قضيتها المركزية والأولى، وأن دعمها للشعب الفلسطيني موقف ثابت لا يتغير مهما تبدلت الظروف أو الضغوط.
وأكد سياسيون أن مصر، وعلى مدار عامين من الحرب على قطاع غزة، كثفت جهودها لاحتواء الأزمة والعمل على حلها ووقف نزيف الدم الفلسطيني، من خلال اضطلاعها بدور الوسيط في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة "حماس"، ونقل الصورة الحقيقية إلى المجتمع الدولي، بما يوعيه بحقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية.
وأشار السياسيون، في تصريحات لـ"دار الهلال"، إلى أن مصر عملت على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، رغم ما واجهته من عراقيل، إذ كانت القوافل المصرية في طليعة الجهود الإغاثية التي سعت لتخفيف معاناة المدنيين داخل القطاع.
وشددوا على أن القاهرة تصدت بكل حزم لمحاولات تنفيذ مخططات التهجير القسري، وتمسكت بموقفها الرافض لأي حلول تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها، معتبرة أن حماية الشعب الفلسطيني على أرضه جزء لا يتجزأ من أمنها القومي ومن ثوابتها التاريخية تجاه القضية الفلسطينية.
وقال الدكتور محمد عبد العظيم الشيمي، خبير العلاقات الدولية، إن مرور عامين على الحرب في قطاع غزة يمثل نقطة تحوّل في مسار المنطقة بأكملها، إذ ارتبطت هاتين السنتين بسلسلة من الأزمات والتغيرات في موازين القوى الإقليمية.
وأضاف الشيمي، في تصريحات لـ"دار الهلال"، أن هذه المرحلة كانت فاصلة إلى حدٍّ كبير، في إطار تنفيذ مخططات تتصل بإسرائيل في المنطقة، وربط تلك المخططات بمعظم التحركات التي باتت واضحة، والتي تهدف إلى إنهاء الدور الإيراني وتقليص نفوذه، ومحاولة القضاء على المشروع الإيراني من جهة، وفرض المشروع الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة من جهة أخرى.
وأشار إلى أن هذا الدعم الأمريكي استمر منذ الإدارة السابقة وحتى بدايات الإدارة الحالية، تأكيدًا على النهج الثابت في مساندة إسرائيل.
أما عن الموقف المصري في العامين الماضيين، فيؤكد الشيمي أنه ظلّ ثابتًا على امتداد تاريخه، معبّرًا عن رؤية واضحة لدوره التاريخي في دعم القضية الفلسطينية منذ نكبة عام 1948 وحتى اليوم.
وشدد على أن الموقف المصري جاء واضحًا منذ اللحظة الأولى، من خلال تحركات عاجلة على المستويين الثنائي والدولي، إذ بادرت القاهرة إلى الدعوة لعقد مؤتمر خلال أيام قليلة من اندلاع الأحداث، ليكون أول مؤتمر يتناول تطورات الحرب على غزة، وما تبعها من تصعيد إسرائيلي محموم داخل القطاع.
وأشار إلى أن مصر كثّفت جهودها الدبلوماسية والإنسانية، ساعية إلى حشد دعم إقليمي ودولي لتقديم المساعدات اللوجستية والإنسانية لأهالي القطاع، الذين يعانون منذ شهور طويلة من أوضاع كارثية وصلت إلى حدّ المجاعة وجرائم الإبادة المنظمة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
وأكد أن هذه الجهود المصرية ارتبطت بتحركات مستمرة يقودها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، عبر لقاءات ثنائية مع قادة دول المنطقة، ومشاورات موسّعة مع الأطراف الدولية، شملت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والصين، وتركّزت في مجملها على دعم الرؤية المصرية الساعية إلى وقف التصعيد، والحفاظ على استقرار المنطقة، والتحذير من استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل.
وتابع: أكدت مصر في كل محفل على أهمية تبنّي حل الدولتين، وضرورة إحياء مسار السلام، بما يضمن التعايش السلمي بين الشعوب كافة.
وأفاد بأن القاهرة ما زالت اليوم تعمل على إنجاح المفاوضات الحالية، التي تشير بعض التقديرات إلى إمكانية أن تسفر عن وقف مؤقت لإطلاق النار، وبدء مرحلة جديدة من التفاوض، بدعم من الولايات المتحدة وقطر، غير أن استمرار هذا المسار يظل محفوفًا بالمخاطر في ظل إصرار إسرائيل على تنفيذ مخططاته حتى النهاية، رغم التحذيرات الدولية المتكررة، ورغم ما تؤكد عليه مصر من خطورة استمرار زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها.
مصر الداعم الأكبر
ومن جانبه، أكد كمال حسنين، رئيس حزب الريادة، أن مصر كانت الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية، وذلك امتدادًا لدورها التاريخي في مساندة الشعب الفلسطيني منذ عام 1948.
