منذ اللحظة الأولى التي ظهرت فيها جماعة الإخوان في مصر عام 1928 على يد حسن البنا، ارتبط اسمها بالعنف والدم، وارتسم تاريخها كصفحة مظلمة من صفحات الإرهاب في العالم العربي. فقد قدَّم البنا نفسه باعتباره داعية إصلاح ديني وسياسي، غير أن مشروعه سرعان ما انكشف على حقيقته، ليس كدعوة إصلاحية كما زعم، بل كتنظيم سري مسلّح يهدف إلى السيطرة على السلطة بأي ثمن. لم يكن الدين عند البنا غايةً في ذاته، بل وسيلة وأداة لتعبئة الأتباع واستقطاب الشباب عبر خطاب عاطفي يستند إلى الشعارات الدينية البرَّاقة، بينما كانت الحقيقة في جوهرها مشروعًا سياسيًا دمويًا.
ففي أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات، أسس البنا ما عُرف بـ"التنظيم الخاص"، وهو الجهاز السري للجماعة الذي تولَّى تنفيذ عمليات الاغتيال والتفجير ضد رموز الدولة والمجتمع. ومن أبرز ضحاياه رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي، كما ارتبط اسمه بعدة محاولات اغتيال وتفجير هزّت مصر آنذاك. لقد كان "التنظيم الخاص" التطبيق العملي لأفكار البنا القائمة على مبدأ أن الوصول إلى الحكم يبرر استخدام كل الوسائل، بما فيها العنف والقتل. وبذلك وضعت الجماعة منذ بدايتها بذور الإرهاب الذي لم يفارقها إلى اليوم، وظل يلاحقها كعنوان دائم: جماعة لا تعرف سوى الدم سبيلًا لتحقيق أهدافها.
حسن البنا.. وصايا الدم والقتل
لم يكن حسن البنا مجرد واعظ ديني كما يروِّج أنصاره، بل كان منظِّرًا للعنف ومؤسسًا لتنظيم مسلّح. رسائله مليئة بالتحريض على القتال بدعوى "الجهاد"، لكنه جهاد ضد أبناء الوطن قبل الأعداء. تحت قيادته، تورطت الجماعة في اغتيال رئيس الوزراء أحمد ماهر، ثم محمود فهمي النقراشي، ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر. لقد أرسى البنا قاعدة خطيرة هي أن "الوصول إلى السلطة يبرر كل الوسائل"، حتى لو كانت هذه الوسائل اغتيال أبناء الأمة. والأخطر أنه زرع في أذهان أتباعه أن "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، ليصبح شعارًا ملهمًا لكل العمليات الإرهابية لاحقًا.
لقد تناول عدد من المفكرين خطورة فكر حسن البنا، منهم المفكر الكبير عباس محمود العقاد الذي كتب بوضوح أن الجماعة "تسعى لاغتيال الحرية باسم الدين"، كما اعتبرها عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "خطرًا على التعليم والفكر الحر". تكشف هذه الشهادات المبكرة وعي رواد النهضة الثقافية بمخطط الجماعة في تحويل الدين إلى أداة سياسية.
سيد قطب.. ظلال الإرهاب
إذا كان حسن البنا هو الأب الروحي للعنف الإخواني، فإن سيد قطب هو المشرِّع الفكري للإرهاب. ففي كتابه معالم في الطريق دعا إلى تكفير المجتمعات ووصفها بالجاهلية، وأفتى بوجوب "إعادة بناء المجتمع الإسلامي" بالقوة والعنف. مثَّلت كتاباته المرجع الأول لكل الحركات الإرهابية التي ظهرت لاحقًا، من الجماعة الإسلامية في مصر إلى تنظيم القاعدة وصولًا إلى داعش. لقد كان قطب بمثابة المولِّد الفكري للإرهاب العالمي الحديث، حتى إن زعماء القاعدة وداعش اعترفوا بتأثرهم المباشر به.
يقول الدكتور فؤاد زكريا إن سيد قطب "لم يكتب إلا ليهدم، لم يكن مصلحًا بل كان صاحب مشروع دموي يرى في الخراب شرطًا للنهضة". بينما كتب الدكتور نصر حامد أبو زيد أن فكر قطب "لا يقدم حلولًا بل يفتح أبواب الجحيم أمام المجتمعات". تكشف هذه الشهادات الفكرية أن قطب لم يكن مجرد مفكر متشدد، بل كان صانعًا لثقافة الموت.
أكتوبر.. شهر ميلاد رموز الإرهاب
في أكتوبر وُلد كل من حسن البنا وسيد قطب، وكأن هذا الشهر حمل معه ولادة رمزي الإرهاب العالمي. في هذا الشهر المليء بالدم في ذاكرة الأمة، نتذكر كيف خرج من رحم الإخوان فكر لم يعرف سوى القتل والدمار، وكيف أن التاريخ يضع أمامنا دائمًا دلالات تكشف خطورة الأيديولوجيا التي تبنّاها هؤلاء.
