السبت 18 اكتوبر 2025

آمال زايد.. أيقونة الثلاثية بالسينما المصرية

آمال زايد

18-10-2025 | 14:12

ولاء الكومي
فى ذاكرة السينما المصرية تبقى الفنانة آمال زايد علامة مضيئة لا تمحى، فهى الوجه الحنون الذى جسد الأم المصرية بكل ما تحمله من تضحية واحتواء، والزوجة التى جعلت من «سى السيد» رمزاً خالداً فى تاريخ الفن العربى، فهي رائدة من رائدات السينما والمسرح، وأيقونة فنية جمعت بين الرقة والصلابة، قدمت أدواراً صنعت من خلالها مدرسة تمثيلية خاصة، رسخت بها صورة المرأة الصابرة فى مواجهة قسوة الحياة. من خشبة المسرح إلى شاشة السينما، ومن ميكروفون الإذاعة إلى بيوت المصريين، سكنت آمال زايد وجدان الجمهور بأدائها الصادق، حتى أصبحت مثالاً للأم المكلومة والزوجة المخلصة، ورمزاً لجيل من الفنانات اللواتى أسهمن فى نهضة الفن المصرى. ولدت الفنانة آمال زايد فى 27 من سبتمبر عام 1910، وسط عائلة فنية عريقة كان لها أثر كبير فى تكوين شخصيتها وحبها للفن، فشقيقتها هى الفنانة جمالات زايد، وشقيقاها هما المؤلف محسن زايد والمنتج مطيع زايد، ما جعل بيت العائلة زاخراً بالإبداع والفكر الفنى، وقد ورثت ابنتها الفنانة الراحلة معالى زايد هذا الشغف، واتخذت لقب «زايد» فيما بعد تقديراً لشهرة عائلة والدتها فى الوسط الفنى. زيجاتها.. ومفارقة اسم «معالى الصاغ» فى عام 1943، تزوجت آمال زايد من أحد الضباط، ويدعى عبد الله المنياوى، وأنجبت منه أبناءها محمد ومهجة وماجدة، إلى جانب ابنتها معالى زايد التى ارتبطت ولادتها بموقف طريف وغريب فى آن واحد. فبعد أن أرسل والدها أحد العساكر لتسجيلها فى السجلات المدنية، سئل الجندى عن اسم المولودة فأجاب: «معالى الصاغ عبد الله المنياوي»، فدوَّن الموظف الاسم كما هو دون تفكير، لتسجل الطفلة رسمياً باسم «معالى الصاغ» بدلاً من «معالى عبد الله المنياوى»! وبعد وفاة زوجها الأول، تزوجت آمال زايد من الفنان عبد الخالق صالح، الذى لم تلتقِ به فنياً إلا فى مرات قليلة، ورغم ذلك جمعهما ارتباط إنسانى قوى، واستمر زواجهما حتى وفاتها. البدايات الفنية والانطلاقة الأولى بدأت الفنانة آمال زايد مشوارها الفنى فى عقدها العشرين، حين التحقت بـ«الفرقة القومية» براتب بسيط لم يتجاوز 3 جنيهات، مدفوعة بشغفها الكبير بالفن والتمثيل، درست بعد ذلك فى المعهد العالى للفنون المسرحية لتصقل موهبتها أكاديمياً، وتضع لنفسها قدماً ثابتة على طريق النجومية. كانت بدايتها السينمائية عام 1937 من خلال واحد من أبرز أفلام النجم الكبير نجيب الريحانى، وهو فيلم «سلامة فى خير»، حيث ظهرت فى دور ثانوى لفت الأنظار رغم بساطته، إذ جسدت شخصية فتاة تسأل الريحانى عن الساعة، وفى العام التالى 1938، شاركت فى فيلم «يحيا الحب» أمام محمد عبد الوهاب وليلى مراد بدور مغنية فى حقل برتقال، ثم قدمت فى العام ذاته دوراً كوميدياً فى فيلم «زليخة تحب عاشور». وجاءت انطلاقتها الحقيقية فى العام نفسه بفيلم «بياعة التفاح»، حيث جسدت شخصية فتاة تدعى ميمى أمام نخبة من نجوم السينما آنذاك، منهم عزيزة أمير ومحمود ذو الفقار وأنور وجدى وفردوس محمد وحسن فايق، لتثبت قدرتها على أداء أدوار متنوعة تجمع بين الرقة والواقعية. وفى عام 1940، شاركت فى الفيلم التاريخى الغنائى «دنانير» مع كوكب الشرق أم كلثوم، مجسدة شخصية إحدى الجوارى، ثم عادت للعمل مع أم كلثوم فى فيلم «عايدة» عام 1942، إلى جانب سليمان نجيب وعباس فارس