ها نحن نكمل الفصل الرابع من كتاب جمال حمدان “استراتيجية الاستعمار والتحرير”.
ما زلنا في الباب الأول عن الاستعمار في مرحلة انتقاله من العصور القديمة إلى العصور الحديثة. ولدينا في هذا المقال مراجعة لثلاث تجارب: هولندا وفرنسا وبريطانيا.
الاستعمار الهولندي
نقلًا عن مراجع أجنبية كلاسيكية يتفق حمدان مع مؤلفين أوروبيين في أن القرن السابع عشر هو بلا ريب قرن هولندا فقد قفزت فيه إلى المقدمة كقوة بحرية تجارية استعمارية، ودخلت الاستعمار من أوسع أبوابه.
عُرفت هولندا تقليديًا باسم الأراضي المنخفضة (ويعني المصطلح كلا من هولندا وبلجيكا). والطريف أن هولندا قبل أن تنطلق في طموحاتها الاستعمارية كانت تحت الاحتلال الإسباني، وشجعتها الأخيرة على الخروج إلى التجارة البحرية الجديدة لكسر احتكار البرتغال للتجارة.
وصُفت هولندا والأراضي المنخفضة بشكل عام بأنها بوابة الدخول في التجارة الأوروبية بحكم موقعها الجغرافي وطبيعتها التضاريسية السهلة مقارنة بالتضرس الذي تعانيه أيبيريا (إسبانيا والبرتغال) وانعزالها عن القارة ومواصلاتها البرية بالحائط الجبلي والبعد الجغرافي.
ورثت هولندا دور المدن الإيطالية، التي حين انهارت وتراجعت أهميتها كانت الحاجة ماسة لمداخل ساحلية لنقل سلع الشرق إلى قلب القارة، وهنا ظهرت الأراضي المنخفضة. يصف حمدان هولندا في هذه الحالة بأنها "نهاية الشارع الرئيسي للحركة في قلب القارة، ونعني به الراين الذي – وحده من بين أنهار غرب القارة – يتوغل حتى قلب القارة".
ولم تتوانَ هولندا عن توظيف هذا الموقع المدخلي الجديد. فنجحت أولًا في انتزاع استقلالها من إسبانيا في حروب الإصلاح الديني في نهاية القرن السادس عشر، وذلك بفضل تحصنها في دلتاها الأسفنجية وإغراقها لأراضيها الواطئة في وجه العدو، بالإضافة إلى مزاياها كأمة ملاحية في بيئة بحرية مثالية. هذا بينما ظلت بلجيكا إسبانية ولم تستطع أن تخرج إلى البحر والاستعمار فيما بعد، إلا في موجة القرن التاسع عشر.
يصل حمدان إلى نتيجة هذه المكاسب فيقول: "ومنذ ذلك الحين، بدأت تجارة الشرق تنصب انصبابًا في هولندا، التي ورثت دور البرتغال بمثل ما ورثت أنتورب دور لشبونة فصارت أكبر مركز تجاري في أوروبا".
في مجمل الصورة يرجع حمدان مسلسل الوراثية فيقول: "ورثت هولندا دور إيطاليا، بل دور العرب". وسنحت الفرصة الكبرى لهولندا لتأكيد مكانتها حين حطمت إسبانيا قوة البرتغال، ثم حين تحطمت قوة أسطول الأرمادا على يد الأسطول الإنجليزي لاحقًا.
تحت عنوان "قرن هولندا" يتتبع حمدان – نقلًا عن المصادر الأوروبية الكلاسيكية في التاريخ الجغرافي للقارة – كيف انقضت هولندا على المستعمرات البرتغالية والإسبانية حتى إنه في غضون 50 سنة من استقلال هولندا عن الاستعمار الإسباني انطلق الهولنديون في تجارة الشرق حتى أنهم انتزعوا السيطرة من البرتغال على معظم جزر الهند الشرقية.
