يُعد المتحف المصري الكبير أحد أهم المشروعات الحضارية في القرن الحالي، وذلك لموقعه الفريد ومميزاته وأهميته الثقافية. إن هذا المتحف نقلة كبيرة في عالم المتاحف المصرية، ويُنتظَر أن يكون له دورٌ مؤثر في الترويج للسياحة الدولية إلى مصر. صُمِّمَ المتحف لیكون بوابة عبر الزمن لتتلاقى حضارة خمسة آلاف عام مع الحضارة الحدیثة.
تم بناء المتحف المصري الكبیر في موقع متمیز على الهضبة الواقعة بین الأهرامات والقاهرة الحدیثة، مما یتیح الفرصة لزائریه لمشاهدة أهرامات الجیزة الثلاثة من خلال الواجهة الزجاجية المبهرة ببهو مدخل المتحف المصري الكبیر، حیث یبلغ إجمالي مساحة المتحف نحو 500 ألف متر مربع ویغطي المبنى نحو 168 ألف متر مربع، ویضم نحو 100 ألف قطعة أثریة یتم عرضها للعالم لأول مرة.
المتحف المصري الكبیر ليس متحفًا فحسب، بل صُمِّم ليكون مجمعًا ثقافيًا سياحيًا ترفيهيًا ومركزًا للبحث العلمي ليكون قِبلة للباحثين الأثريين من كافة أنحاء العالم. يضم مخازن ومركزا لصيانة وترميم الآثار بالإضافة إلى مساحات واسعة تشمل عددًا من الفرص الاستثمارية الواعدة والمتمثلة في مركز للمؤتمرات، وسینما حديثة، وعدد من المحال التجارية، والمطاعم والكافتيريات والساحات المكشوفة التي تصلح لإقامة الفعاليات الثقافية والترفيهية على خلفية بانوراما الأهرامات.
ربما يتعيّن تحديد الميزات الفريدة للمتحف المصري الكبير، وتوضيح فوائده الاقتصادية والسياحية، وذِكر أهمية افتتاح المتحف المصري الكبير في زيادة وترويج السياحة الدولية إلى مصر.
تُثار هنا ثلاثة أسئلة محورية حول أهم ميزات المتحف المصري الكبير التي ميّزته عن المتاحف الأخرى في جميع أنحاء العالم، ودور المتحف المصري الكبير في الترويج للسياحة الدولية إلى مصر، إضافة إلى السُبل التي يمكن معها للمنظمات السياحية في مصر الاستفادة من افتتاح المتحف المصري الكبير في تسويق السياحة المصرية بشكل فعال.
من الجلي أن المتحف المصري الكبير سيكون له دورٌ كبير في تنشيط السياحة الدولية، وخاصة السياحة الثقافية بالإضافة إلى سياحة المؤتمرات والسياحة التعليمية والسياحة الميسرة، علاوة على تقديم اقتراحات للمنظمات السياحية في مصر للاستفادة من افتتاح المتحف المصري الكبير في تسويق السياحة المصرية بطريقة احترافية، ولا شك في أن هذا المتحف هو محط اهتمام كُلٍّ من وزارة السياحة والآثار، والهيئة المصرية العامة للتنشيط السياحي، ووزارة الطيران المدني.
ربما يتمثل التحدي في انخفاض حصة السياحة الثقافية في مصر من إجمالي أنواع السياحة، حيث تمثل السياحة الثقافية وأنواع السياحة الأخرى (باستثناء السياحة الترفيهية) أقل من (24%) من إجمالي السياح الدوليين القادمين إلى مصر، على الرغم من ثراء الحضارة والموارد الثقافية الفريدة في مصر. لذلك، يتعيّن الاستغلال الأمثل لافتتاح المتحف المصري الكبير بطريقة فعالة، من أجل الترويج للسياحة الثقافية وأنواع السياحة الأخرى وزيادة حصة مصر العادلة من السياح الدوليين، بما يتناسب مع معالمها التاريخية والثقافية والسياحية المتنوعة.
