شهد قصر ثقافة الجيزة، لقاء أدبيا احتفاء بالشاعر أحمد عنتر مصطفى، ضمن فعاليات برنامج "العودة إلى الجذور"، الذي تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، في إطار برامج وزارة الثقافة للاحتفاء برموز الإبداع الأدبي والفكري.
حضر اللقاء الدكتور مسعود شومان رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، كرم ربيع مدير عام فرع ثقافة الجيزة، وشارك فيه النقاد: د. يوسف نوفل، د. أحمد يوسف، د. حسام جايل، إلى جانب لفيف من الشعراء والأدباء والمثقفين.
أدار اللقاء د. ربيع شكري، رئيس نادي أدب الجيزة السابق، الذي رحب بالحضور وتناول السيرة الذاتية للشاعر مستعرضا محطات من مشواره الأدبي، مؤكدا أهمية تكريم الرموز الأدبية التي أسهمت في إثراء الحركة الثقافية المصرية والعربية.
وفي كلمته، أعرب د. مسعود شومان عن سعادته بتواجده وسط كوكبة من الأدباء والمبدعين، من خلال محطة جديدة من برنامج العودة إلى الجذور الذي يسعى إلى مد جسور التواصل بين المبدعين.
وعن تجربة الشاعر المحتفى به قال: نلتقي اليوم مع صوت شعري فريد، ظل طوال رحلته يفتش عن المعنى في تفاصيل الحياة، ويستخرج الشعر من نبض الحروف واستلهامات الثقافة العربية، فاستطاع أن يكون وجدانا ورؤية وفلسفة حياة.
وأضاف أن هذه الرؤى تجلت في عدد من دواوينه، منها: أغنيات دافئة على الجليد، حكاية المدائن المعلقة، أبجدية الموت والثورة، مأساة الوجه الثالث، مرايا الزمن المعتم، والذي لا يموت أبدا.
وتابع قائلا: إن الشاعر منذ بداياته كتب قصيدته كمن يفتح نافذة على الروح المصرية والعربية، فكانت لغته تجمع بين الشجن وعمق الرؤية الإنسانية.
واختتم حديثه موجها تحية إلى الشاعر الكبير الذي ظل وفيا للكلمة الصادقة، متجذرا في أرضه، منتميا إلى الناس، مشيرا إلى أن تكريمه اليوم هو تكريم لجيل من الشعراء الذين أعادوا للقصيدة العربية مكانتها كمصدر للدهشة والوعي.
من ناحيته، قدم الدكتور يوسف نوفل قراءة تحليلية لأسلوب الشاعر أحمد عنتر مصطفى، مؤكدا تفرد لغته وصوره الفنية، وذلك من خلال دراسة نقدية بعنوان "أحمد عنتر مصطفى الشاعر الناقد/الناقد الشاعر".
وقال: يعد مصطفى واحدا من الشعراء المبدعون، كما ورد في كتاب "الشعر والتأويل"، فهو شاعر منذ مطلع الستينيات، زامل وصادق أبناء جيله وأبناء جيلين سابقين مثل أحمد عبد المعطي حجازي ومحمد إبراهيم أبو سنة وغيرهما، وقد تصدر المشهد الشعري العربي، واحتل موقعه بين شعراء اليقين القومي المتشبث بالتراث العربي.
وأشار إلى أن مجلة الآداب البيروتية الشهيرة احتفت به بنشر أربعة عشر مقطعا من القصيدة المطولة "أبجدية الموت والثورة بالشرح والتحليل" في افتتاحية المجلة بالصفحة الأولى من عددها الصادر عام 1983.
كما أوضح أن شخصية الشاعر النقدية والبحثية تميزت باتفاقها مع الاتجاه النقدي الموضوعي السائد في الدراسات الأكاديمية، من خلال نظرته العلمية المنهجية المتأثرة بموقف العقاد النقدي الذي أعجب به منذ مراحل تكوينه الثقافي الأولى، وهو في الرابعة عشرة من عمره، فيما كتبه العقاد عن أحمد شوقي.