في طريقها إلى الهند أقامت هولندا مستعمرات ساحلية في غرب القارة الإفريقية ولا سيما في "غانا"، وكان الهولنديون أول من نزل في موقع "الكاب" الحيوي بعد إذ تجاوزها البرتغاليون ولم يقيموا فيها أية مستعمرات، وهو أمر يعتبره حمدان محيرًا وغير مفهوم.
في جنوب شرق القارة الإفريقية امتلك الهولنديون جزيرة موريشيوس (التي أعطوها اسم أميرهم موريس)، وأخيرًا احتلوا جزيرة سيلون حيث سيكون لهم دور طويل فيها.
أكثر من هذا غامر الهولنديون من جزر الهند الشرقية جنوبًا حتى كشفوا ساحل شمال أستراليا لأول مرة في بداية القرن السابع عشر وحتى سميت هذه المنطقة من أستراليا لفترة من الزمن باسم "هولندا الجديدة".
بل إن تسميتها منسوبة إلى المستكشف الهولندي "تازمان"، كما وصل الهولنديون إلى نيوزيلندا (نسبة إلى مقاطعة زيلند في هولندا). غير أن هذه الكشوف لم تتحول إلى استعمار، فقد كان ذلك أكبر من طاقة هولندا.
في ذروة الشغف التوسعي وصل الهولنديون إلى تأسيس مستعمرات في البرازيل وجيانا، وكانوا هم الذين اكتشفوا لأول مرة رأس هورن الذي يحمل اسم إحدى القرى الهولندية (إلى الشمال من أمستردام).
ويسجل حمدان في أصول الأسماء معلومة طريفة وهي أن الهولنديين امتلكوا مفتاح مدخل أمريكا الشمالية في نيو أمستردام (التي ستصبح نيويورك فيما بعد).
ينقل حمدان الأوصاف التي جاءت في المراجع الأوروبية عن الهولنديين بعد أن سيطروا على النقل البحري، فعرفوا باسم "نَقَلة البحر" و"بقالة أوروبا".
ثم يصل حمدان في ختام تتبع الصعود الهولندي إلى نهاية المجد الاستعماري لهذا النموذج البحري، حين انهارت هذه القوى الصاعدة كسابقتها البرتغال. فلم يكن لتوهج هولندا ولمعانها كقوة بحرية – يقول حمدان – أن يبقى طويلًا لأنها محدودة القاعدة الجغرافية الطبيعية: قليلة السكان، فقيرة في التربة والإنتاج الزراعي، لا تعرف الكفاية الذاتية حتى في الغذاء، فاقدة حتى الموارد الغابية والمعدنية اللازمة لبناء السفن، وكانت تستورد كل مقومات حياتها اليومية. كان كل رأسمالها موقعها الجغرافي وقدرتها على النقل. ومن ثم كان مقتلها يكمن – كالبرتغال – في حرمانها من تجارتها ومستعمراتها.
في سياق التنافس الاستعماري وقعت هولندا بين قوتين أكبر منها وأعظم: فرنسا في البر الأوروبي وبريطانيا في البحر المقابل. وقد كان دور فرنسا في تحطيم قوة هولندا أكبر من دور بريطانيا، لأن هولندا كانت أضعف على البر منها على البحر كثيرًا، فكان يمكن أن تواجه بريطانيا بدرجة أو بأخرى. ومع ذلك فقد كان صراع هولندا مع الإنجليز في البحر مريرًا بل ووحشيًا، واستماتوا في وجههم لأنهم هم مباشرة الطامعون في تجارة المحيط: حياة هولندا أو موتها.
ولم يكن القرن الثامن عشر ليبدأ إلا وكانت هولندا قد فقدت معظم تجارتها وخسرت كل قوتها البحرية، وخرجت تمامًا من دائرة صراع القوة. في أعقاب الحروب النابليونية انتزعت بريطانيا من هولندا مستعمرة الكاب، بل إن هولندا نفسها سقطت لفرنسا نابليون. وكما انقضت هولندا من قبل على المستعمرات البرتغالية في الشرق الأقصى، انقضت إنجلترا على مستعمرات هولندا هناك.
