مع انخفاض درجات الحرارة ودخول فصل الشتاء، تلاحظ الكثير من النساء أن اللقاءات الاجتماعية تقل تدريجيًا، وأن الأصدقاء والأقارب لم يعودوا يزورون بعضهم كما في السابق، ويصبح البقاء في المنزل الخيار الأكثر راحة للكثيرين، مما يخلق حالة من الفتور الاجتماعي والابتعاد بين الناس، ولفهم هذه الظاهرة وأسبابها النفسية والاجتماعية، نستعرض مع خبيرة أهم العوامل التي تقف وراء تراجع اللقاءات في الشتاء، ونصائح للحفاظ على دفء العلاقات رغم برودة الطقس.
            
            
ومن جهتها تقول الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث، في تصريح خاص لبوابة "دار الهلال"، أن برودة الطقس تؤثر على المزاج العام، فيميل الأشخاص إلى الانكماش داخل أنفسهم وتفضيل الراحة في المنزل بدلًا من الزيارات الاجتماعية، هذا السلوك لا يقتصر على البشر فقط، بل يشبه ما يعرف في عالم الحيوان بالبيات الشتوي، وهي حالة من الهدوء والتقوقع تقل فيها الحركة والتفاعل، ما يخلق حالة من الجفاء والابتعاد بين الناس، ولكن هذا التراجع في التواصل لا يرتبط فقط بالطقس، بل بعدة عوامل نفسية وثقافية واقتصادية أيضًا.
وأضافت أن النسيج الاجتماعي في الوقت الحالي أصبح أضعف من ذي قبل، إذ لم تعد اللقاءات المنزلية كما كانت، وغالبًا ما تتحول التجمعات إلى لقاءات سريعة في الأماكن العامة أو النوادي، بينما تراجع دور الضيافة المنزلية التي كانت تجمع العائلات في أجواء دافئة وحميمة، كما أن الظروف الاقتصادية الحالية جعلت من إقامة هذه الجلسات أمرًا مكلفًا وصعبًا بالنسبة لكثير من الأسر.
وأشارت أن هناك عنصرًا جديدًا زاد من حدة هذا التباعد، وهو الاعتماد المفرط على وسائل التواصل الحديثة، حيث أصبح الهاتف والرسائل الإلكترونية بديلًا عن اللقاءات المباشرة، مما أفقد العلاقات جزءًا كبيرًا من دفئها الإنساني، وأكدت على  أن جائحة كورونا السابقة كان لها تأثير بالغ في ترسيخ هذا النمط من التباعد، بعدما اعتاد الناس لفترة طويلة على التواصل عن بعد في العمل والتعليم والحياة الاجتماعية.
وحذرت من أن الانعزال الاجتماعي يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على الأفراد، سواء كانوا أطفالًا أو شبابًا أو حتى كبارًا في السن، حيث أن قلة التفاعل المباشر تضعف ما نسميه بالترابط الإنساني، أي ذلك الاحتكاك المجتمعي الذي يبقي المشاعر والعلاقات دافئة، فحين تقل اللقاءات، يتحول السلوك إلى نوع من الجفاف العاطفي، وتختفي مشاعر التعاطف والمودة بين الناس تدريجيًا.
واختتمت حديثها مؤكدة على أهم طرق إعادة الترابط الأسري والاجتماعي، وهي المرأة لما تلعبه من دوراً هاماً، فهي العمود الفقري للأسرة، وصاحبة التأثير الأكبر في تحريك أجواء التواصل داخل البيت وخارجه، ولذلك يجب أن تتبنى الأم دور المبادِرة في الدعوة للقاءات العائلية وتنشيط العلاقات، حتى ولو كانت بسيطة أو رمزية، لأن مثل هذه التجمعات تعيد الدفء للعائلة وتقوي النسيج الاجتماعي.