تنظيم الإخوان منذ النشأة وحتى الوقت الحاضر يرتكز على الخارج، وقد أكدت الشواهد على مدار العقود أنها مجرد جماعة وظيفية تعمل لصالح أجهزة استخبارات دولية وخاصة غربية، بل إن علاقة تنظيم جماعة الإخوان ببريطانيا تحديدًا ارتباط وجودي، حيث بدأ الجانب الإنجليزي منذ إصدار وعد بلفور 1917 الذي أسس لوجود الكيان الإسرائيلي المتطرف بمنطقة الشرق الأوسط، البحث عن جماعة وظيفية تحمل أفكارًا متطرفة تستتر خلف الدين الإسلامي لتصبح مبررًا لوجود الفكر الصهيوني بمنطقة الشرق الأوسط، ما يغذي فكرة الصراع العقائدي ويمنح لإسرائيل المبررات أمام المجتمع الدولي للتوسع الإقليمي ومهاجمة الدول العربية، بمعنى آخر صناعة عدو وهمي لإسرائيل يخدم مصالحها، وقد حققت جماعة الإخوان تلك الوظيفة.
وبالفعل نجحت بريطانيا في السيطرة الكاملة على حسن البنا مؤسس الجماعة، الذي حاول الاتصال بألمانيا وإيطاليا وإقناعهما بتمويل الجماعة لمواجهة بريطانيا، التي أدركت هي الأخرى أن البنا يبحث عن المال لا مقاومة الاحتلال كما يزعم. وبالفعل هي الحقيقة التي كشف عنها وكيل جماعة الإخوان حينها أحمد السكري، الذي كتب في مقالاته بعد أن انشق عن الجماعة، كاشفًا فضائح البنا الذي طلب منه استلام أولى دفعات التمويل الإنجليزي لجماعة الإخوان.
ويتحدث السكري في إحدى مقالاته موضحًا أن حسن البنا يوم 25 أغسطس عام 1940 طلب منه حضور اجتماع خاص بالنيابة عنه مع الإنجليز، وبالفعل عُقد الاجتماع، وعرض الطرف الإنجليزي على الجماعة دعمًا ماليًا قدره 20 ألف جنيه وسيارة، بحجة دعم النشاط الدعوي للجماعة، وهذا هو السبب الظاهري فقط، بينما كانت هناك أهداف أخرى لتلك الرشوة: أولًا تقوية تيار جماعة الإخوان ليتصدى لتيار حزب الوفد، ما يخفف عن الاحتلال البريطاني ضغط المقاومة الوطنية. ثانيًا وقف تواصل البنا مع ألمانيا وإيطاليا إبان الحرب العالمية الثانية، وهو السبب ذاته الذي جعل البنا لا يجتمع مع الإنجليز بشكل مباشر خشية غضب تلك الأطراف، فدفع بوكيله لهذا الاجتماع الذي طلب بأن يكون التبرع علنيًا، في حين رفض الجانب البريطاني هذا الطلب. وحينها عاد السكري لاستشارة حسن البنا الذي صمت ولم يرد كما يذكر أحمد السكري في مقاله، لينشب خلاف كبير بعدها بين الرجلين سُمي بفتنة السكري.
ورغم أن صديق البنا، الذي هو في الأساس صاحب فكرة إنشاء الجماعة، لم يُفصح مباشرة عن كواليس تلقي البنا لهذا التمويل البريطاني، إلا أنه أشار إلى ذلك في مقالاته التي كان ينشرها بجريدة "صوت الأمة" حينها. وبالفعل، جنيهات الإنجليز حوّلت الإخوان لأداة عنف في الداخل المصري، وبدأ التنظيم الخاص لجماعة الإخوان بتنفيذ اغتيالات لرموز وطنية مثل القاضي أحمد الخازندار، وأحداث تفجيرات لأماكن عامة مثل تفجير سينما ميامي ومترو.