وفي قول الإيجاز والخلاصة يقول حمدان: "من الغريب أن هولندا بعد ذلك مالت – تمامًا كالبرتغال – إلى أن تصبح حليفًا تقليديًا بل وعالة على الحماية البريطانية سواء في القارة أو في البحر أو في المستعمرات. وباختصار فقد ورثت بريطانيا بالذات دور هولندا مثلما ورثت فرنسا دور إسبانيا".
الاستعمـــــــــــــار الفرنســـــــــــي
يوجز حمدان قصة الاستعمار الفرنسي بقوله: إنه يمكننا أن نعد القرن الثامن عشر قرن فرنسا، فقد كانت تفوق بريطانيا على القارة برًّا، ولا تقل عنها بحرًا. وقد جمعت فرنسا قواها مع إسبانيا خلال القرن عدة مرات في حروب مطوّلة ضد بريطانيا بسبب توسع تجارة هذا المنافس الإنجليزي توسعًا خطيرًا. ولكن ظلت صراعات فرنسا القارية، خاصة مع النمسا، تستنزف طاقاتها.
لكن في نهاية القرن الثامن عشر تقلص الفارق في القوة بين فرنسا وإنجلترا، إلى أن كانت انتفاضة فرنسا نابليون بعد الثورة، وفيها وصلت السيادة الفرنسية في أوروبا إلى قمتها – ولكن أيضًا إلى نهايتها بعد ذلك بفترة وجيزة. فكما يقول حمدان: انتهى بريق القوة الفرنسية كاحتراق الشهب لتفسح فرنسا مكان الصدارة إلى بريطانيا.
وموجز قصة نابليون أنه حاول أولًا أن يؤسس إمبراطورية في المشرق في مصر والشام تكون مواقع الخطى إلى الهند كي يضرب بريطانيا فيها، أو لتكون مصر لؤلؤة الإمبراطورية الفرنسية في مقابل الهند لؤلؤة الإمبراطورية البريطانية كما قيل.
ثم حاول نابليون أن يغزو بريطانيا في جزيرتها، لكن فرنسا لم تكن لديها القوة البحرية الكافية للقيام بذلك أمام التفوق البحري التقليدي لإنجلترا، الذي وصل إلى قمته في هذه المحاولة التي انتهت بهزيمة الأسطول الفرنسي غرب جبل طارق في معركة ترافلغار (الطرف الأغر).
ثم كانت المرحلة الأخيرة هي (الحصار القاري) لبريطانيا لحرمانها من كل تجارة أوروبا. وفي هذا السبيل أخضع نابليون أوروبا جميعها عدا السويد والنطاق العثماني، كما انتهى به إلى حملة روسيا القاتلة.
وينقل حمدان عن مرجع أوروبي شهير أن خريطة نابليون كانت أعظم إمبراطورية أوروبية شهدتها العصور الحديثة إن لم يكن التاريخ جميعًا. لكن تلك كانت نقطة الضعف النهائية: فقد اتسعت الجبهة إلى مدى غير عملي، فجاءت النهاية نتيجة للاستنزاف المطلق لقوة وموارد فرنسا.
في النصف الأول من القرن السادس عشر، وبفضل جهود مستكشفين رواد أمثال جاك كارتييه، وصلت فرنسا في العالم الجديد إلى خليج سنت لورنس، وأسست في النصف الأول من القرن التالي مستعمرتها الكبرى في كيبيك (كويبك) كنواة لكندا الفرنسية أو (فرنسا الجديدة)، وذلك بفضل جهود المستكشف والملاح صمويل شامبلين. وقد بدأت هذه المستعمرات الفرنسية طلبًا لصيد الفراء ثم رغبة في التوطن والزراعة.
في النصف الثاني من القرن السابع عشر، ومن نهر سانت لورنس والبحيرات، هبطت فرنسا تلقائيًّا إلى قلب القارة الأمريكية، فنزلت مع المسيسيبي حتى وصلت إلى الخليج (بفضل جهود الرحالة دو لاسال) وأصبحت القوة الأبرز في لويزيانا.