وتناول الدكتور أحمد يوسف ظاهرة التناص في شعر أحمد عنتر مصطفى مع روائع التراث العربي، وخاصة مع أحمد شوقي والمتنبي، مبرزا ملامح التأثر والاختلاف بين التجارب.
كما استعرض تفاصيل ديوان "هكذا تكلم المتنبي"، مشيرا إلى أنه اطلع عليه خلال مشاركته في لجنة تحكيم جائزة البابطين في إحدى دوراتها، حيث طلب منه تقييم هذا الإنتاج الشعري الغزير، وقدم عنه تقريرا مفصلا اعتمد فيه على ثلاثة معايير وهي: أنطولوجيا الشعر، ورؤية الوجود المتحقق في الديوان، وأخيرا شعرية الشاعر ليحقق رؤيته في هذه الأنطولوجيا الشعرية،
واختتم حديثه بتناول الديوان بالشرح والتحليل، وقراءة عدد من قصائده.
أما الدكتور حسام جايل، تناول في كلمته الجوانب النقدية التي أهلت الشاعر الكبير للحصول على جائزة الشعر العربي، مؤكدا أنه يمثل أحد الأصوات المميزة في المشهد الشعري المعاصر.
وأشار إلى براعة مصطفى في ديوانه "هكذا تكلم المتنبي"، باعتباره من أبرز تجلياته الشعرية، وانتقل للحديث عن أبرز المواقف التي جمعته بالشاعر منذ تسعينيات القرن الماضي، حين كان مقررا لجماعة الشعر بالكلية، مؤكدا أنه مبدع كبير، حكاء، وعاشق للتراث يتمتع بذاكرة قوية.
كما تحدث عن كتاب شوقي للشاعر أحمد عنتر مصطفى، موضحا أنه تميز بالإبداع النقدي ويعد من الموجة الثالثة لشعر التفعيلة.
وفي كلمته، توجه أحمد عنتر مصطفى بالشكر للحضور والقائمين على البرنامج للاحتفاء بتجربته الإبداعية ومنجزه الأدبي، متحدثا عن العوامل التي أثرت في شخصيته وكتاباته، وفي مقدمتها مدرسوه ووالدته رحمها الله، إلى جانب تأثره بالعقاد الذي يعتبره الجذر الأول في تكوين فكره.
كما استعاد ذكرياته مع الشاعر محمد أبو دومة حين اتفقا على الذهاب معا إلى مجمع اللغة العربية بشارع مراد ليدخلا خلسة إلى داخله لرؤية العقاد وهو ينزل من سيارته، مؤكدا أن شغفه به قديم منذ الصغر، وازداد عند وفاة العقاد، حيث ذهب إلى محطة القطار بالجيزة ليلقي النظرة الأخيرة على الجثمان قبل نقله إلى موطنه بأسوان.
واختتم اللقاء بتكريم الشاعر الكبير بمنحه درع الهيئة العامة لقصور الثقافة وشهادة تقدير، نظرا لمشواره الابداعي، واسهاماته في الحياة الثقافية.
ولد أحمد عنتر مصطفى بمحافظة الجيزة عام 1944، وعمل باحثا بإدارة النشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ومديرا لمتحف أم كلثوم.
أسهم خلال نصف قرن في إثراء الحياة الثقافية من خلال نشاطه في الثقافة الجماهيرية، وصدر له عدة دواوين تميزت بكلمات عكست قضايا الإنسان والوطن، كما أصدر دواوين للأطفال، منها: "الوردة تسأل"، "فراشات الأسئلة"، و"فوضى الزمن الجميل"، وحاز على عدة جوائز مرموقة، أبرزها جائزة اتحاد الكتاب في التميز الشعري، وجائزة البابطين الكويتية.
برنامج "العودة إلى الجذور"، أطلقته الإدارة المركزية للشئون الثقافية، لتكريم الشخصيات الثقافية والأدبية في محافظاتهم، عبر استعراض سيرتهم الذاتية وعطاءهم الأدبي، بهدف تعزيز قيمة الأدب والإبداع لدى الأجيال الجديدة.
نفذ البرنامج بالتعاون مع إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي، وفرع ثقافة الجيزة.