يحتفل العالم اليوم 20 أكتوبر، باليوم العالمي للطهاة، ولأن هناك تداخل واضح بين الطهو والثقافة، حيث لم يعد الطعام مجرد حاجة بيولوجية، وأصبح لغة قوية، ووسيلة يُعبر من خلالها الأفراد والمجتمعات عن تاريخهم، وهويتهم، وقيمهم، نتطرق إلى هذا التداخل لنتعرف كيف يتحول الطعام إلى لغة وهوية، فالطهو، كما يراه علماء الأنثروبولوجيا، ليس فقط فنّاً أو عادة، بل مرآة تعكس ثقافة المجتمعات، ووسيلة تواصل تتجاوز الكلمات.
وتحمل الأطباق التقليدية في طياتها حكاية حضارة، وصوت أمة، وتاريخ شعوب، تتناقلها الأجيال كما الإرث العائلي، لتطهى في مناسبات، وطقوس بعينها.
الطعام لغة عالمية
تفتح مشاركة الموائد العائلية وغير العائلية، حوارًا صامتًا تجسد من خلاله الضيافة، وتستحضر الذكريات، والانفتاح على الآخر، فحين تعجز اللغة يتحدث الطعام، وفي بلاد الغربة يستعين المغتربين بإعداد طعام الأوطان، في إشارة للحفاظ على الجذور ومشاركة الثقافة في مجتمعات جديدة.
الدبلوماسية الطهوية والقوة الناعمة للطعام
ظهر في العشر سنوات الأخيرة، مفهوم يشير إلى أن الأطباق والمأكولات يمكن أن تكون أدوات دبلوماسية ناعمة، حيث تُروّج الدول لثقافتها العالمية من خلال الطعام، وتناولت إحدى الدراسات كيف أنّ الطعام يُستخدم كجسر بين الشعوب والأمم، وتضمّن البحث أن إدرَاج مطبخ البلد ضمن قائمة التراث اللامادي لمنظّمة اليونسكو يعزز الهوية الوطنية ويبني صورة ثقافية في الخارج، واعتبر ذلك مهمًا لأنه مع العولمة والتداخل الثقافي، تتغيّر عادات الطعام بسرعة، وتظهر تحدّيات تتعلق بالحفاظ على التقاليد الغذائية محلياً، أو الاندماج الغذائي في ثقافات أخرى، فكلما ازداد التواصل بين الشعوب، أصبح الطعام وسيلة ملموسة للتفاهم، حيث التذوق يعبرعن قبول أو فضول أو استكشاف ثقافة الآخر.
وتنظر الكثير من الدول إلى مطبخها الوطني الذي تشتهر به كوسيلة من وسائل "القوة الناعمة"، حيث تروج لثقافتها من خلال الطعام حتى أصبحت أداة حقيقية في العلاقات الدولية، وعلى سبيل المثال استخدمت دول كـ اليابان وتايلاند والمكسيك فنون الطهو لإعادة تشكيل صورتها عالميًا وجذب الاهتمام الثقافي، فيما أدرجت منظمة اليونسكو بعض التقاليد الغذائية ضمن التراث الثقافي غير المادي للإنسانية، كالنظام الغذائي المتوسطي، والمطبخ المكسيكي التقليدي، وذلك تأكيدًا على أن الطعام تعبيرًا ثقافيًا، وتاريخيًا ورمزيًا.
أطباق بنكهة الهوية
تناولت العديد من الكتابات كيف أن تذوق أطباق ما، والتعرف على مكوناتها وطريقة تقديمها تعكس الجغرافية والتاريخ والطقوس الاجتماعية لشعوب هذه الأطباق، وفي ثقافات عديدة، ما نأكله وكيفية تناوله يعبر عن بيئتنا، ودورنا الاجتماعي، أو طبقتنا الاجتماعية، ليُصبح الطعام مؤشرًا للهوية، يقصي أو يدمج، يُفرّق أو يوحد، لكنه دائمًا ما يجمع الناس، عبر الزمن، والقارات، والاختلافات.
