الجمعة 10 اكتوبر 2025

ثقافة

ديوان العرب| لن تستطيع لأمر الله تعقيبا.. قصيدة ابن دريد الأزدي

  • 9-10-2025 | 04:33

ابن دريد الأزدي

طباعة
  • فاطمة الزهراء حمدي

تُعد قصيدة «لن تستطيع لأمر الله تعقيبا»، للشاعر ابن دريد الأزدي، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، والتي حفظها العرب، وتناقلوها فيما بينويعرف «ابن دريد الأزدي» كأحد أبرز الشعراء في العصر العباسي، الذين كتبوا قصائد تميزت بالغزل والمدح والفخر، وعلى رأسها قصيدة «لن تستطيع لأمر الله تعقيبا».

 

وتعتبر قصيدة «لن تستطيع لأمر الله تعقيبا»، من أبرز ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 35 بيتًا، علاوة على تميز شعر ابن دريد الأزدي، بسلاسة الألفاظ وسهولة المعاني وصدق العاطفة كما جاء بالقصيدة.

 

 

 نص القصيدة

 

لَن تَستَطيعَ لِأَمرِ اللَهِ تَعقيبا

فَاِستَنجِدِ الصَبرَ أَو فَاِستَشعِرِ الحوبا

وَاِفزَع إِلى كَنَفِ التَسليمِ وَاِرضَ بِما

قَضى المُهَيمِنُ مَكروهاً وَمَحبوبا

إِنَّ العَزاءَ إِذا عَزَّتهُ جائِحَةٌ

ذَلَّت عَريكَتُهُ فَاِنقادَ مَجنوبا

فَإِن قَرَنتَ إِلَيهِ العَزمَ أَيَّدَهُ

حَتّى يَعودَ لَدَيهِ الحُزنُ مَغلوبا

فاِرمِ الأَسى بِالأُسى يُطفي مَواقِعَها

جَمراً خِلالَ ضُلوعِ الصَدرِ مَشبوبا

مَن صاحَبَ الدَهرَ لَم يَعدم مُجَلجِلَةً

يَظَلُّ مِنها طِوالَ العَيشِ مَنكوبا

إِنَّ البَلِيَّةَ لا وَفرٌ تُزَعزِعُهُ

أَيدي الحَوادِثِ تَشتيتاً وَتَشذيبا

وَلا تَفَرُّقُ أُلّافٍ يَفوتُ بِهِم

بَينٌ يُغادِرُ حَبلَ الوَصلِ مَقضوبا

لَكِنَّ فقدانَ مَن أَضحى بِمَصرَعِهِ

نورُ الهُدى وَبهاءُ العِلمِ مَسلوبا

أَودى أَبو جَعفَرٍ وَالعِلمَ فَاِصطَحَبا

أَعظِم بِذا صاحِباً إِذ ذاكَ مَصحوبا

إِنَّ المَنِيَّةَ لَم تُتلِف بِهِ رَجُلاً

بَل أَتلَفَت عَلَماً لِلدينِ مَنصوبا

أَهدى الرَدى لِلثَرى إِذ نالَ مُهجَتَهُ

نَجماً على مَن يُعادي الحَقَّ مَصبوبا

كانَ الزَمانُ بِهِ تَصفو مَشارِبُهُ

فَالآنَ أَصبَحَ بِالتَكديرِ مَقطوبا

كَلّا وَأَيامُهُ الغُرُّ الَّتي جَعَلَت

لِلعِلمِ نوراً وَلِلتَقوى مَحاريبا

لا يَنسَري الدَهرُ عَن شِبهٍ لَهُ أَبداً

ما اِستَوقَفَ الحَجُّ بِالأَنصابِ أُركوبا

أَوفى بِعَهدٍ وَأَورى عِندَ مَظلَمَةٍ

زَنداً وَآكَدُ إِبراماً وَتَأديبا

مِنهُ وَأَرصَنُ حِلماً عِندَ مَزعَجَةٍ

تُغادِرُ القُلَّبِيَّ الذِهنِ مَنخوبا

إِذا اِنتَضى الرَأيَ في إيضاحِ مُشكِلَةٍ

أَعادَ مَنهَجَها المَطموسَ مَلحوبا

لا يَعزُبُ الحِلمُ في عَتبٍ وَفي نَزَقٍ

وَلا يُجَرِّعُ ذا الزَلّاتِ تَثريبا

لا يولَجُ اللَغوُ وَالعَوراءُ مَسمَعَهُ

وَلا يُقارِفُ ما يُغشيهِ تَأنيبا

إِن قالَ قادَ زِمامَ الصِدقِ مَنطِقُهُ

أَو آثَرَ الصَمتَ أَولى النَفسَ تَهييبا

لِقَلبِهِ ناظِرا تَقوى سَما بِهِما

فَأَيقَظَ الفِكرَ تَرغيباً وَتَرهيبا

تَجلو مَواعِظُهُ رَينَ القُلوبِ كَما

يَجلو ضِياء سَنا الصُبحِ الغَياهيبا

سِيّان ظاهِرُهُ البادي وَباطِنُهُ

فَلا تَراهُ عَلى العِلّاتِ مَجدوبا

لا يَأمَنُ العَجزَ وَالتَقصيرَ مادِحُهُ

وَلا يَخافُ عَلى الإِطنابِ تَكذيبا

وَدَّت بِقاعُ بِلادِ اللَهِ لَو جُعِلَت

قَبراً لَهُ فَحَباها جِسمُهُ طيبا

كانَت حَياتُكَ لِلدُنيا وَساكِنِها

نوراً فَأَصبَحَ عَنها النورُ مَحجوبا

لَو تَعلَمُ الأَرضُ ما وارَت لَقَد خَشِعَت

أَقطارُها لَكَ إِجلالاً وَتَرحيبا

كُنتَ المُقَوِّمَ مِن زَيغٍ وَمِن ظَلَعٍ

وَفّاكَ نُصحاً وَتَسديداً وَتَأديبا

وَكُنتَ جامِعَ أَخلاقٍ مُطَهَّرَةٍ

مُهَذَّباً مِن قِرافِ الجَهلِ تَهذيبا

فَإِن تَنَلكَ مِنَ الأَقدارِ طالِبَةٌ

لَم يُثنِها العَجزُ عَمّا عَزَّ مَطلوبا

فَإِنَّ لِلمَوتِ وِرداً مُمقِراً فَظِعاً

عَلى كَراهَتِهِ لا بُدَّ مَشروبا

إِن يَندُبوكَ فَقَد ثُلَّت عُروشُهُمُ

وَأَصبَحَ العِلمُ مَرثِيّاً وَمَندوبا

وَمِن أَعاجيبِ ما جاءَ الزَمانُ بِهِ

وَقَد يُبينُ لَنا الدَهرُ الأَعاجيبا

أَن قَد طَوَتكَ غُموضُ الأَرضِ في لَحَفٍ

وَكُنتَ تَملَأُ مِنها السَهلَ وَاللوبا