ومع تزايد وتيرة العنف لجماعة الإخوان، التي باتت تمتلك السلاح والمال، قرر رئيس الوزراء حينها محمود فهمي النقراشي إصدار قرار بحل الجماعة عام 1948، وحينها طالته يد الغدر الإخوانية وتم اغتياله، وكان رئيس وزراء مصر حينها أحد رجال ثورة 1919، وله مسيرة حافلة في التصدي للاحتلال البريطاني.
لم تكن تلك الفترة هي الأولى في محطات التمويل الأجنبي لجماعة الإخوان، بل مع بداية نشأة الجماعة أواخر عشرينيات القرن الماضي وفي الإسماعيلية التقى حسن البنا مع البارون دي بنوا مدير شركة قناة السويس حينها، الذي تبرع لجماعة الإخوان بمبلغ 500 جنيه كانت النواة الأولى لتقوية تلك الجماعة الوظيفية.
التنظيم الدولي
علاقة جماعة الإخوان الممتدة منذ نشأتها مع أطراف دولية متعددة تؤكد عمالة تلك الجماعة وكونها أداة مخابراتية لأجهزة خارجية، بل إنها بمثابة غرفة استخباراتية متاحة للإيجار لمن يدفع ويمول. ولهذا، سعت جماعة الإخوان عقب محاولاتها لاغتيال جمال عبد الناصر في حادث المنشية الشهير عام 1954 وفشلها في هذا الأمر، لإنشاء تنظيم دولي يحمل اسم الجماعة بالعواصم الغربية تحديدًا، والتي كانت مناهضة لفكر جمال عبد الناصر الذي كان يميل ناحية الكتلة الشرقية، وكان في حالة خلاف دائم مع الإنجليز والكتلة الغربية.
وبعد حادث المنشية، سافر عدد من أفراد جماعة الإخوان إلى أوروبا للاحتماء بخصوم عبد الناصر، وبدأ هؤلاء الأفراد في العمل بشكل منفرد لإنشاء تجمعات تخدم أهدافهم بمختلف الدول الأوروبية. لكن تبلورت فكرة التنظيم الدولي للجماعة مع هجرة سعيد رمضان، زوج ابنة حسن البنا، إلى ألمانيا عام 1960، والذي وجد في إنشاء تنظيم دولي للإخوان المسلمين فرصة تمكن الجماعة من التواصل مع كافة أجهزة الاستخبارات الدولية وجمع التمويل وتنفيذ الأهداف. وبالفعل أنشأ النواة الأولى، وهي المركز الإسلامي بميونخ.
وبالتوازي، تم عام 1961 إنشاء مركز للجماعة في بريطانيا تحت اسم جماعة الطلبة المسلمين. وظلت الجماعة تبني كياناتها في أوروبا وتركيا وبعض الدول الأخرى حتى تولى مصطفى مشهور منصب مرشد الجماعة، فقام بإحياء التنظيم الخاص وإنشاء التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وأصدر اللائحة المنظمة له في يوليو عام 1982. ومنذ ذلك الحين، باتت تنظيمات الجماعة في الدول الأوروبية تعمل ضد المصالح المصرية.
وقد ظهر هذا جليًا عقب ثورة 30 يونيو المجيدة، التي أنقذت مصر من حكم تلك الجماعة الإرهابية، التي أتت إلى السلطة بدعم غربي أراد أن يغتال إرادة الشعب المصري، الذي استرد قراره وتخلص من تلك الجماعة التي قررت استخدام تنظيمها الخاص وتنظيمها الدولي لإفشال الداخل المصري، وهو ما لم ولن يتحقق، كون مصر عصية على تلك الجماعة الوظيفية.
وعقب نجاح مصر في مواجهة الإرهاب والفكر المتطرف، فرّ الكثير من أفراد الجماعة إلى أوروبا وتركيا، وبدأت الحروب الإعلامية عبر نشر الشائعات والأكاذيب، لكنها هي الأخرى فشلت، ولم تنل من الوعي الجمعي المصري، الذي بات محصنًا ضد أفكار الجماعة الإرهابية.
