خلال صالونه الشهري بالجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، استعاد مدير التصوير الكبير سعيد شيمي ذكرياته مع حرب أكتوبر المجيدة، كاشفًا عن تفاصيل نادرة من رحلته كمصور وثق لحظة العبور في قلب المعركة.
قال شيمي: «في حرب أكتوبر كنت قد أصبحت مصورًا محترفًا، وذهبت مع مجموعة من الأصدقاء إلى الكاتب الكبير يوسف السباعي نطلب منه السماح لنا بتصوير الحرب. فنصحنا قائلًا: ربما لا تعودون منها أحياء. فسألته مستنكرًا: وما الذي نفعله ونحن هنا إذن؟»
بهذا الإصرار، سجّل شيمي اسمه ضمن المتطوعين في وزارة الثقافة لتوثيق الحرب، وكان وقتها يعمل بالمركز القومي للسينما.
وفي 12 أكتوبر، تم تقسيم المتطوعين إلى بعثتين: واحدة للجيش الثاني وأخرى للجيش الثالث.
اختار شيمي وصديقه المخرج داود عبد السيد الانضمام إلى الجيش الثاني، ليعبرا مع القوات المصرية إلى سيناء فجر يوم 13 أكتوبر، حاملين كاميراتهما بدلًا من البنادق.
ظل هناك عشرة أيام كاملة يصور المعارك من قلب الجبهة، ثم عاد ليسلّم المواد المصوّرة للجيش.
ومن أبرز اللقطات التي لا تُنسى بالنسبة له كانت لحظة اختراق صاروخ لطائرة وانقسامها نصفين، وهي لقطة قال إنها أرهقته حتى تخرج بهذا الشكل الدقيق، إلى جانب مشاهد أخرى وصفها بـ«البشعة» من واقع الحرب.
ويحكي شيمي عن لحظة الخطر قائلاً: «عندما وصلنا إلى المعبر برفقة أحد الضباط، تلقينا تعليمات واضحة بضرورة الاحتماء بالخنادق عند أي خطر.
ومع أول ضوء للفجر، وبينما كانت القوات المصرية تعبر، بدأ القصف يشتد، وكنت أوثق بالكاميرا مرور الدبابات عبر معبر رقم 6.
كان المشهد مهيبًا؛ دبابات تتقدم تحت وابل القذائف، وصوت الأرض وهي تهتز من حولنا».
ويضيف أنه خلال أحد المواقف الإنسانية التي لا ينساها، ألقى بنفسه في خندق للنجاة أثناء القصف، فوجد إلى جواره جنديًا مصريًا ينظر إليه بريبة لكونه مدنيًا، «قلت له فورًا: أنا مصور بصور حرب أكتوبر، فأعطاني العسكري ثمرة بلح وقال لي: متقلقش من الشظايا، الشظية مكتوب عليها اسم وميعاد اللي هتصيبه».
ويرى شيمي أن تلك اللحظات جسدت تداخل الخطر مع شرف المهمة، مؤكدًا أن الكاميرا كانت بالنسبة له سلاحًا يوازي البندقية في معركة استعادة الأرض، وأنه شعر بفخر كبير لتوثيقه البطولة المصرية بعدسته.
من الجبهة إلى السينما
بعد الحرب، رشحه المخرج يحيى تادرس للمنتج الكبير رمسيس نجيب للعمل مع المخرج الإيطالي «ماريو» في تصوير المعارك الحربية ضمن فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»، الذي تولّت القوات المسلحة الإشراف على تفاصيله من خلال ضابط اتصال بينها وبين فريق العمل.
وخلال تصوير أحد مشاهد الانفجار، كاد شيمي يفقد حياته بعد أن سقطت كتلة خرسانية ضخمة بجانبه إثر تفجير خزان مياه، ليبقى هذا المشهد شاهدًا آخر على حجم المخاطر التي واجهها خلف الكاميرا.
حلم «الطريق إلى إيلات»
لم يتوقف شغف سعيد شيمي بتوثيق البطولات عند حرب أكتوبر، فقد كشف أنه بدأ حلمه بفيلم «الطريق إلى إيلات» منذ نكسة 1967، حين كان طالبًا جامعيًا يعشق السينما.
وقتها قرأ في جريدة الأهرام تفاصيل العملية الفدائية التي نفذها رجال الضفادع البشرية المصرية لتفجير الميناء الإسرائيلي في إيلات، وتمنى أن يصنع فيلمًا يوثّق تلك الملحمة. وبعد أكثر من عقدين من الزمن، تحقق الحلم وصنع الفيلم الذي أصبح أحد أهم الأعمال السينمائية عن بطولات القوات البحرية المصرية.
بهذه الشهادة النادرة، يقدّم سعيد شيمي مثالًا على كيف يمكن للصورة أن تتحول إلى وثيقة وطنية، وكيف أصبحت كاميرته شاهدًا على التاريخ ورفيقًا للمقاتلين في لحظات المجد والخطر معًا.