على أن ضخامة المستعمرات الفرنسية في أمريكا الشمالية جاءت في النهاية نقطة ضعف لا قوة. فبعكس بريطانيا في الولايات الثلاث عشرة التي تحصرها جبال الأبلاش ونهر الألجيني Allegheny، كان من سوء حظ فرنسا بعد توغلها في السنت لورنس أنها لم تجد عقبة طبيعية كبرى توقف توسعها. ولهذا أدى تقدمها الكاسح السريع إلى لويزيانا إلى أن أصبح وجودها كله مساحة لا كثافة، قوة بشرية ضئيلة في رقعة قارية هائلة، ولهذا لم تستطع أن تحتفظ بها طويلًا.
وخارج اليابس الأمريكي في المسيسيبي، اتجهت فرنسا في العالم الجديد إلى جزر الهند الغربية على الساحل المقابل في أمريكا الجنوبية لتتخذ لها موطئ قدم في جيانا الفرنسية.
أما في العالم القديم فقد اتجهت فرنسا إلى الهند الشرقية وإلى الهند خاصة، فأنشأت مجموعة من القواعد التجارية على سواحل الهند شرقًا وغربًا، وتوغلت منها إلى الداخل في بعض القطاعات بفضل جهود جوزيف فرانسوا ديبليه Dupleix في شركة الهند الشرقية الفرنسية.
غير أن المنافسة والصراع الاستعماري مع بريطانيا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر انتهى بانتصار الأخيرة وخروج فرنسا من الهند. ولم يبق لها إلا بعض جيوب ساحلية رمزية بحتة تتوزع في شاندراناجور Chandernagor في البنغال في شمال شرق الهند، ويانون Yanaon في الشرق الهندي، وبونديشيري Puducherry وكريكال Karikal في الجنوب الشرقي، وماهي Mahi في الجنوب الغربي!
الاستعمـــــــــــــار البريطاني
في رحلته لتتبع مسيرة الاستعمار البريطاني يوجز حمدان قراءته في المراجع الأجنبية الكلاسيكية بأن الحقيقة الكبرى والضابط الحاسم في تاريخ بريطانيا السياسي والاستعماري هي أنها "بالصدفة الجيولوجية جزيرة قارية: من القارة وليست فيها".
وكما نرى في هذا التعبير البلاغي تعميم أدبي: الشطر الأول "صدفة جيولوجية" ليس تعبيرًا علميًّا لأن الجيولوجيا كلها قوانين وقواعد، لكن الشطر الثاني "من القارة وليست فيها" تعبير بلاغي تسمح به الجغرافيا لأن الجزر البريطانية تتصل/ تنفصل عن القارة الأوروبية.
وفي موجز الوزن الاقتصادي والسياسي يخلص حمدان إلى أن بريطانيا هي البيئة البحرية الكاملة التي حملت قوة بشرية كبيرة أولًا، وخلقت أمة ملاحة من الدرجة الأولى بعد ذلك، ومنحتها في نفس الوقت عنصر الحماية وحفظتها من اضطرابات القارة.
ولقد أنفقت بريطانيا العصور الوسطى في الحروب الإقطاعية ثم الإقليمية لتنسج وحدتها السياسية دون ما خطر من الحروب الخارجية التي يمكن أن تؤخر تلك الوحدة. وبفضل هذه العزلة الرائعة Splendid Isolation كانت أولى دول أوروبا إلى تحقيق الوحدة القومية في العصور الحديثة. وقد حررها هذا لتنزل إلى البحر الذي جعلته العروض الشمالية العاصفة والبيئة المدية المتلاطمة مدرسة بحرية قاسية ولكنها ممتازة، تتطلب المرونة قبل الضخامة والمناورة قبل الحجم.
قبل الكشوف الجغرافية كانت بريطانيا لا ثروة لها سوى الصوف الذي تصدره إلى القارة، خاصة إلى هولندا وإيطاليا. ولكن الكشوف الجغرافية حولت هذه الجزر المعزولة "المتطوحة" إلى قطب موجب في قلب المعمور المتمدد ما بين العالم القديم والجديد.
