تحل اليوم ذكرى وفاة الفنان الكبير عمر الحريري، أحد رموز الفن المصري الراقي، وصاحب المسيرة الطويلة التي امتدت لأكثر من ستة عقود في المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة، وتميز الحريري بملامحه الهادئة وأدائه الرصين وصوته المميز، فكان من جيل الكبار الذين جمعوا بين الموهبة والثقافة والانضباط الفني، وترك وراءه إرثًا فنيًا يزيد عن 300 عمل متنوع لا تزال محفورة في ذاكرة المشاهدين.
وُلد عمر محمد صالح عبد الهادي الحريري في 12 فبراير عام 1926 بحي عابدين في القاهرة، ونشأ في بيت يُقدر الفن والثقافة. بدأ عشقه للتمثيل مبكرًا بعد أن اصطحبه والده لحضور عروض كبار المسرحيين مثل جورج أبيض وزكي طليمات وعلي الكسار. التحق الحريري بفريق التمثيل في المدرسة، وأثبت موهبة مبكرة جعلته ينافس فرق المدارس الأخرى، وفي سن الخامسة عشرة، شارك في أول ظهور له أمام الكاميرا في مشهد صامت بفيلم «سلامة في خير» عام 1937 بطولة نجيب الريحاني.
تخرج من المعهد العالي للتمثيل العربي عام 1947 ضمن دفعة ضمّت الفنان شكري سرحان، ليبدأ مشواره من المسرح القومي حيث قدّم أعمالًا ناجحة جعلته من أبرز الوجوه الجديدة. قدّمه الفنان يوسف وهبي للجمهور من خلال عروضه المسرحية، ومنها انطلق إلى عالم السينما.
جاء أول أدواره السينمائية عام 1950 في فيلم «الأفوكاتو مديحة» أمام مديحة يسري ويوسف وهبي، لتبدأ مسيرته السينمائية الزاخرة التي ضمت أكثر من مئة فيلم. شارك في أعمال شهيرة أصبحت من كلاسيكيات السينما المصرية مثل «الآنسة حنفي»، «الوسادة الخالية»، «سيدة القصر»، «أم رتيبة»، «الرباط المقدس»، «العتبة الخضراء»، «سكر هانم»، و«العذاب امرأة»، كما شارك في أفلام تاريخية مهمة منها «الناصر صلاح الدين».
ورغم موهبته الكبيرة، لم يحصل عمر الحريري على البطولة المطلقة سوى مرة واحدة في فيلم «أغلى من عيني» من تأليف وإخراج عز الدين ذو الفقار عام 1955، لكنه ظل نجمًا من طراز خاص، يترك بصمته في كل دور يؤديه مهما كان حجمه.
لم تقتصر مسيرته على السينما فقط، بل كان له حضور قوي في التلفزيون، حيث شارك في أعمال خالدة مثل «عمر بن عبد العزيز»، و«شيخ العرب همام»، و«ساكن قصادي»، و«السيرة الهلالية»، كما تألق في فوازير «ألف ليلة وليلة» مع شريهان عام 1985.
أما على خشبة المسرح، فقد كان الحريري أحد أعمدته الراسخة، وشارك في مسرحيات شهيرة أصبحت جزءًا من الذاكرة الكوميدية المصرية مثل «شاهد ما شافش حاجة» و«الواد سيد الشغال» و«سكر هانم»، وكان آخر ظهور له على المسرح في عرض «حديقة الأذكياء» عام 2011 قبل رحيله.
نال عمر الحريري العديد من الجوائز والتكريمات تقديرًا لعطائه الفني، من بينها تكريمه في المهرجان التاسع للسينما المصرية عام 2003، وبرحيله في مثل هذا اليوم، يبقى الحريري علامة مضيئة في تاريخ الفن المصري، وفنانًا جسد الرقي والبساطة والالتزام في كل ما قدمه على مدى أكثر من نصف قرن من الإبداع.