في خطوةٍ تُنذر بتصاعدٍ جديد في حدة التوتر بين موسكو وواشنطن، وافقت وزارة الحرب الأمريكية «البنتاجون» على تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» بعيدة المدى، في تطور يُتوقع أن يفتح فصلًا جديدًا من الصراع المحتدم مع روسيا، التي حذّرت مرارًا من عواقب هذه الخطوة.
صواريخ «توماهوك» إلى أوكرانيا
ونقلت شبكة «سي إن إن» الأمريكية عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين وأوروبيين أن «البنتاجون» أعطى الضوء الأخضر لتزويد كييف بهذه الصواريخ، بعد أن خلص تقييم داخلي إلى أن القرار لن يؤثر سلبًا على المخزونات الاستراتيجية الأمريكية.
وخلال الأشهر الماضية كثّفت أوكرانيا طلباتها للحصول على صواريخ «توماهوك»، التي تمنحها قدرة على استهداف أهداف بعيدة داخل العمق الروسي، بما في ذلك العاصمة موسكو.
وبموجب القرار الأخير، باتت الخطوة بانتظار موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تبنّى مواقف متناقضة حيال تسليح كييف، إذ كان قد أبدى في وقتٍ سابق انفتاحًا على الفكرة، قبل أن يتراجع عنها خلال لقائه الأخير بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض.
وقال ترامب آنذاك إنه يفضّل عدم تزويد أوكرانيا بالصواريخ لأنهم «لا يريدون أن يتخلوا عن الأشياء التي يحتاجونها لحماية بلدهم».
ويُرجّح أن يكون تردد ترامب مرتبطًا بمكالمة هاتفية جمعته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عبّر خلالها الأخير عن قلق بلاده الشديد من تداعيات هذه الخطوة، وتم الاتفاق على عقد قمة بينهما في العاصمة المجرية بودابست.
غير أن القمة أُلغيت لاحقًا، لتتبعها عقوبات أمريكية جديدة على اثنتين من كبريات شركات النفط الروسية، ما يعكس تدهورًا سريعًا في العلاقات بين الجانبين، ويزيد من احتمال موافقة ترامب على تزويد كييف بالصواريخ.
وفي أوروبا، اعتبر مسؤولان أن قبول «البنتاجون» تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» يعزّز ثقة الحلفاء الأوروبيين الذين يرون أن واشنطن لم يعد لديها مبرر لعدم تزويد أوكرانيا بهذه الصواريخ.
من جانبها، حذّرت موسكو في وقتٍ سابق من أن تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك» سيُعدّ «عملًا عدائيًا مباشرًا»، مشددةً على أن ذلك قد يؤدي إلى تصعيدٍ خطير في مستوى التوترات والمخاطر الأمنية العالمية.
وكان الرئيس الروسي قد أكّد شخصيًا أنه في حال توجيه ضربات لبلاده بصواريخ «توماهوك»، فسيكون الرد حاسمًا «إن لم يكن ساحقًا»، وأضاف في الوقت ذاته أن «هذه محاولة للتصعيد، لكن إذا استُخدمت هذه الأسلحة ضد الأراضي الروسية... فليفكروا في الأمر».
وفي المقابل، أكّد زيلينسكي الأسبوع الماضي أن بلاده تأمل في توسيع قدراتها بعيدة المدى بحلول نهاية هذا العام حتى تنتهي الحرب «بشروط عادلة» للبلاد.
توظيف صعب
وحال تزويد أوكرانيا بصواريخ «توماهوك»، فإن الطريق أمام كييف لا يخلو من عقبات معقدة قد تعرقل استخدامها الفعّال لتلك الصواريخ المتطورة.
فمن الناحية التقنية، تُطلق «توماهوك» عادة من السفن الحربية أو الغواصات، في وقت تعاني فيه البحرية الأوكرانية من استنزاف كبير، ما يجعل خيار الإطلاق البحري شبه مستحيل.
كما يواجه الجيش الأوكراني تحديات تشغيلية ولوجستية تتعلق بتدريب القوات على تشغيل الصواريخ ونشرها، وهي مسائل لا تزال قيد الدراسة داخل «البنتاجون»، حسب تقارير إعلامية.
وحتى في حال تسليم الصواريخ، قد تحجم واشنطن عن تزويد كييف بمنصات الإطلاق الأمريكية، ما سيدفع المهندسين الأوكرانيين إلى البحث عن حلول هندسية بديلة لتكييف الصواريخ مع أنظمتهم المحلية، على غرار ما حدث سابقًا مع صواريخ «ستورم شادو» البريطانية، وهو ما يجعل مهمة استخدام «توماهوك» تحديًا تقنيًا جديدًا لأوكرانيا في حربها الممتدة مع روسيا.
صاروخ «توماهوك»
يُعدّ صاروخ «توماهوك» أحد أبرز الصواريخ الهجومية بعيدة المدى التي تمتلكها الولايات المتحدة، ويتميّز بقدرات تقنية متقدمة جعلته عنصرًا أساسيًا في ترسانة القوات البحرية الأمريكية.
ويُصنّف «توماهوك» كصاروخ كروز بعيد المدى، يصل مداه إلى ما بين 1600 و2500 كيلومتر، ويزن رأسه الحربي نحو 450 كيلوغرامًا.
ويُطلق عادةً من السفن الحربية أو الغواصات، إذ صُمّم للتحليق بسرعاتٍ دون سرعة الصوت وعلى ارتفاعاتٍ منخفضة، ما يجعله قادرًا على تفادي أنظمة الرصد والرادارات.
ويعتمد الصاروخ على أنظمة توجيه متطورة تمنحه دقةً عالية في إصابة الأهداف البرية، ويبلغ سعر الوحدة الواحدة من هذا الصاروخ نحو 1.3 مليون دولار، ما يعكس قيمته التسليحية المتقدمة في العمليات العسكرية الحديثة.
وفي الحرب الدائرة في أوكرانيا، تمتلك روسيا قدرةً صاروخية مدمّرة حين يتعلق الأمر بضرب المدن الأوكرانية، بما في ذلك العاصمة كييف، أما على الجانب الآخر فيفقد الأوكرانيون هذه الميزة، إذ يقتصر الدعم الغربي لهم على صواريخ قصيرة المدى نسبيًا.
وبهذا يتضح الفارق الذي سيحدث حين تحصل كييف على «توماهوك»، إذ يقدّر معهد دراسات الحرب الأمريكي وجود 1900 هدفٍ عسكري روسي ضمن مدى صاروخ «توماهوك» الأطول، الذي يزيد مداه على 1500 ميل.