وإبراهيم حمودة، حيث أدت دور تلميذة بالمعهد، وفى العام نفسه، ظهرت فى فيلم «المتهمة» أمام آسيا داغر وزكى رستم وزينات صدقى ويحيى شاهين بشخصية «لواحظ»، لتؤكد حضورها المتنوع فى السينما المصرية. فى عام 1944، جسدت آمال زايد شخصية «سوسو» فى الفيلم الشهير «طاقية الإخفاء»، إلى جانب محمد الكحلاوى وتحية كاريوكا وبشارة واكيم ومحمود إسماعيل، لتواصل تألقها وتنوعها الفنى فى واحدة من مراحل ازدهار السينما المصرية الكلاسيكية. اعتزال الفن.. ثم العودة بعد زواجها عام 1943 من الضابط عبد الله المنياوى، ، قررت الفنانة آمال زايد الابتعاد عن الأضواء واعتزال الفن عام 1944، لتتفرغ تماماً لحياتها الأسرية، وبعد نحو 15 عاماً من الغياب، أنجبت عام 1953 ابنتها معالى زايد التى ورثت عنها الموهبة لتصبح لاحقاً واحدة من أبرز نجمات السينما المصرية. وفى عام 1959، عادت آمال زايد إلى الشاشة بعد فترة انقطاع طويلة بفيلم «من أجل حبى»، الذى جمعها بكوكبة من كبار النجوم، منهم فريد الأطرش، ماجدة، ليلى فوزى، محمود المليجى، ومحمد رضا، ليكون هذا العمل بمثابة بوابة عودتها المشرفة إلى الوسط الفنى. وفى العام التالى 1960، شاركت فى الفيلم الكوميدى «حب فى حب»، إلى جانب شقيقتها الفنانة جمالات زايد، حيث جسدتا شخصيتى الشقيقتين «أزهار» و«أنوار» اللتين تحاولان الزواج من الصحفى مجدى عنوةً، وهو الدور الذى لعبه فاروق عجرمة، شارك فى البطولة عدد من عمالقة الكوميديا، أبرزهم هند رستم، أحمد مظهر، فؤاد المهندس، زينات صدقى، ورياض القصبجى. وفى عام 1961، تألقت مجدداً فى فيلم «يوم من عمرى» أمام العندليب عبد الحليم حافظ، حيث جسدت شخصية أم عائشة (والدة سهير البابلي) جارة بطل الفيلم «صلاح»، فى عملٍ ضم نخبة من النجوم، منهم زبيدة ثروت، محمود المليجى، عبد السلام النابلسى، وزوزو ماضى. وفى 1963، شاركت فى الفيلم الشهير «بياعة الجرايد» بدور فهيمة أم نعيمة، إلى جانب النجمة ماجدة فى دور «نعيمة» بياعة الجرايد، شارك فى البطولة كل من ليلى فوزى، نعيمة عاكف، يوسف شعبان، يوسف فخر الدين، ونوال أبو الفتوح. «أمينة».. دور خلد اسم آمال زايد بالسينما ثم جاء عام 1964 ليحمل لآمال زايد أهم أدوار حياتها، حين رشحها المخرج الكبير حسن الإمام لتجسيد شخصية «أمينة» فى الفيلم الملحمى «بين القصرين»، المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ، وقدمت فيه ببراعة دور الأم الطيبة المطيعة، رمز الحنان والاستسلام، لتخلد من خلاله اسمها فى ذاكرة السينما المصرية كواحدة من أبرز من جسدن صورة «الأم المصرية» الأصيلة على الشاشة. رغم تعدد أدوارها المميزة، يبقى دور «أمينة» زوجة السيد أحمد عبد الجواد (سى السيد) فى فيلم «بين القصرين» هو الأبرز فى مسيرة الفنانة آمال زايد، والدور الذى رسخ صورتها كرمز للزوجة المصرية الطيبة والمطيعة، التى تحافظ على بيتها وأسرتها رغم قسوة زوجها وتحكمه. الفيلم المأخوذ عن الجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة، يعد من علامات السينما المصرية، وأُدرج ضمن قائمة أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما، وقد شارك فى بطولته عدد كبير من نجوم العصر الذهبى، منهم يحيى شاهين فى دور «سى السيد»، زيزى البدراوى، صلاح قابيل، عبد المنعم إبراهيم، هالة فاخر، ومها صبرى، وكتب السيناريو يوسف جوهر وأخرجه حسن الإمام. استعرض الفيلم حياة أسرة «عبد الجواد» فى ظل الاحتلال