السبت 1 نوفمبر 2025

مقالات

متحف التحرير.. أقدم المتاحف المصرية

  • 1-11-2025 | 09:20
طباعة

لم يحرص شعب من شعوب العالم على تسجيل تاريخه، وحياته اليومية، ومختلف أنشطته كالشعب المصري، حيث اعتاد المصري القديم على حفر ما يريد تعريف الخلف به على الصخور، وعلى جدران المعابد، أو من خلال نقشه على لفافات من أوراق البردي بلغته. كما ساعدت البيئة المصرية، التي يتألف معظمها من صحراء تمتلئ بالرمال، في تغطية وإخفاء وحفظ ما تحتها من تراث ثمين يتمثل في مقابر ومعابد لقرون عديدة، فلم تمتد إليها يد بشر حتى وقت قريب من عصرنا الراهن.

وقد أصبحت هذه النقوش والتسجيلات بمثابة الوثائق التي عرّفتنا بتاريخ أزمنتهم تلك، وعاداتهم وتقاليدهم، وأحوالهم وأنشطتهم، ومجريات حياتهم اليومية، وما خاضوه من حروب، وما أحرزوه من انتصارات، وما نُكبوا به من انكسارات. وبالجملة، فقد أطلعتنا على مدى تقدمهم في أمور حياتهم التي كان لهم فيها السبق على غيرهم في مناحي العلوم والصناعات وغيرها من المفردات الحضارية المختلفة؛ حتى إن معظم الكتب التي تؤرخ لمختلف العلوم والصناعات تبدأ بالكلام عن إسهامات قدماء المصريين فيها.

ومن الجدير بالذكر أنه قد تم تراكم مجموعات هائلة من الآثار المصرية منذ القرن التاسع عشر، وظلت تتنامى وتزداد هذه المجموعات بمرور الوقت، ومنها على سبيل المثال: مجموعة متحف اللوفر، ومجموعة المتحف البريطاني، ومتحف المتروبوليتان بنيويورك، ومجموعات أخرى في متاحف ليون وتورين وبرلين وفلورنسا وشيكاغو، وغيرها. وقد كانت هذه المجموعات شاهد إثبات على مدى ما وصلت إليه الحضارة المصرية القديمة في مجالات الفنون والعلوم والحضارة، وما اتسمت به من أصالة وعظمة وسبق في كل هذه المجالات.

المتحف المصري:

لهذا، فقد كانت هناك محاولات لإنشاء متحف قومي مصري يضم ما يتم اكتشافه من حفريات وكنوز أثرية مصرية كثيرة، تتنامى وتزداد بمتابعة الحفر وعمليات الاستكشاف المتواصلة. وقد بدأت هذه المحاولات في 15 أغسطس سنة 1835م بإنشاء متحف لحفظ الآثار يقع في حديقة الأزبكية، ثم نُقلت الآثار إلى قلعة صلاح الدين، ثم أهداها الخديوي عباس إلى ولي عهد النمسا سنة 1855م.

وفي عام 1858م أقام مارييت باشا ـ الذي كان مديرًا لمصلحة الآثار ـ متحفًا آخر صغيرًا على شاطئ النيل في بولاق، ثم نُقلت الآثار مرة أخرى إلى الجيزة سنة 1891م. وأخيرًا، بدأ العمل في إنشاء المتحف الحالي سنة 1897م وتم افتتاحه في 15 نوفمبر سنة 1902م في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، حيث افتتحه عالم المصريات جاستون ماسبيرو في موقعه الحالي شمال ميدان التحرير بقلب مدينة القاهرة.

هذا، ويمكن القول إن المتحف القومي المصري المعروف الآن بـ"دار الآثار المصرية" في ميدان التحرير بالقاهرة يُعتبر من أوائل المتاحف في العالم التي تم إنشاؤها لتكون متحفًا عامًا، على النقيض من المتاحف الأخرى التي سبقته، ليضم أكثر من 180 ألف قطعة أثرية، ومن ضمنها وأهمها ما تم اكتشافه والعثور عليه في مقابر الملوك والحاشية الملكية للأسرة الوسطى في منطقة دهشور سنة 1894م، كما يضم المتحف الآن أفخم مجموعة أثرية في العالم تُعبّر عن جميع مراحل التاريخ المصري القديم.

مكونات المتحف:

يتكون المتحف المصري من طابقين رئيسيين، وقد رُوعي في اتصال القاعات سهولة المرور بينها. ويوجد بالمتحف حاليًا أكثر من 160 ألف أثر تنتمي إلى العصور التاريخية المختلفة، بحيث تُعرض في الطابق السفلي الآثار الحجرية الكبيرة مرتبة ترتيبًا تاريخيًا بدءًا من المدخل شمالًا حسب اتجاه عقارب الساعة.

هذا، وتوجد بالمتحف بعض من آثار عصر ما قبل الأسرات والأسرات المبكرة، وآثار عصر الدولة القديمة، والدولة الوسطى، والدولة الحديثة، والعصر المتأخر، ثم العصرين اليوناني والروماني.

أما الطابق العلوي، فتعرض فيه مجموعات نوعية من تماثيل المعبودات، والمخطوطات، والمومياوات الملكية (قبل نقلها إلى متحف الحضارة القديم بمنطقة الفسطاط، والذي سيتم افتتاحه قريبًا)، والتوابيت الخشبية، والحلي، ومجموعة متكاملة من مقبرة واحدة، مثل آثار توت عنخ آمون، وآثار يويا وتويا، وآثار تانيس، وآثار وادي الملوك، وآثار مقبرة سنجم، وآثار مقبرة ماجر بري.

وجدير بالذكر أنه توجد بالمتحف مكتبة كبيرة تضم مؤلفات عن الآثار والتاريخ والحضارات والديانات باللغات المختلفة. ويوجد به أيضًا قسم للتصوير وبعض الخرائط، ليسهّل على الزائر أن يتتبع أرقام الآثار والقاعات الموجودة في خرائط المتحف المرفقة بالدور العلوي.

مصر بلد المتاحف:

والواقع الذي لا يستطيع أحد إنكاره أن مصر مليئة بالمتاحف، بل إنها تكاد أن تكون متحفًا مفتوحًا. فنجد بمختلف أقاليمها ومحافظاتها آثارًا كثيرة متناثرة هنا وهناك، سواء في الوجه البحري أو الوجه القبلي، غير أنها كثيرة كثرة واضحة في صعيد مصر. وفضلًا عن هذا، فهناك الكثير والكثير من المتاحف التي تتنوع مقتنياتها بين قديم وحديث في كل محافظات مصر تقريبًا. فكما يُطلق على مصر أنها "بلد الأهرامات" أو "بلد السد العالي" أو "بلد النيل"، يمكن أن يُطلق عليها أيضًا أنها "بلد المتاحف".

ففي القاهرة وحدها يوجد أكثر من 41 متحفًا، من أهمها ـ وعلى رأسها ـ المتحف المصري بالتحرير، الذي يدور حوله هذا المقال. وفي محافظة الجيزة يوجد أكثر من 25 متحفًا. وفي محافظة الإسكندرية يوجد أكثر من 7 متاحف. وهكذا، لا تخلو محافظة من محافظات مصر من أكثر من متحف. فمصر تمتلك وحدها أكثر من ثلث آثار العالم.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة