يظل طه حسين أحد أبرز رموز النهضة الفكرية في مصر والعالم العربي، وأيقونةً للتحدي والإرادة التي لا تعرف المستحيل. فقد استطاع أن يحوّل فقدان البصر إلى بصيرة نافذة، وأن يفتح أمام نفسه، ومن بعده أجيال كاملة، آفاقًا جديدة في الثقافة والفكر والتعليم، ليغدو بحق «عميد الأدب العربي» وصوت التنوير في القرن العشرين.
وُلد طه حسين علي سلامة في نوفمبر عام 1889م بقرية «الكيلو» التابعة لمركز مغاغة بمحافظة المنيا. فقد بصره في الرابعة من عمره إثر إصابته بالرمد، غير أن والده لم يدَع إعاقته تمنعه من التعليم، فالتحق بالكتّاب في قريته، حيث أدهش شيخه «محمد جاد الرب» بذكائه الحاد وذاكرته القوية، فحفظ القرآن الكريم وتعلّم القراءة والحساب في سن صغيرة.
تابع طه حسين مسيرته التعليمية بإصرار لافت، فالتحق بالتعليم الأزهري، ثم كان من أوائل المنتسبين إلى الجامعة المصرية عند تأسيسها عام 1908م، وحصل على درجة الدكتوراه عام 1914م عن أطروحته «ذكرى أبي العلاء»، التي أثارت جدلًا واسعًا بين أنصار الفكر التقليدي ودعاة التجديد. بعد ذلك أوفدته الجامعة المصرية إلى فرنسا، حيث أعد أطروحته الثانية بعنوان «الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون»، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في القانون الروماني.
كان لزواجه من السيدة الفرنسية «سوزان بريسو» أثرٌ بالغ في حياته العلمية والإنسانية؛ إذ كانت رفيقة دربه وقارئته الدائمة، تمدّه بالعون والتشجيع في مسيرته الأدبية الطويلة، ورُزقا بطفلين هما «أمينة» و«مؤنس».
وبعد عودته إلى مصر، بدأ طه حسين مسيرته المهنية في الجامعة المصرية أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني، ثم أستاذًا لتاريخ الأدب العربي بكلية الآداب، قبل أن يُعيَّن عميدًا لها. وفي عام 1942م أصبح مستشارًا لوزير المعارف، ثم مديرًا لجامعة الإسكندرية، إلى أن تولى منصب وزير المعارف عام 1950م، حيث أطلق دعوته الشهيرة لمجانية التعليم وإلزاميته، وأسهم في تأسيس عدد من الجامعات المصرية، مؤمنًا بأن «التعليم كالماء والهواء».
وفي عام 1959م عاد إلى الجامعة أستاذًا غير متفرغ، كما تولى رئاسة تحرير جريدة «الجمهورية»، مواصلًا رسالته في التنوير ونشر الوعي.
ترك طه حسين إرثًا فكريًّا وأدبيًّا خالدًا، أثْرى به المكتبة العربية مؤلفًا ومترجمًا ومجدّدًا، ودافع من خلاله عن الحرية والعقل والانفتاح على العالم، دون التفريط في الأصالة المصرية والعربية. وقد واجه بسبب أفكاره الجريئة العديد من حملات الهجوم والدعاوى القضائية، خاصة بعد صدور كتابه «في الأدب الجاهلي»، إلا أنه ظل ثابتًا على مبدأه في الدفاع عن حرية الفكر. ومن بين أعماله البارزة أيضًا «مستقبل الثقافة في مصر»، و«الأيام» التي كتب فيها سيرته الذاتية بأسلوب أدبي خالد.
رحل طه حسين في مثل هذا اليوم 28 أكتوبر عام 1973م عن عمر ناهز 84 عامًا، بعد رحلة حافلة بالنور والعلم والتنوير، ترك فيها أثرًا لا يُمحى في الوجدان الثقافي المصري والعربي.