الإخوان وكراهية الأوطان
من أخطر ما زرعته الجماعة في عقول أتباعها هو كراهية الوطن والولاء للتنظيم فوق أي انتماء. فهم يعتبرون الأمة الإسلامية بديلاً عن الدولة الوطنية، ويرون أن الولاء يجب أن يكون للتنظيم الدولي لا للأوطان. لذلك لم يكن غريبًا أن نرى الجماعة تتآمر مع دول أجنبية ضد بلدانها، وأن تتحالف مع قوى خارجية لتحقيق مصالحها على حساب أمن الشعوب. لقد اعتبروا الدولة الوطنية "صنمًا" يجب تحطيمه، وهو ما يفسر محاولاتهم المستمرة لهدم مؤسسات الدولة في مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا.
التنظيم الدولي.. إرهاب عابر للحدود
لم يتوقف مشروع الإخوان عند حدود مصر، بل امتد إلى الخارج عبر ما يُعرف بـ"التنظيم الدولي" الذي أسسه مصطفى مشهور في سبعينيات القرن الماضي. نجح هذا التنظيم في بناء شبكات مالية وإعلامية وتعليمية ضخمة، وتمكن من التغلغل في أوروبا وأمريكا، مقدمًا نفسه كواجهة إسلامية معتدلة بينما يخفي أجندة إرهابية. لقد تحول التنظيم الدولي إلى أخطر أداة للإخوان في نشر فكرهم الدموي على مستوى العالم، ووفّر الدعم المالي واللوجستي للحركات المسلحة في آسيا وإفريقيا.
كيف واجه المفكرون هذا الفكر الدموي؟
على مدار عقود، وقف كبار المفكرين والمثقفين في مواجهة هذا الفكر الظلامي. ففي مصر، تصدى الدكتور طه حسين والمفكر الكبير عباس محمود العقاد وغيرهما من رواد التنوير لمحاولات الإخوان خطف الدين وتسييسه. كتب الأستاذ العقاد بحدة عن خطر الخلط بين الدين والسياسة، ورأى أن الجماعة تمثل خطرًا على العقل والحرية. أما عميد الرواية العربية والكاتب العالمي نجيب محفوظ فقدم في رواياته صورة الإنسان المصري البسيط الذي يواجه قوى الظلام والتعصب.
في الخمسينيات والستينيات، جاء دور الزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذي فضح أمام الجماهير حقيقة الإخوان وارتباطهم بمخططات خارجية. وعلى الرغم من محاولات الجماعة اغتياله، خرج الزعيم الخالد في خطاب المنشية الشهير ليؤكد أن الإخوان لا يسعون إلا للسلطة على جثث الأبرياء. لقد كان صوته صوت الدولة الوطنية في مواجهة التنظيم.
أما في العقود الأخيرة، فقد فضح مفكرون كبار مثل الدكتور فؤاد زكريا، والدكتور فرج فودة، والدكتور نصر حامد أبو زيد، زيف الشعارات الدينية الإخوانية. ودفع بعضهم حياته ثمنًا لذلك، كما حدث مع المفكر الكبير الدكتور فرج فودة الذي اغتاله متطرفون عام 1992 بتحريض مباشر من فكر سيد قطب والإخوان. هؤلاء المفكرون كشفوا أن الجماعة لا تؤمن بالديمقراطية إلا وسيلة للوصول إلى الحكم، ثم تنقلب عليها متى تمكنت.
الإخوان والإرهاب العالمي
لا يمكن فصل فكر الإخوان عن الحركات الإرهابية المعاصرة. فمن رحم الإخوان خرج أيمن الظواهري، ومن فكر سيد قطب نهل أسامة بن لادن، وعلى خطاهم سار البغدادي زعيم داعش. كلهم وجدوا في تراث البنا وقطب المبرر الديني للعنف. لذلك فإن الحديث عن الإرهاب العالمي لا يكتمل دون الإشارة إلى الإخوان كأصل لكل هذا التطرف. كما أن أحداث 11 سبتمبر نفسها لم تكن بعيدة عن أثر الفكر القطبي الذي غذّى القاعدة وأذرعها.
خطر الجماعة مستمر
على الرغم من الضربات الأمنية والسياسية التي تلقتها الجماعة في مصر ودول عربية أخرى، فإن خطرها لم ينتهِ. فهي ما تزال تمتلك شبكات إعلامية ومالية ضخمة، وتستغل الديمقراطيات الغربية للاحتماء بها ونشر دعايتها. يكمن الخطر الأكبر في قدرتها على تجنيد الشباب عبر الخطاب الديني العاطفي والشعارات البرّاقة التي تخفي مشروعًا دمويًا. كما أن دعم بعض الدول لها يزيد من خطورتها ويجعلها قادرة على العودة إلى المشهد كلما ضعفت الدولة الوطنية.