وشدد حسنين، في تصريحات لـ"دار الهلال"، أن مصر تعاملت مع الموقف بكل مسؤولية وأمانة، وهو ما تجلى في قمة "القاهرة للسلام" التي شاركت فيها عشرات الدول بدعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في محاولة لاحتواء الموقف وحقن دماء الشعب الفلسطيني.
وأضاف أن مصر اضطلعت بجهود دؤوبة في مفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، تُوّجت بالتوصل إلى اتفاقين لوقف إطلاق النار، أحدهما في الأشهر الأولى للحرب، والآخر في مطلع العام الحالي، مشيرًا إلى أن الوساطة المصرية كانت دائمًا ما تصطدم بتعنت إسرائيلي.
وعلى الصعيد الإنساني، أوضح رئيس حزب الريادة أن لمصر النصيب الأكبر في هذا الجانب، إذ شكّلت المساعدات المصرية نحو 70% من إجمالي ما دخل إلى قطاع غزة.
وأشار إلى أن مصر عملت على ترجمة الواقع لصالح القضية الفلسطينية، من خلال الدعوة إلى دعم "حل الدولتين" والاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتباره المخرج الحقيقي للأزمة.
ولفت إلى أن ذلك تجسد في إعلان فرنسا عزمها الاعتراف بالدولة الفلسطينية عقب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى القاهرة، وما تبعها من خطوات مشابهة من دول أخرى، باعتبار فرنسا من أكثر الدول تأثيرًا في القارة الأوروبية.
وأكد حسنين أن هذا اليوم يشهد على دور مصر وجهودها المستمرة في دعم القضية الفلسطينية، والعمل على إنقاذ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، حيث تتواصل المفاوضات بين وفدي حركة حماس وإسرائيل بوساطة مصرية، بالتزامن مع استمرار تدفق المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح.
وشدد على أن مصر، انطلاقًا من دورها التاريخي، تواصل دعم الشعب الفلسطيني سياسيًا ودبلوماسيًا وإنسانيًا وإعلاميًا وعلى كافة الأصعدة، مؤكدًا أن القضية الفلسطينية ستظل قضية مصر الأولى، وأن هذا الدعم سيستمر حتى قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967.
دعم مصري ثابت
فيما شدد حسن ترك، رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، على أن مصر كانت في صدارة الدول التي دعمت الشعب الفلسطيني، وأن الدور المصري مشهود له إقليميًا ودوليًا، وكذلك من الفلسطينيين أنفسهم الذين لمسوا فيه الصدق والالتزام، مشيرًا إلى أن مصر، بقيادة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، قرأت المشهد منذ اللحظة الأولى، وكشفت النوايا الإسرائيلية المبيتة.
وأضاف ترك، في تصريحات لـ"دار الهلال"، أن مصر حرصت منذ اللحظات الأولى للأزمة على إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، لافتًا إلى أن نحو 80% مما دخل من مساعدات خلال الأشهر الأولى للأزمة جاء من مصر.
وأشار إلى أن العالم أجمع، بما في ذلك الأمم المتحدة وأجهزتها، أكد أن معبر رفح كان مفتوحًا من الجانب المصري، وأن الإغلاق كان من الجانب الإسرائيلي، وهي شهادة تدحض كل الأكاذيب التي حاولت النيل من موقف الدولة المصرية.
وأكد رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي أن مصر تصدت بقوة لمخطط تهجير الفلسطينيين، ورفضته بشكل قاطع على جميع المستويات السياسية، وفي مقدمتها موقف رئيس الجمهورية الذي أعلن بوضوح أن مصر لن تسمح بالتهجير أو بتصفية القضية الفلسطينية.
ولفت إلى أن الموقف المصري لم يقتصر على الرفض السياسي، بل امتد إلى طرح تصور شامل لإعادة إعمار غزة دون أن يترك الفلسطينيون أرضهم، موضحًا أن هذه الخطة حظيت بدعم عربي ودولي، وجاءت لمواجهة مخطط التهجير الذي تحدث عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأضاف أن مصر تواصل حتى الآن جهودها الحثيثة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، من خلال المفاوضات التي تستضيفها على أراضيها، أملًا في أن تُكلل هذه الجهود بوقف نزيف الدم الفلسطيني.
واختتم حسن ترك بالتأكيد على أن المساعي المصرية ستستمر حتى يتحقق سلام شامل يعم منطقة الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن مصر تنطلق من معاهدة السلام التي تجمعها بإسرائيل، وتسعى لتعميم تجربتها الناجحة على سائر المنطقة، دون أن يكون ذلك على حساب حقوق الشعب الفلسطيني التي ظلت مصر حاميًا أساسيًا لها عبر التاريخ.