معركة السفارات .. الرقصة الأخيرة لتنظيم الإخوان الدولي
التنظيم الدولي لجماعة الإخوان يعتمد على جناحين أساسيين: كُسر أحدهما وبقي الآخر يحاول الصمود، ولكنه سيُكسر هو الآخر مع الوقت. الجناح الأول وهو البريطاني، وكان يقوده حتى عام 2022 إبراهيم منير، الذي كان مسؤول التنظيم الدولي والقائم بأعمال المرشد. ولعل نقل منصب الإرشاد إلى بريطانيا عقب نجاح ثورة 30 يونيو المجيدة يؤكد تلك العلاقة الوجودية بين الإنجليز والإخوان، وأنهم صناعة بريطانية بامتياز.
فرغم أن الجناح الثاني، التركي، كان يشهد نشاطًا كبيرًا، إلا أن قيادات إنجلترا تمسكوا بالإدارة، وهو ما أحدث خلافات كبيرة بين الجناحين وصلت للتراشق وتبادل الاتهامات والتخوين المتبادل، ولا سيما بعد أن قام منير بالإطاحة بمحمود حسين الذي كان يقود تيار أنقرة، خاصة بعد أن فشل هذا الجناح في إفشال العلاقات بين مصر وتركيا، بل على العكس عاد الود بين الدولتين، ما أحدث صدعًا قويًا داخل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، الذي فقد أهم نقاط عمله الدولية بعد أن بات تواجده وعمله في تركيا للهجوم على مصر أمرًا غير مرحب به من السلطات التركية.
ولهذا فرّ الكثير من أعضاء الجماعة من تركيا إلى بريطانيا. الخلافات بين جبهتي التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في كل من تركيا وبريطانيا اشتعلت أكثر عقب وفاة إبراهيم منير، وتعمقت حالة الانقسام الداخلي، والتي انعكست على ضعف مكاتب التنظيم الدولي بمختلف الدول الأوروبية، ودفع الكثير من العواصم الأوروبية تحديدًا للتفكير في كيفية التخلص من تلك الجماعة التي باتت تشكل عبئًا عليها ولم تعد مجدية.
وهو ما يبرر محاولة تنشيط عمل التنظيم الدولي للجماعة على طريقة الذئاب المنفردة، لإثبات أن الجماعة ما زالت مؤثرة. وهو ما ظهر جليًا في الهجوم على السفارات والبعثات الدبلوماسية المصرية في لندن وعدد من العواصم الأوروبية الأخرى، وتقديم الدعم الكامل لبريطانيا عبر غسل سمعة إسرائيل من الجرم الإنساني القائم بقطاع غزة، ومحاولة إلصاق التهم بمصر، التي هي في واقع الأمر المدافع الأول والأساسي عن الشعب الفلسطيني.
معركة السفارات بمثابة الرقصة الأخيرة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، الذي يتهاوى ويتساقط بعد فشل هذا المخطط عبر مواجهة دبلوماسية مصرية قوية، وإسناد شعبي من المصريين الوطنيين في الخارج، ما أحبط المحاولة الأخيرة للتنظيم الدولي للجماعة الإرهابية، الذي طالما عمل على تشويه الواقع المصري وتزوير الرأي العام الدولي، بل وعمل بشكل مباشر وصريح ضد المصالح المصرية، تحقيقًا لمصالح أجهزة الاستخبارات التي تمول هذا التنظيم الدولي للجماعة الإرهابية.
بل إن مهاجمة جماعة الإخوان للدور المصري المساند للقضية الفلسطينية والرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة هو خير شاهد ودليل على كون تلك الجماعة تعمل لخدمة مصالح إسرائيل، بل إنهم "إخوان إسرائيل"، وقد صنعتهم بريطانيا لخدمة الأهداف الصهيونية.