تصطف ملوك مصر القديمة في مشهد مهيب لافت للأنظار يليق بعظمة الحضارة المصرية على الدرج العظيم ببهو المتحف المصري الكبير، الذي تفصلنا عن افتتاحه الرسمي 72 ساعة فقط وسط حضور عالمي لافت.
            
            
ويمتد الدرج العظيم الموجود في البهو، على ارتفاع 36 مترًا، ويتكون من 108 "سلمة" بمساحة 6 آلاف متر مربع وهو أول درج من نوعه في العالم، ويضم ما يقرب من 72 قطعة أثرية تحكي تاريخ الأجداد.
ويسلط سيناريو العرض المتحفي للدرج العظيم على الملوك والآلهة، وينقسم لأربعة أقسام؛ يحكي الأول منها عن كيفية تصوير "الملك" ونحته في الأعمال الفنية، وتعد أبرز تماثيل هذا القسم..
سيتي الأول.. وريث المجد
ويبرز تمثال الملك سيتي الأول منحوتًا من الجرانيت الوردي، في مقدمة الصف، يراقب مملكته الخالدة، وينتمي إلى عصر الدولة الحديثة، ليمثل رمز القوة والسلطة، وبين ملامحه الهادئة ونظرته العميقة تجتمع الصرامة والسكينة في آن واحد، ويرمز هذا التمثال إلى الملكية الإلهية التي رآها المصري القديم انعكاسًا للعدل والنظام الإلهي على الأرض.
سنوسرت الثالث.. الجانب الإنساني للملك
ويقف بالقرب من الملك سيتي الأول سنوسرت الثالث أو أمنمحات الرابع المنحوت .  من الكوارتزيت، والذي يعود إلى عصر الدولة الوسطى، وتظهر على وجهه ملامح الإرهاق والتأمل والمسؤولية، ليعكس الجانب الإنساني للملك، وليس صورته الإلهية فقط.
أمنحتب الثالث.. قوة الحاكم
وهو أحد أعظم ملوك مصر في عصر الرفاه والازدهار الفني، حيث يجسد التمثال في ملامح أمنحتب الثالث الثقة والهدوء والسمو، كأنه يختصر فلسفة ملكٍ جمع بين قوة الحاكم وأناقة المثقف، وهو الذي أقام معابد فخمة مثل معبد الأقصر وتماثيل ممنون الشهيرة.
حتشبسوت.. سيدة العرش
وتتألق الملكة حتشبسوت في تمثالها الذي يعكس قوة المرأة المصرية حين تعتلي العرش. ويجمع تمثالها بين الأنوثة والملكية، إذ ارتدت هيئة الملوك الذكور بشجاعة نادرة، رمزًا للشرعية والاستمرارية. ويمثل وجود تمثالها بين عمالقة الملوك اعترافًا من التاريخ بدورها السياسي والمعماري الذي ترك بصمة لا تُمحى.
ويحكي القسم الثاني من الدرج العظيم عن منزلة الآلهة، وقدسية المعبد المصري القديم ويشمل نحت الملوك خلال مشاركتهم الطقوس الدينية، بالإضافة إلى الركائز والأعمدة وغيرها من العناصر المميزة للمعابد التي شيدت للآلهة بتكليف من قبل الملك، وتعد أبرز هذه القطع الأثرية
ساحورع
ويتصدر للملك ساحورع عمودان وعتب، منحوتة من الجرانيت الأحمر، لتجسّد عظمة العمارة التي شيدت للآلهة في الدولة القديمة، حيث ساحورع أحد ملوك الأسرة الخامسة، وتعد هذه القطع توثيق بصري لميلاد العمارة المقدسة في مصر القديمة، فنقوش الأعمدة وزخارفها الدقيقة تروي لحظات الطقوس الملكية، بينما يعكس الجرانيت الأحمر صلابة العقيدة واستمراريتها.
أمنمحات الأول.. مؤسس الدولة الوسطى
وعلى مقربة من الأعمدة، تقف بوابة الملك أمنمحات الأول، مؤسس الدولة الوسطى، لتمثل المدخل لعالم الآلهة في عصرٍ سعى فيه الملوك إلى إحياء التقاليد القديمة مع روحٍ جديدة من النظام والإصلاح، والبوابة، بما تحمله من نقوش تمثل الانتقال من الأرض إلى السماء، ومن الملك إلى الإله، وهي رسالة خالدة عن ارتباط الحكم بالعبادة في فكر المصري القديم.
أبو الهول لأمنمحات الثالث
يظهر تمثال أبو الهول للملك أمنمحات الثالث، رمز القوة والذكاء الملكي. هذا التمثال المصنوع من الحجر الصلب تنبض ملامحه بالهيبة،و يرمز أبو الهول هنا إلى السلطة التي تحرس المعبد.