ويعطينا حمدان عبارة بلاغية فيها استخلاص جغرافي سياسي وتاريخي حين يقول: "إن إسبانيا والبرتغال بكشوفهما هما – بلا قصد – اللتان أعطتا بريطانيا حياة جديدة ومكانة جديدة في العالم".
غير أن البحر لم يكن سهلًا ممهدًا أمام بريطانيا في ظل سيطرة وهيمنة البرتغال وإسبانيا وهولندا وفرنسا، بل كانت البداية لبريطانيا لا تتجاوز أن تبقى في الظل أو شبه الظل، ولم تتمكن طيلة القرن السادس عشر إلا أن تلتقط الفتات من مكاسب التجارة المحيطية، إما بعيدًا عن النفوذ الإسباني أو مغافلة له.
واختارت بريطانيا الأماكن الصعبة التي لا أطماع للاستعمار الإسباني والبرتغالي فيها، فاتجهت في محور العالم الجديد في طريق شمالي "متطوح" نحو الشمال الغربي حيث اكتشفت في آخر القرن الخامس عشر نيوفوندلند ولبرادور (بفضل كشوف الرحالة جون كابوت)، رغم أن هذه الأقاليم هي دائرة محدودة القيمة التجارية.
وفي هذه الفترة كان كل ما تطمح إليه بريطانيا في وجه أطماع القوى السائدة هو أن تحافظ بحذر على استقلالها، وذلك من خلال تغذية الخصومة والعداوة بضرب أعدائها بعضهم ببعض: وبصفة خاصة ضرب إسبانيا بفرنسا.
اكتشفت إسبانيا المكر البريطاني فعملت على غزو الجزر البريطانية متسلحة بأسطولها القوي ذي الشهرة الواسعة "الأرمادا" في 1588، لكن حملة الأرمادا فشلت. ومع أن هزيمة الأرمادا لم تضع مباشرة حدًّا لقوة وإمبراطورية إسبانيا، فإنها فتحت الباب على مصراعيه أمام بريطانيا لتدخل الميدان البحري والتجاري الجديد مع مطلع القرن السابع عشر.
فتح هذا التحول الباب أمام بريطانيا لتدخل عالم الاستعمار، فأسست شركة الهند الشرقية. وفي نفس الجيل استقر مجموعة من المستوطنين المعروفين باسم "الآباء المهاجرين Pilgrim fathers" في أمريكا الشمالية ليؤسسوا إنجلترا الجديدة "نيو إنجلند".
وفي خلال هذا جميعًا كانت كل خسائر هولندا وفرنسا تتحول إلى حساب بريطانيا مكاسب وأرباحًا. فكانت التجارة عبر البحار تنتقل إليها بالتدريج، حتى إذا ما حطمت فرنسا قوة هولندا نهائيًّا في أواخر القرن كانت بريطانيا قد ورثت بالفعل معظم دورها التجاري، وورثت لندن وبرستول أنتورب وأمستردام.
وفي موجز قصة صعود بريطانيا يعود حمدان إلى العالم العربي -المسلوبة مكاسبه- فيقول:
"إذا قلنا إن بريطانيا ورثت موقع ودور هولندا، فقد قلنا في الحقيقة، وإن يكن بطريق غير مباشر، إنها ورثت موقع ودور البرتغال، وبطريق غير مباشر أكثر موقع ودور العرب القديم، وبالتحديد مصر.. نعم مصر! فلقد أصبحت بريطانيا في عصرها التجاري الجديد في العالم بنصفيه في موقع ووظيفة أشبه ما يكون بموقع مصر ووظيفتها في العالم القديم أثناء العصور الوسطى: هي همزة الوصل بين العالم القديم والجديد بمثل ما كانت مصر همزة الوصل بين آسيا وأوروبا، وهي تقع في ركن المحيط الأطلسي أو البحر المتوسط الجديد بمثل ما تقع مصر على أرض الزاوية من البحر المتوسط القديم".