لقد أثبت التاريخ بما لا يدع مجالًا للشك أن جماعة الإخوان لم تكن يومًا جماعة دعوية أو إصلاحية كما تدّعي في شعاراتها، وإنما هي أصل الإرهاب الحديث ومنبع الفكر الدموي الذي انتشر في العالم من القاهرة إلى نيويورك، ومن بغداد إلى باريس، مرورًا بكابول ودمشق وطرابلس. فمنذ نشأتها في الإسماعيلية عام 1928 على يد حسن البنا، كان هدفها الخفي هو الوصول إلى السلطة تحت ستار الدين، وقد وضع البنا منذ اللحظة الأولى بذور العنف حين أسس "التنظيم الخاص" الذي نفذ عمليات اغتيال وتفجير في قلب القاهرة في أربعينيات القرن الماضي. وما إن ترسخت أفكار سيد قطب في ستينيات القرن العشرين حتى تحولت الجماعة إلى المرجع الأول للحركات الإرهابية في العالم، حيث خرجت من عباءتها جماعات مثل "القاعدة" و"داعش" و"الجماعة الإسلامية" و"بوكو حرام"، وكلها استلهمت الفكر التكفيري الذي زرعته أدبيات الإخوان.
لقد فضح كبار المفكرين والمثقفين زيف هذه الجماعة منذ وقت مبكر. فالدكتور طه حسين حذّر من خطورتها على العقل المصري حين أرادت أن تحتكر الدين وتستخدمه مطية للوصول إلى الحكم. والمفكر الكبير عباس محمود العقاد كتب مقالات نارية فضحت مشروعهم السياسي وأدانت استغلالهم للمقدس في الصراع على السلطة. ثم جاء الدكتور فرج فودة في ثمانينيات القرن الماضي، فوقف بشجاعة ضد فكرهم التكفيري حتى اغتالته رصاصاتهم الغادرة عام 1992 ليؤكدوا بأفعالهم أن القتل عندهم ليس طارئًا بل جزء من عقيدتهم. وكذلك الدكتور نصر حامد أبو زيد الذي حاربوه وطاردوه وحاولوا نفيه من وطنه لأنه دعا إلى تجديد الخطاب الديني، فواجه ظلاميتهم بفكره النير، وأثبت أنهم أعداء كل مفكر حر وكل عقل متنور.
اليوم، وفي عالم يموج بالعنف والتطرف، يجب أن ندرك أن مواجهة هذا الفكر ليست أمنية فقط بل ضرورة وجودية. فالمعركة ضد الإخوان وأشباههم ليست معركة سلاح وحده، بل معركة وعي وفكر. لقد أثبتت التجارب أن الرصاص وحده لا يكفي، وأن الفكر المستنير هو السلاح الأقوى في مواجهة الظلام. فكلما وجد فراغ فكري وروحي، تسللت الجماعة إلى العقول، وأحكمت قبضتها على البسطاء عبر شعارات برّاقة زائفة مثل "الإسلام هو الحل"، بينما في الواقع لا تحمل سوى مشروع دموي يسعى إلى هدم الدولة الوطنية واستبدالها بمشروع وهمي للخلافة.
إن مسؤولية مواجهة هذا الفكر تقع على الجميع: على المثقف الذي يكتب ويكشف الحقيقة، على الإعلامي الذي يفضح الأكاذيب، على السياسي الذي يتصدى للمؤامرات، وعلى المجتمع الدولي الذي لم يعد في مأمن من إرهاب وُلد على يد البنا وقطب، وامتدت جذوره في كل القارات. فالإخوان لم يعودوا شأنًا مصريًا داخليًا، بل صاروا خطرًا عابرًا للحدود، يهدد الأمن العالمي ويغذي صراعات دموية لا نهاية لها.
التاريخ شاهد، والجرائم حاضرة، والفكر المستنير باقٍ، ولن تنتصر الأوطان إلا بالوعي والمعرفة وكشف هذا الزيف أمام العالم كله. إن الإخوان هم جماعة الدم والقتل، وسوف يظلون كذلك ما لم تُكسر أقنعتهم المزيفة، ويُكشف للناس أنهم لم يحملوا يومًا مشروعًا دينيًا حقيقيًا، بل إرهابًا مغلفًا بقداسة الدين. فالأوطان لا تُحمى إلا بالعلم والوعي والتمسك بالهوية الوطنية في مواجهة هذا السرطان الفكري الذي يلبس ثوب الدين ليخفي مشروع الخراب.