رمسيس الثاني
أما ناووس الملك رمسيس الثاني، أحد أعظم ملوك مصر القديمة وأكثرهم حضورًا في الذاكرة. فيعكس مكانة الملك الذي لم يكن مجرد حاكم، بل رمزًا إلهيًا للعدل والقوة. زُيّن الناووس بنقوش دقيقة تمثل الملوك في حضرة الآلهة، في مشهد يوثق الطقوس الدينية التي شارك فيها الملك بنفسه.
قمة مسلة حتشبسوت
تكمل قمة مسلة الملكة حتشبسوت، حيث تحمل نقوشًا دقيقة تمجد الإله آمون وتعلن ولاء الملكة له. وتعد تذكير بأن الخلود يبدأ من النقطة الأعلى، كما يؤكد وجود مسلة حتشبسوت وسط رموز الملوك الذكور مكانتها كرمز أنثوي للسلطة والحكمة في آنٍ واحد.
فيما يحكي القسم الثالث للقطع الأثرية على الدرج العظيم حوار الخلود في العلاقة بين الملوك والآلهة التي قامت على تبادل الأدوار في حفظ الكون والنظام، وتعد أبرز هذه القطع الأثرية..
المعبود بتاح
وتمثال المعبود بتاح، يجسد أحد أقدم وأقدس الآلهة في مصر القديمة، إله الخلق والفن والحرف والصناعة في ممفيس. يقف التمثال ممسكًا بصولجان يرمز للحياة والاستقرار والقدرة
رمسيس الثاني وعنات
ويقف التمثال المزدوج للملك رمسيس الثاني مع المعبودة عنات، ليجسّد تحالف القوة الأرضية والسماوية، وهو تمثال يظهر فيه رمسيس إلى جوار المعبودة الكنعانية "عنات" التي تبنّاها المصريون لاحقًا كإلهة للحرب والانتصار، ويرمز التمثال إلى تحويل القوة العسكرية إلى رمز مقدس، حيث يجسد مفهوم التقديس بين الملك والإلهة.
ثالوث بتاح وسخمت ورمسيس الثاني
ومن أبرز ما يعرضه هذا القسم ثالوث بتاح وسخمت ورمسيس الثاني، أحد أروع التماثيل التي تجسد التلاحم بين الملك والإلهين، حيث يظهر بتاح في وقارٍ إلهي إلى جانب زوجته سخمت، إلهة القوة والحماية، بينما يقف رمسيس الثالث كشريكٍ في هذا التكوين المقدس. في مشهد يرمز إلى أن استمرار الحياة وتوازن الكون لا يتحقق إلا باتحاد تلك القوى الثلاث.  وهو ما يجسد عقيدة المصري القديم في التكامل بين الذكر والأنثى، بين السلطة والرحمة، بين الإنسان والإله.
أمنحتب الثالث مع رع حور آختي
وهو مشهد مزدوج للملك أمنحتب الثالث مع الإله رع حور آختي، يرمز إلى الشمس المشرقة وسيادة النور على الظلمة. يظهر فيه أمنحتب الثالث في هيئة متقاربة مع الإله، تعبيرًا عن فكرة أنه ابن رع على الأرض، وممثل نوره وعدله بين البشر. وهو مشهد يجسد اتحاد الملك بالشمس كرمز للحياة الأبدية والنور الأبدي.
أما تماثيل القسم الرابع على الدرج العظيم فتحكي عن حماية جسم الملك بعد الموت، والحياة الأبدية كما تصورها المصري القديم، حيث البعث والحساب، وهنا تعرض توابيت ملكية نادرة توثق العقيدة الجنائزية وتعد أبرز هذه القطع الأثرية الشاهدة على هذه العقيدة.
الملكة مرس عنخ الثالثة.. سيدة الأبدية الهادئة
ويبدأ المشهد مع تابوت الملكة مرس عنخ الثالثة، حفيدة الملك خوفو وابنة الملكة حتب حرس الثانية، إحدى أبرز نساء الأسرة الرابعة، حيث صنع تابوتها من الحجر الجيري المصقول بزخارف دقيقة، والنقوش المحيطة بالتابوت تسرد طقوس الرحيل وقرابين الأبدية، لتؤكد أن الملكة لم تفقد سلطتها حتى في الموت
الأمير خوفو جدف
يبرز تابوت الأمير خوفو جدف، ابن الملك خوفو، المصنوع من حجر الجرانيت الرمادي الثقيل، وكأن الفنان أراد أن يخلّد مكانته الفكرية والروحية بثبات الصخر ويظهر الأمير في وضع العبادة، رافعًا يديه نحو قرص الشمس، دلالة على إيمانه بالنور الأبدي كطريق للبعث.
تحتمس الأول
ويبدو تابوت الملك تحتمس الأول، مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، كقطعةٍ مهيبة تفيض بالهيبة والخلود. حيث نُحت من حجر الكوارتزيت الصلب، وتُظهر نقوشه مشاهد الإله أنوبيس وهو يُحضّر الملك لرحلته الأبدية، ويمثل هذا التابوت قمة الفن الملكي الجنائزي في عصر الإمبراطورية المصرية، إذ يجمع بين الدقة الهندسية والرمزية الدينية العميقة.