لا تزال إجراءات الاحتلال الإسرائيلي تعرقل تدفق المساعدات الإنسانية اللازمة لإنهاء واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ المعاصر، فيما تبرز مصر بدور محوري في تسيير القوافل الإغاثية وتنسيق جهود الدعم، في مسعى متواصل لتخفيف حدة المعاناة عن سكان قطاع غزة.
ومن جانبه، أفاد عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم "أونروا"، بأن عدد الشاحنات التي تدخل غزة ارتفع مؤخرًا إلى ما بين 200 و250 شاحنة يوميًا، مقارنة بـ60 إلى 70 شاحنة قبل وقف إطلاق النار.
ورغم هذا التحسّن، فإن هذه الكميات لا تزال غير كافية لتلبية الاحتياجات الهائلة لسكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، الذين يعانون من دمار شامل جراء الحرب التي استمرت لعامين.
وأشار المتحدث باسم الأونروا، في تصريحات لقناة "القاهرة الإخبارية"، إلى أن نقل المساعدات إلى شمال القطاع ومدينة غزة لا يزال محدودًا للغاية، مؤكدًا أن فتح معبري زيكيم وإيريز أمر ضروري لإيصال الإغاثة إلى نحو مليون فلسطيني يعيشون في تلك المناطق.
ووفقًا لأبو حسنة، فإن الأزمة الإنسانية تمتد إلى جميع أنحاء القطاع، وليست محصورة في جنوبه ووسطه، مؤكدًا أن تلبية احتياجات السكان تتطلب تدفقًا مستمرًا للمساعدات عبر فتح جميع المعابر، وليس الاكتفاء بمعبر كرم أبو سالم.
وبدورها، تواصل مصر دورها المحوري في إغاثة الفلسطينيين بقطاع غزة، حيث دخلت أمس الخميس القافلة رقم (57) من مبادرة "زاد العزة.. من مصر إلى غزة"، محمّلة بمئات الشاحنات من المساعدات الإنسانية العاجلة.
وكان الهلال الأحمر المصري قد أطلق مبادرة "زاد العزة" في 27 يوليو الماضي، لتسيير قوافل متتالية تحمل آلاف الأطنان من الإمدادات المتنوعة، تشمل المواد الغذائية، والدقيق، وألبان الأطفال، والمستلزمات الطبية والعلاجية، ومواد العناية الشخصية، إضافة إلى كميات من الوقود.
وقدّمت مصر أكثر من 70% من إجمالي المساعدات الإنسانية الموجهة إلى القطاع منذ اندلاع العدوان في أكتوبر 2023، من خلال سلاسل القوافل البرية عبر معبر رفح وكرم أبو سالم، إلى جانب عمليات الإنزال الجوي التي نفذتها القوات المسلحة المصرية في مناطق مختلفة داخل غزة.
الاحتلال يعيق المساعدات لغزة
وفي هذا الإطار، يؤكد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني، أن الاحتلال لم يلتزم حتى الآن بإدخال المساعدات الإنسانية المتفق عليها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي عملت مصر على تحصينه عبر مؤتمر دولي ضخم للسلام عقد في مدينة شرم الشيخ، بمشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الفاعلة، تتقدمها فرنسا وبريطانيا.
وأشار الرقب، في حديثه لـ"دار الهلال"، إلى أن الاحتلال لم يلتزم كذلك بوقف الاستهداف، حيث سُجل خلال الأسبوعين الماضيين على سريان الاتفاق نحو 100 خرق، ما يتطلب ممارسة الوسطاء، وبالأخص الولايات المتحدة، ضغوطًا على المحتل الإسرائيلي.
وشدد على ضرورة أن تكون هناك ضغوط حقيقية على الاحتلال للسماح بإدخال المزيد من المساعدات، في ظل استمرار ارتفاع مستوى الجوع، وغلاء أسعار المواد الغذائية، قائلاً: "ثمن الدجاجة في غزة يتراوح ما بين 60 إلى 70 دولارًا"، مضيفًا: "هذا سعر مرتفع جدًا لن تجده في أي مكان آخر غير غزة".
ومضى مؤكدًا أن الوضع يتطلب ضغطًا حقيقيًا على الاحتلال، لا سيما في ظل الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية، والتي أكدت أن فلسطينيي غزة لم يتلقوا إمدادات كافية لسد احتياجاتهم خلال عامين من الحرب.
وعن الدور المصري، أوضح السياسي الفلسطيني أن مصر بذلت جهودًا حثيثة لإدخال المواد الإغاثية والإنسانية على مدى عامي الحرب، فبحسب تقديرات الهلال الأحمر الفلسطيني، فإن ما بين 60 إلى 70% من المساعدات التي دخلت إلى القطاع كانت مصرية، بتبرعات من الشعب والقيادة المصرية.
ونوّه إلى أن المساعدات في الوقت الراهن لا تدخل إلى القطاع عبر معبر رفح الفلسطيني، بل من خلال معبر كرم أبو سالم الذي يخضع لتحكم الاحتلال، متابعًا: "الاحتلال يتحكم في أكثر من خمسة منافذ توصل إلى غزة"، ومؤكدًا أن الأمر لا يتعلق بمصر.
وأشار إلى أن مصر، بصفتها أحد الوسطاء، قد تتحرك للضغط على الاحتلال من أجل إدخال المزيد من المساعدات، كما يمكنها التواصل مع الولايات المتحدة وباقي الأطراف المعنية لتحقيق هذا الغرض.