الإنجليزى وبدايات ثورة 1919، كاشفاً عن التناقض بين صورة الأب المستبد فى بيته والعابث خارجه، فى مقابل الأم «أمينة» التى جسدتها آمال زايد بإحساس عميق جعل الجمهور يتعاطف معها كرمز للمرأة المصرية المكافحة، فيما خُلد فى الذاكرة الشعبية جمل مثل «حاضر يا سى السيد» التى أصبحت مثلاً دارجاً حتى اليوم. «قصر الشوق».. واستمرار الملحمة العائلية فى عام 1966، واصلت الفنانة آمال زايد تألقها فى الجزء الثانى من ثلاثية نجيب محفوظ بفيلم «قصر الشوق»، مجسدة من جديد شخصية «الست أمينة» التى أحبها الجمهور فى «بين القصرين»، الفيلم استكمل قصة عائلة «السيد أحمد عبد الجواد» بعد وفاة الابن «فهمى»، لتبدأ مرحلة جديدة من التحولات داخل الأسرة. شارك فى بطولة الفيلم يحيى شاهين، عبد المنعم إبراهيم، نور الشريف فى دور «كمال» الذى كبر، نادية لطفى بدور «زنوبة»، إلى جانب ماجدة الخطيب، سمير صبرى، زيزى مصطفى، وميمى شكيب، فيما كتب السيناريو محمد مصطفى سامى وأخرجه حسن الإمام. «خان الخليلى».. دراما إنسانية عن التضحية فى عام 1966، قدمت السينما المصرية واحدة من روائع الأديب نجيب محفوظ بفيلم «خان الخليلى»، الذى أخرجه عاطف سالم وكتبه محمد مصطفى سامى. الفيلم شارك فى بطولته سميرة أحمد، عبدالوارث عسر، محمد رضا، تحية كاريوكا، توفيق الدقن، وجورج سيدهم. تدور القصة حول الشاب أحمد الذى يترك دراسته ليعول أسرته، بينما يكمل شقيقه الأصغر رشدى تعليمه. وبين الحرمان والتضحية، يعيش أحمد صراعاً نفسياً مريراً، بينما ينغمس رشدى فى حياة اللهو حتى يصاب بالسل ويموت، تاركاً الجميع فى مأساة إنسانية موجعة. نهاية الستينات بـ«شىء من الخوف» فى عام 1969، شاركت آمال زايد فى فيلم «شىء من العذاب» أمام سعاد حسنى وحسن يوسف ويحيى شاهين وعبد المنعم مدبولى، من تأليف وإعداد نجيب محفوظ وسيناريو وأغانى أحمد رجب وإخراج صلاح أبوسيف، وقدم الفيلم رؤية درامية قوية عن الصراعات الاجتماعية والعاطفية. فى نفس العام، برزت آمال زايد أكثر من خلال فيلم «شىء من الخوف»، المصنف ضمن أفضل 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، حيث جسدت شخصية أم فؤادة، التى قامت بدورها شادية. تدور أحداث الفيلم حول الطفل عتريس الذى ينشأ فى بيئة قاسية ويصبح نسخة من جده المستبد، فيما ترفض فؤادة تسلطه وتحاول مواجهته، لتبرز صراعاً بين القسوة والعدالة والحب، من أشهر العبارات التى ظهرت فى الفيلم: «زواج عتريس من فؤادة باطل». أدوار الأم والمرأة الحكيمة فى أوائل السبعينات، استمرت آمال زايد فى تقديم أدوار الأم والمرأة الحكيمة فى عدد من الأفلام البارزة: عين الحياة (1970)، وجسدت آمال زايد دور والدة منى، وشاركها البطولة سميرة أحمد وصلاح ذو الفقار ومحمد الدفراوى وعبد الخالق صالح. الفيلم من تأليف وحوار محمد عبد الرحمن وإخراج إبراهيم الشقنقيرى. حياتى (1970)، وقامت بدور نبوية أم أحمد، وكرر معها محمد توفيق دور الزوج، وشارك البطولة حسن يوسف ونجلاء فتحى ونجوى فؤاد وعماد حمدى. دعوة للحياة (1972)، شاركت آمال زايد فيه أمام صلاح ذو الفقار وميرفت أمين وعبد المنعم إبراهيم وعقيلة راتب ومحمود المليجى وتوفيق الدقن، الفيلم من سيناريو وإخراج مدحت بكير. الحب الذى كان (1973)، وكان آخر أفلامها، وجسدت فيه دور والدة سامى، مع محمود ياسين وسعاد حسنى ومحمود المليجى وزهرة العلا ومحمد توفيق وإيهاب نافع، الفيلم من تأليف وحوار رأفت الميهى وإخراج