المتاحف المصرية
بلغ إجمالي عدد المتاحف في مصر 83 متحفًا حسب إحصاء عام 2023، وفقًا لبيانات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. تتنوع المتاحف بين متاحف أثرية، وقومية، وإقليمية، وفنية. يتخصص كل متحف في عرض آثار عصر معين ومعروضاته، مثل متحف الفن الإسلامي، والمتحف المصري، والمتحف القبطي، والمتحف اليوناني الروماني، ومتحف العلمين الحربي، ومتحف الفنون الجميلة، وغيرها الكثير. تساهم المتاحف في الترويج السياحي في مصر وزيادة إيراداتها الاقتصادية، حيث زار 9.643 مليون شخص المتاحف المصرية في عام 2018، وكانت المتاحف الأكثر زيارة هي متاحف القاهرة والجيزة، والتي زارها حوالي 5 ملايين زائر في عام 2016، وتسعة متاحف في الجيزة زارها 3.4 مليون زائر، وبلغ إجمالي إيرادات المتاحف الأثرية والإقليمية والتاريخية 169.021 مليون جنيه مصري في عام 2018 مقارنة بـ 99.133 مليون جنيه مصري في عام 2017، بزيادة قدرها 70.5%.
في فبراير 2002، تم وضع حجر الأساس للمتحف المصري الكبير، ليكون أحد المشروعات القومية العملاقة، وتحفة ثقافية ينتظرها العالم، فهو يحتضن عجائب الحضارة المصرية القديمة؛ الكنوز الأثرية النادرة والوثائق العلمية القيمة، والسبب الرئيسي لإنشاء المتحف هو ضيق المتحف المصري بميدان التحرير والحاجة إلى استيعاب الكم الهائل من الآثار المصرية، حيث يضيق المتحف المصري بميدان التحرير ويزدحم وسط المدينة.
المتحف المصري الكبير هو أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة، وهو أكبر المشروعات الحضارية والأثرية في العالم، وقد تم جمع الخيال والفكر والإبداع من أجل وضع تصميم معماري فريد ومتميز لهذا الصرح الثقافي الكبير. ويعتبر المتحف إضافة رائعة للسياحة المصرية والإعلام والسياحة الثقافية الدولية. تبلغ تكلفة المشروع 800 مليون دولار، قدَّمت وكالة التعاون الدولي اليابانية "جايكا" 70% من التمويل، والباقي 30% من الحكومة المصرية.
مميزات الموقع
يتميز المتحف المصري الكبير بمميزات فريدة تميزه عن غيره من المتاحف الشهيرة عالميًا على النحو التالي: 1- الموقع: يقع المتحف المصري الكبير على بعد حوالي كيلومتر ؟؟؟؟؟ من أهرامات الجيزة في سهل صحراوي على حافة النيل على مساحة 117 فدانًا، يتمتع المتحف المصري الكبير بموقع فريد، وهو متصل بأشهر موقع أثري في العالم أجمع (الأهرامات)، مما جعل من السهل والمريح للزائر الوصول إلى المتحف بعيدًا عن حركة المرور، كما أتاح أيضًا فرصة استخدام الطرق والجسور الجديدة.
إن موقع المتحف المصري الكبير مهم للأسباب التالية، فهو يسمح بأي توسع إضافي، حيث إنه غير محصور في موقع مزدحم بوسط المدينة من جميع الاتجاهات، كما أن موقع المتحف المصري الكبير أكثر أمانًا لكل من الزوار والقطع الأثرية بالإضافة إلى جاذبية الموقع بسبب قربه من الأهرامات، وبالتالي فإن المتحف المصري الكبير يتناسب بشكل أفضل مع محيطه التاريخي. تجنب موقع المتحف المصري الكبير جميع مشكلات المتحف المصري في ميدان التحرير (الذي كان في موقع مزدحم بوسط المدينة، وغير مؤمَن بدرجة كافية). من ناحية التصميم والبناء، فإن فكرة تصميم المتحف مستوحاة من الأهرامات، حيث تلتقي الإشعاعات الثلاثة التي يتم إطلاقها من كل هرم معًا في نقطة واحدة تحدد جسم المتحف. يمثل هذا الموقع الفريد، الذي يتمتع بإطلالة مباشرة على الأهرامات، العلاقة البصرية بين المشروع والأهرامات. يرتبط المتحف أيضًا بالضوء؛ لذا فإن واجهته مغطاة بالحجر للسماح للضوء بالمرور عبر الأشكال الهندسية. تمنح واجهة المتحف ميزة خاصة، تشرح اتجاه محور أهرامات الجيزة، حيث يعد سقف المتحف أحد العلامات على أن التصميم الفريد للمتحف هو الأكبر في عالم المتاحف.
