في رحلة عبر الزمن تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام، يقف عمود الملك «مرنبتاح »شامخًا ليروي واحدة من أعظم ملاحم النصر في التاريخ المصري القديم، هذا الأثر الفريد الذي اكتُشف في مارس عام 1970م أثناء أعمال التنقيب بمعابد مدينة «أون» الأثرية بمنطقة «عرب الحصن» بالمطرية، والذي أصبح اليوم واحدًا من أبرز كنوز المتحف المصري الكبير، وينتظر زواره بعد الافتتاح الرسمي للمتحف في الأول من نوفمبر المقبل هذا الحدث الجلل الذي ينتظره الجميع على أرض الحضارة مصر.
رحلة العمود عبر التاريخ
نُقل اعمود«مرنبتاح» عام 2006 م، من «عرب الحصن» إلى القلعة، ثم إلى المتحف المصري الكبير عام 2018م، ليُعرض بالبهو العظيم بعد ترميمه، ليظل شاهدًا خالدًا على عظمة الحضارة المصرية وها هو اليوم يستقبل زوار المتحف في موقع متميز، حيث يتمكن الزائرون أثناء جولتهم بالبهو العظيم من مشاهدة تمثال الملك رمسيس الثاني وعمود النصر للملك «مرنبتاح»، بالإضافة إلى تمثالين لملك وملكة من العصر البطلمي.
من هو الملك مرنبتاح؟
مرنبتاح هو رابع ملوك الأسرة التاسعة عشرة وابن الملك رمسيس الثاني وحكم مصر في فترة حاسمة من تاريخها الطويل، و ورث عن والده إمبراطورية عظيمة، وسار على نهجه في الحفاظ على قوة مصر ومكانتها بين الأمم.
مواصفات العمود وأهميته
صُنع عمود «مرنبتاح» من الطوب الرملي والجرانيت الأحمر، ويبلغ وزنه نحو عشرة أطنان وارتفاعه 5.60 متر. وهو أحد أهم القطع الأثرية والوثائق التاريخية لعهد الملك«مرنبتاح»، حيث يحمل نقوشًا هيروغليفية دقيقة تخلد انتصاراته العسكرية وإنجازاته الحضارية، ويُعد شاهدًا فريدًا على ازدهار الدولة المصرية القديمة وفنونها المعمارية الرفيعة.
زُيّن العمود بنقوش هيروغليفية وحفر غائر يُخلّد انتصار الملك «مرنبتاح» على الليبيين في العام الخامس من حكمه حوالي عام 1208 ق.م، على حدود الدلتا الغربية، وهي من أبرز المعارك في عصر الدولة الحديثة، وهو انتصار كان له أثر كبير في حماية الحدود المصرية وتأمين استقرار البلاد.
معابد الكرنك: مهد الحضارة
ومعابد الكرنك التي شهدت ميلاد هذا الأثر العظيم، تُعد من أعظم المعالم الأثرية في العالم. يُعرف معبد الكرنك بـ «إبت سوت» أو «أكثر الأماكن تميزًا»، حيث كان واحدًا من أعظم المعالم الدينية والسياسية في مصر القديمة.
ويقع المعبد على الضفة الشرقية لنهر النيل في مدينة طيبة وهي الأقصر حاليًا، وكان مقرًا لعدد من المعابد والمقاصير ومن أبرز معالمه قاعة الأعمدة الكبرى، التي تحتوي على 134 عمودًا ضخمًا، يصل ارتفاع بعضها إلى 15 متر، بينما يصل ارتفاع الأعمدة الكبرى في المنتصف إلى 21 متر
المتحف المصري الكبير: صرح عالمي
بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس للمشروع ليُشيَّد في موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة الخالدة
المتحف اليوم يمثل واحدًا من أكبر وأحدث المتاحف الأثرية في العالم، حيث يُعرض العمود في منطقة مخصصة للآثار الضخمة داخل المتحف، إلى جانب تماثيل وأعمدة أخرى من عصر الدولة الحديثة.
رسالة للأجيال
عمود «مرنبتاح» ليس مجرد قطعة أثرية، بل هو شاهد حي على عظمة الحضارة المصرية القديمة، وقدرة المصريين القدماء على تخليد إنجازاتهم وانتصاراتهم بطريقة فنية وتاريخية رائعة. إنه يروي قصة ملك عظيم دافع عن حدود وطنه، وحافظ على هيبة مصر وقوتها.
واليوم، يقف هذا الأثر العظيم عمود «مرنبتاح» في المتحف المصري الكبير، ليكون جسرًا يربط بين ماضٍ عريق وحاضر مشرق، ورسالة للأجيال القادمة.