تبدو إسرائيل، بقيادة رئيس وزرائها المدان لدى المحكمة الجنائية الدولية بنيامين نتنياهو، وكأنها تسعى تدريجيًا للتنصّل من التزاماتها تجاه اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع حركة "حماس"، والذي لم يمضِ على دخوله حيّز التنفيذ سوى أسبوعين ويومين، بعد أن وضع حدًّا لحرب إبادة استمرت لعامين ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
خروقات إسرائيل
وفي خرق فاضح لبنود الاتفاق المبرم، أعلن نتنياهو، في بيان صادر عن مكتبه، أنه لن يتم فتح معبر رفح حتى إشعار آخر.
وأضاف: "إعادة فتح المعبر ستُدرس فقط وفقًا للطريقة التي ستنفذ بها حركة حماس التزاماتها فيما يتعلق بإعادة جثامين المحتجزين وتنفيذ بنود الاتفاق المتفق عليه".
وجاء قرار نتنياهو ذلك بموازاة تصريحات له في مقابلة مع القناة الـ14 العبرية، أكد فيها أن الحرب لم تنتهِ بعد، وستستمر حتى تطبيق الاتفاق كاملًا ونزع سلاح حماس، وتحويل قطاع غزة إلى منطقة منزوعة السلاح.
تصريح رئيس وزراء الاحتلال يأتي عكس ما نصّ عليه المقترح الأمريكي بإنهاء الحرب، وما جرى التوافق عليه مع الوسطاء.
وفي المقابل، أكدت حركة "حماس" أن قرار نتنياهو بمنع فتح معبر رفح حتى إشعار آخر يُعدّ خرقًا فاضحًا لبنود اتفاق وقف إطلاق النار، وتنكرًا للالتزامات التي تعهّد بها أمام الوسطاء والجهات الضامنة.
ولا تتوقف انتهاكات الاحتلال لاتفاق وقف إطلاق النار عند غلق معبر رفح فحسب، بل شملت استمرار استهداف المدنيين العُزّل في القطاع عبر قصف واستهداف متعمّد وإطلاق نار مباشر عليهم.
وبحسب مكتب الإعلام الحكومي في غزة، فإن الاحتلال ارتكب منذ الإعلان عن انتهاء الحرب على قطاع غزة سلسلة من الخروقات الخطيرة والمتكررة، بلغت حتى السبت 47 خرقًا موثّقًا.
ووفقًا للمكتب، فإن هذه الخروقات تسببت في استشهاد 38 فلسطينيًا، فضلًا عن إصابة 143 آخرين، إلى جانب اعتقال عدد من المدنيين.
وارتكب جيش الاحتلال تلك الخروقات مستخدمًا آلياته العسكرية والدبابات المتمركزة على أطراف الأحياء السكنية، والرافعات الإلكترونية المزودة بأجهزة استشعار واستهداف عن بُعد، إضافة إلى الطائرات المسيرة من نوع "كواد كابتر"، التي تنفّذ عمليات إطلاق نار واستهداف مباشر للمدنيين، طبقًا لذات المصدر.
وفي هذا الإطار، طالبت "حماس" الوسطاء والجهات الضامنة للاتفاق بالتحرك العاجل للضغط على الاحتلال لفتح معبر رفح فورًا، وإلزامه بكافة بنود الاتفاق، ووقف جرائمه المستمرة في غزة.
عمى أمريكي
وتجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية بدورها هذه الخروقات الإسرائيلية البَيّنة، فيما اتهمت "حماس" بالسعي نحو خرق الاتفاق.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، إنه تم إبلاغ الوسطاء في اتفاق غزة بمؤشرات تؤكد نية "حماس" خرق وقف إطلاق النار وشن هجوم ضد سكان غزة، حسب زعمها.
وفي حال أقدمت "حماس" على تنفيذ هذه الخطوة، سيتم اتخاذ إجراءات لحماية سكان غزة والحفاظ على وقف إطلاق النار، كما جاء في البيان.
من جانبها، نفت "حماس" هذه الادعاءات جملةً وتفصيلًا، مؤكدة أنها باطلة وتتّسق بشكل كامل مع الدعاية الإسرائيلية المضلِّلة، وتوفّر غطاءً لاستمرار الاحتلال في جرائمه وعدوانه المنظّم ضد الفلسطينيين.
وأشارت إلى أن الحقائق على الأرض تكشف عكس ذلك تمامًا، حيث إن سلطات الاحتلال هي التي شكّلت وسلّحت وموّلت عصابات إجرامية نفّذت عمليات قتل وخطف وسرقة شاحنات المساعدات وسطو ضد المدنيين الفلسطينيين.
وحقيقة الأمر أن الأجهزة الشرطية في غزة، وبمساندة أهلية وشعبية واسعة، تقوم بواجبها في ملاحقة هذه العصابات ومحاسبتها وفق آليات قانونية واضحة، حمايةً للمواطنين وصونًا للممتلكات العامة والخاصة، وفق "حماس".
وفي التاسع من أكتوبر 2025، أُعلن عن التوصل إلى اتفاقٍ جديدٍ لوقف إطلاق النار في قطاع غزة بدأ سريانه في اليوم التالي، وذلك خلال مفاوضاتٍ غير مباشرة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية تقودها حركة "حماس"، استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية، في إطار الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويُعدّ هذا الاتفاق الثالث من نوعه منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع، إذ تمّ التوصل إلى الاتفاق الأول في نهاية نوفمبر 2023 واستمر سبعة أيام، تلاه اتفاق ثانٍ في يناير 2025 دام نحو 58 يومًا، قبل أن ينهار كلاهما بسبب التعنّت الإسرائيلي.
وأوقف هذا الاتفاق حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت لعامين ضد المدنيين العُزّل في قطاع غزة، حيث أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 238 ألف شخص، فضلًا عن دمار هائل لحق بالمنازل السكنية والبنى التحتية، ومجاعة أودت بحياة مئات الأشخاص.