يضم المتحف كنوزًا ثقافية وأثرية خاصة، تميزت بها مصر، حيث سيعرض قناع الملك توت عنخ آمون النادر الموضوع في منتصف قاعة العرض، سيكون عامل الجذب الرئيسي للزوار، بالإضافة إلى المجموعة الكاملة لمقتنيات الملك توت عنخ آمون والتي تبلغ 5000 قطعة أثرية فريدة، بما في ذلك 2000 قطعة أثرية سيتم عرضها لأول مرة، علاوة على ذلك تم نقل 5000 قطعة أثرية من المتحف المصري بالقاهرة، وسيتم عرض 100000 قطعة أثرية في ممرات المتحف الكبير.
هناك أيضًا المعارض الرئيسية من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الروماني، بالإضافة إلى صور وتحف المنحوتات التي تم العثور عليها في الفيوم، وأخرى من العصر القبطي، والمخطوطات المزخرفة ونسخ من الكتاب المقدس، وكذلك المخطوطات والأسلحة من العصر الإسلامي، ومئات القطع الأثرية في الإسكندرية القديمة، وعدد من القطع الأثرية والحرف اليدوية.
يعد الدرج الكبير أحد مناطق الجذب الرئيسية في المتحف المصري الكبير، ويضم مجموعة الحلي التي تُعبِّر عن تكنولوجيا الصناعات الدقيقة في مصر منذ أكثر من 3000 عام، حيث تم نقل أكثر من 49603 قطعة أثرية إلى المتحف المصري الكبير مثل تماثيل الملك رمسيس الثاني ومسلته (أول مسلة معلقة في العالم، وضعت أمام الواجهة الرئيسية للمتحف)، وتماثيل سيتي، بالإضافة إلى لوحة ضخمة من الجرانيت الوردي لرمسيس السادس، وتمثال للملك خفرع، وتمثال للكاهن كاي مصنوع من الحجر الجيري الملون، بجانب تابوت للملك سنوسرت وتمثال للملك سخمت وزوجته.
يضم المتحف المصري الكبير قاعتين للعرض المتحفي بمساحة إجمالية 2500 متر مربع، يطلق عليها "القاعة المخفية"، لحفظ "توابيت العساسيف" القادمة من الأقصر، والتي اكتشفت حديثًا في أكتوبر 2019، من قبل البعثة المصرية، بالإضافة إلى الاكتشاف التاريخي الأخير، قيمة أثرية وفنية تتضمن 30 تابوتًا ملونًا لنساء ورجال وأطفال، بحالة ممتازة حيث إن ألوانها واضحة ونقوشها كاملة.
يتميز المتحف المصري الكبير بأحدث أساليب التكنولوجيا للعرض في المتحف والمعارض الثقافية التي تتسق مع التغيرات التكنولوجية للألفية الجديدة ليكون الأول في استخدام الواقع الافتراضي في العرض، حتى يتمكن الزوار من الاستمتاع بتجربة الواقع والأجواء والأماكن التي تم اكتشاف المعروضات فيها.
سيكون المتحف مركزًا عالميًا لاتصالات المتحف باستخدام شبكات الأقمار الصناعية للتواصل مع المتاحف الدولية والمحلية، بالإضافة إلى استخدام تكنولوجيا المعلومات والشبكات في إدارة البيانات والتوثيق، من خلال وضع نظام لجمع البيانات ومعالجة المعلومات، علاوة على إظهار المعلومات المفقودة ونقاط الضعف في البيانات. سيبني هذا سمعة فريدة للمتحف المصري الكبير استنادًا إلى نقل ونشر معلومات صحيحة حول المعروضات وتسهيل فهم تاريخ مصر في الأوقات الماضية.