الطهو رسالة ثقافية
في كل لحظة نجلس فيها إلى المائدة، نستدعي هويّة، وتقاليد، وسياقاً تاريخياً، فمن المسلّم به في الأدب الأنثروبولوجي أنّ الغذاء ليس وقودًا للجسد، بل مادة ثقافية تقوم بوظائف اجتماعية عديدة، حيث يشير "علم الإنسان الغذائي" إلى أن الطهو وسيلة لفهم التنظيم الاجتماعي والقرابة والعلاقات داخل المجتمع، وعلى سبيل المثال، فإن طبق يُعد في مناسبة زفاف أو احتفال ديني ليس مجرّد طعام؛ بل يحمل في طيّاته رموزاً تتعلق بالانتماء، والاحتفال، والذاكرة، وهو ما يؤكد أن الطعام ليس فقط ما نأكله، لكن يدعم رؤيتنا للآخر، ورؤية الآخر لنا.
مؤلفات تاريخية في فنون الطهي
ويأتي ضمن الكتب التاريخية في فنون الطهي كتاب لفن الطبخ في القرنين الرابع والخامس، ويُعرف هذا الكتاب أيضًا باسم "أبيوس"، نسبةً إلى عالم الذواقة ماركوس جافيوس أبيسيوس من القرن الأول. يحتوي الكتاب على العديد من الوصفات وكان يُعرف في إصداراته الأولى باسم "كوكيناريا"، وهي كلمة يونانية تعني "فن الطبخ" باللغة الإنجليزية.
ألف الكتاب الروماني في أواخر القرن الرابع، وقسم إلى 10 أقسام تحمل عناوين مثل "مدبرة المنزل الحريصة" و"العديد من المكونات". تقدم هذه الوصفات نظرة على الأطعمة التي كانت تُستهلك آنذاك، بما في ذلك أطباق فاخرة مثل طائر الفلامنجو الذي كان يتناوله الأغنياء.
"الطبيخ" القرن العاشر
وألف "كتاب الطبيخ" ابن سيار الوراق في أوائل القرن العاشر، واحدًا من أقدم كتب الطبخ المعروفة. يحتوي الكتاب على أكثر من 600 وصفة موزعة على 132 فصلًا، مما يوفر نظرة عميقة على ثقافة الطهي الإسلامية في العصور الوسطى. يعود تاريخ الكتاب إلى حوالي عام 950 ميلادي ويعتبر مصدرًا هامًا لفهم حياة الناس في ذلك العصر.
"الطبيخ" القرن الثالث عشر
وألف "كتاب الطبيخ" الآخر في القرن الثالث عشر بواسطة محمد بن الحسن بن محمد بن الكريم البغدادي، كتب المخطوطة في عام 1226، وتوجد النسخة الأصلية الوحيدة في مكتبة السليمانية بإسطنبول، تركيا. يحتوي الكتاب على 160 وصفة، مع إضافة 100 وصفة أخرى على مر السنين، وكان شائعًا جدًا في تركيا.
"لو فياندير حوالي" 1300 م
يُعتبر "لو فياندير" واحدًا من أشهر كتب الطبخ في العصور الوسطى. توجد المخطوطة الأصلية في سيون بسويسرا، ونسخ من القرن الرابع عشر والخامس عشر في المكتبة الوطنية في باريس ومدينة الفاتيكان، وتحتوي النسخة الأقدم على حوالي 130 وصفة.
"سنت سوفي" 1324
ويُعد "كتاب سنت سوفي" أقدم مخطوطة طهي كتالونية باقية، كُتبت في عام 1324. مؤلف الكتاب مجهول، وتمت إضافة وصفات على مر السنين لتكتمل بأكثر من 220 وصفة. نُشرت النسخة الإنجليزية الأولى في عام.
"الطعام الجيد" 1350
يعد كتاب الطعام الجيد، أقدم كتاب طبخ ألماني، ويحتوي على 101 وصفة موزعة على قسمين. يُقدم نظرة على الثقافة الطهوية للطبقة العليا في ذلك الوقت، ويُعد مخصصًا للطهاة ذوي الخبرة.
"رئيس الطهاة لدى ريتشارد الثاني ملك إنجلترا"
نُشر هذا الكتاب في حوالي عام 1390، وهو كتاب طبخ إنجليزي قديم كتبه طهاة الملك ريتشارد الثاني. يحتوي على 205 وصفات تشمل مكونات مثل زيت الزيتون والقرنفل، وتوابل نادرة مثل جوزة الطيب والهيل والزنجبيل.
لو ميناجير دي باريس 1393
يُعد "لو ميناجير دي باريس" دليلًا إرشاديًا حول كيفية تصرف النساء في العصور الوسطى. كُتب في عام 1393 ويحتوي على وصفات في القسم الثاني. تقدم الوصفات المكونات وطرق التحضير دون تعليمات مفصلة.