على بدرخان. الكوميديا وخشبة المسرح خاضت آمال زايد بعض التجارب الكوميدية فى السينما من أبرزها: «حب فى حب» (1960) مع فاروق عجرمة، و«آخر جنان» (1965) مع أحمد رمزى، و«عفريت مراتي» (1968) مع صلاح ذو الفقار، لكنها لم تحظَ بنفس شهرة شقيقتها الكوميدية جمالات زايد، وظلت معروفة بأدوارها الجادة والتراجيدية. على خشبة المسرح، شاركت فى أكثر من 32 مسرحية، بجانب الحلقات التليفزيونية والإذاعية، ومن أبرزها: «بين القصرين» (1960) قدمت المسرحية قبل تحويلها لفيلم، بمشاركة فاطمة رشدى وميمى جمال وأبو بكر عزت ومحمد أباظة، عن قصة الأديب نجيب محفوظ وإخراج صلاح منصور. «طبيخ الملايكة» (1964) جسدت دور عائشة فى مسرحية كوميدية مع ثلاثى أضواء المسرح، سمير غانم، جورج سيدهم، والضيف أحمد، بالإضافة إلى عبد الخالق صالح وأسامة عباس وزكريا موافى. «خان الخليلي» (1964) قدمت دور الأم، وشاركها البطولة محمد عثمان وعماد حمدى وصلاح قابيل ومحمد أباظة وعواطف تكلا وحسن حسين. الإذاعة والتليفزيون قدمت آمال زايد باقة متميزة من الأعمال الإذاعية التى أثرت هذا المجال، منها «نص دستة عيال»، «مخيمر الثالث عشر»، «كانت ملاكا»، «عابد المداح»، «سيد درويش»، «رمضان عريس»، «رجل ذو أهمية»، «حلاوة الروح»، «جزيرة الحب»، «الوهم»، «المماليك»، «الزيارة»، «أشجع رجل فى العالم»، «أرض الجزيرة»، «عائلة مرزوق أفندي»، «جفت الدموع»، والفيلم الإذاعى «النجمة». على صعيد التليفزيون، شاركت فى مسلسلات مثل «تركة جدو»، «العسل المر»، «الفنان والهندسة»، إضافةً إلى «ناعسة»، «سيداتى آنساتي»، «لمن نحيا»، «صفارة سرحان»، «رزق العيال»، و«الحائرة»، كما قدمت بعض السهرات التليفزيونية المميزة مثل «آمال وآلام»، «تنوعت الأسباب» و«منى». أمال زايد دوبليرة تعد الفنانة آمال زايد من الرائدات فى إدخال مفهوم الدوبلير إلى السينما المصرية، بعدما استوحت الفكرة من هوليوود لتخفيف الضغط عن النجوم أثناء التصوير، وكان المخرج نيازى مصطفى أول من استعان بها كبديلة للفنانة أمينة رزق فى بعض المشاهد، لتحدث بذلك تحولاً لافتاً فى أساليب الإنتاج السينمائى بمصر. أصعب أدوارها أشارت ابنتها مهجة زايد إلى أن أصعب الأدوار على والدتها كان دور الأم التى تفقد ابنها، كما حدث فى فيلم «بين القصرين» عام 1964 حين توفى ابنها «فهمي» (الذى جسد شخصيته صلاح قابيل)، وفى فيلم «خان الخليلي» عام 1966 حين توفى «رشدي» (الذى جسد شخصيته حسن يوسف) بمرض السل، فخلال تصوير المشاهد المؤثرة، كانت آمال زايد تحاول تأجيل مشاهد حزن الأم، مما تسبب فى خلافات مع المخرجين. وفى فيلم «خان الخليلى» تأثرت بشدة بعد تصوير مشهد وفاة ابنها، حيث أصيبت بحالة هيستيريا ونقلت إلى منزلها مريضة. شاء القدر أن تتحول التمثيلية إلى واقع مأساوى، حين فقدت ابنتها ماجدة زايد عام 1972، وهى طالبة بكلية الطب إثر سقوطها من شرفة المنزل، ما سبب لأمال حزناً شديداً ودخولها فى اكتئاب حاد. وأوضحت الفنانة الراحلة معالى زايد أن والدتها لم تتجاوز شعورها بالحزن الشديد حتى اشتد مرض السرطان عليها، لترحل عن عالمنا بعد أقل من شهرين فى 23 سبتمبر 1972 عن عمر يناهز 62 عاماً. رحلت آمال زايد بعد مسيرة حافلة بالعطاء الفنى، تعاونت خلالها مع كبار مخرجى وممثلى الفن المصرى، تاركة إرثاً خالداً فى ذاكرة الجمهور، وقد ورثت ابنتها معالى زايد موهبة والدتها الفطرية، لتصبح خليفة لها على خشبة الفن والسينما.