يتميز المتحف بالعمل على الكثير من المشروعات الأثرية بالتعاون مع المؤسسات المصرية والأجنبية، بما في ذلك مشروع التنقيب عن مركب خوفو الثاني (أكبر القوارب التي تحتوي على قطع أثرية عضوية قديمة معروفة في التاريخ المصري القديم)، ومشروع (مركز ترميم المتحف المصري الكبير)، الذي تم إنشاؤه ليكون مركزًا إقليميًا للترميم والحفظ، وهذا المشروع هو نتيجة للتعاون الفني بين المتحف المصري الكبير ووكالة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) من أجل الحفاظ على بيئة مستقرة ومناسبة للقطع الأثرية وتجنب التدهور المادي الناجم عن تغير الظروف البيئية.
يطبق المتحف المصري الكبير الجودة في نظم إدارة الصحة والسلامة والبيئة والاستدامة، وهو يتميز المتحف المصري الكبير بمكتبته الفريدة ومراكزه (للمؤتمرات والتعليم والتدريب والفنون والحرف اليدوية) التي لا تتوفر جميعها في متحف واحد في العالم.
تحقيق الفوائد الاقتصادية
يساهم المتحف بتوفير آلاف فرص العمل في المشروعات الاقتصادية للمتحف في مجالات النقل والتأمين والخدمات والتصنيع. ومن المتوقع أن يحقق المتحف إيرادات سنوية تصل إلى 150 مليون جنيه. وإذا تحدَّثنا عن فوائد التنمية المحلية فإنه يمكن الإشارة إلى:
- تطوير المناطق المحيطة بالمتحف المصري الكبير، وإنشاء المطاعم والمراكز الحرفية ومحلات التجزئة والفنادق ومراكز التسوق.
- إنشاء شبكات تربط المناطق ببعضها البعض من خلال خط تليفريك يمر عبر عشر محطات، بالإضافة إلى مترو أنفاق للوصول إلى المنطقة.
- تطوير منطقة الأهرامات، وبعض الفنادق المهمة القريبة من موقع المتحف المصري الكبير.
- إنشاء وتطوير الطرق لتسهيل الوصول إلى المتحف المصري الكبير (تحويل مسار طريق الإسكندرية، وإنشاء نفق جديد، وتطوير طريق الفيوم؛ الذي سيكون المدخل الرئيسي لمشروع هضبة الهرم الجديد، بالإضافة إلى فتح مطار أبو الهول الدولي، القريب من المتحف المصري الكبير، لاستقبال الرحلات السياحية المباشرة من مختلف البلدان.
بالنسبة إلى الفوائد السياحية، فإن مشروع المتحف المصري الكبير سيرفع مستوى الخدمات السياحية ويزيد من عدد السياح الدوليين، حيث تم تصميم المتحف المصري الكبير لاستيعاب أكثر من (8) ملايين زائر سنويًا من جميع أنحاء العالم، علاوة على ذلك، سيكون المتحف حافزًا للسياح لتمديد إقامتهم نتيجة لتقديم خدمات متنوعة تستهدف جميع عائلات السياح.
كما يجدد المتحف المصري الكبير الاهتمام في مصر بزيارة أكبر متحف للحضارة المصرية القديمة في العالم بتقنيات حديثة.
ومن الجدير بالذكر أن إنشاء المتحف المصري الكبير جذب اهتمام المؤسسات الثقافية والأفراد في جميع أنحاء العالم. بعد حوالي شهر من الإعلان، وردت 5000 رسالة على موقع المتحف تستفسر عن محتوياته وكيفية بنائه، وتحدَّث مليون شخص على مواقع الإنترنت عن هذا المشروع العظيم، وتعكس هذه ردود الفعل العالمية على المتحف المصري الكبير قيمته وأهميته، علاوة على ذلك، تحظى مصر باهتمام وسائل الإعلام السياحية.
ومن المنتظر أن يعزز المتحف المصري الكبير سياحة المؤتمرات في مصر، حيث أنه يضم مركزًا دوليًا للمؤتمرات بما في ذلك قاعة مؤتمرات بسعة تصل إلى 1000 شخص، ويحتوي هذا المركز أيضًا على مسرح ومناطق مفتوحة متاحة لإقامة المهرجانات والحفلات الموسيقية والاحتفالات والفعاليات والأنشطة الترفيهية في مصر، التي تستضيفها الأهرامات العظيمة والمتحف المصري الكبير.