في لحظة تختزل عظمة التاريخ وجهد الحاضر، تفتتح مصر غدًا المتحف المصري الكبير، بعد مسيرة امتدت لعقدين من الزمان، سطّر خلالها المهندسون والعمال المصريون ملحمة من الإبداع والعطاء، تحوّل فيها عرق السواعد وعبقرية العقول إلى صرح يليق بحضارةٍ صنعت أول معجزة على وجه الأرض، ليصبح المتحف شاهدًا على أن من شيّد الأهرامات ما زال قادرًا على البناء والإنجاز.
فهو ليس مجرد متحف يضم آثار الفراعنة، بل إنجاز وطني يخلّد إرادة المصريين الذين جمعوا بين دقة التصميم وروح الإخلاص، فاستحضروا من الماضي عبقه، ومن الحاضر جماله، ليمنحوا المستقبل وهجه.
رحلة بناء المتحف
ولم تكن فكرة المتحف المصري الكبير مجرد مشروع معماري ضخم، بل كانت ملحمة وطنية بدأت ملامحها منذ تسعينيات القرن الماضي، حين راود الحلم المصريين بإنشاء أكبر متحف للحضارة المصرية في العالم، يحفظ ذاكرة التاريخ ويعيد تقديمها للأجيال بلغة العصر.
في عام 2002، وُضع حجر الأساس للحلم على ربوة تطل على أهرامات الجيزة الخالدة، لتبدأ رحلة طويلة امتدت لأكثر من عقدين، شارك فيها آلاف المهندسين والعمال المصريين الذين حفروا الصخر وصاغوا المعمار بروح الإصرار والإبداع.
وبرعاية منظمة اليونسكو والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، أُطلقت مسابقة دولية لأفضل تصميم، فاز بها مكتب Heneghan Peng Architects الأيرلندي، ليترجم فكرة أن تمتد أشعة الشمس من قمم الأهرامات لتتلاقى في قلب كتلة مخروطية تُجسد المتحف المصري الكبير، كأن التاريخ يُنجب من رحم الضوء معمارًا جديدًا.
ومنذ بدء أعمال البناء في مايو 2005، تحولت أرض المشروع إلى خلية نحل لا تهدأ، فشقّ العمال طرقهم في الرمال، ونجحت الأيدي العاملة المصرية في إقامة أكبر مركز لترميم الآثار في الشرق الأوسط عام 2006، الذي افتُتح رسميًا عام 2010 ليكون القلب النابض لحفظ الكنوز الأثرية وصيانتها بأيدٍ مصرية خالصة.
وبين عامي 2016 و2020، اكتمل الإطار المؤسسي للمتحف، بإصدار قرارات إنشاء وتنظيم هيئة المتحف المصري الكبير كهيئة اقتصادية مستقلة، يرأس مجلس أمنائها رئيس الجمهورية، وتضم في عضويتها نخبة من الخبراء المصريين والدوليين لدعم مسيرة هذا الصرح العالمي.
وفي عام 2021، اكتمل تشييد المبنى العملاق الذي يمتد على مساحة تتجاوز 300 ألف متر مربع، ليضم قاعات عرض تفوق في اتساعها العديد من المتاحف حول العالم، وتضم بين جدرانها أكثر من 100 ألف قطعة أثرية.

وتزيح مصر غدًا النقاب عن صرحها الأضخم، المتحف المصري الكبير، الذي شُيِّد بأيادٍ مصرية خالصة من عمالها ومهندسيها، في ملحمة إنجاز جسّدت عبقرية المصريين وقدرتهم على الإبداع والعطاء، فأثبتوا أن الحضارة التي أبهرت العالم قبل سبعة آلاف عام ما زالت تنبض بالحياة، وأن الإرادة المصرية حين تنحاز للجمال تصنع المعجزات.
في سياق متصل، تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو مؤثرًا، لما قيل إنه يوثّق احتفال آلاف العمال والمهندسين المصريين داخل المتحف، فرحًا بانتهاء العمل في المشروع الذي خطف أنظار العالم.

وأظهر الفيديو المتداول حشودًا من العاملين وهم يرتدون ملابس العمل داخل أروقة المتحف، يهتفون ويهللون تعبيرًا عن فخرهم بالمشاركة في بناء هذا الصرح الحضاري الفريد، الذي يمثل تتويجًا لجهود سنوات من العمل المتواصل.
وخلال ساعات قليلة، تصدّر الفيديو قوائم التريند على منصات التواصل الاجتماعي، وسط موجة إشادة واسعة بدور العمال والمهندسين والفنيين المصريين الذين شاركوا في تشييد المتحف المصري الكبير، باعتبارهم الأبطال الحقيقيين وراء هذا الإنجاز التاريخي.
