يجسد افتتاح المتحف المصري الكبير قدرة الدولة المصرية على تنفيذ المشروعات القومية العملاقة وفق أعلى معايير الإدارة الهندسية والتخطيط الشامل، ليكون هذا الصرح العالمي شاهدًا على مكانة مصر الحضارية، ونموذجًا متكاملًا لتضافر مؤسسات الدولة في مجالات التخطيط العمراني والبنية التحتية والنقل والصناعة والخدمات اللوجستية.
وخلال السنوات الأخيرة، أثبتت مصر أن البناء الحضاري لا ينفصل عن قوة الدولة الحديثة، وأن الاستثمار في مشروعات النقل والطرق والموانئ والمطارات يمثل ركيزة أساسية لتعزيز السياحة واستدامة النمو الاقتصادي.
شبكة نقل ذكية تخدم المتحف
يستفيد المتحف المصري الكبير من شبكة نقل حديثة جعلت الوصول إليه أكثر سهولة عبر محاور رئيسة وخطوط مترو وأنظمة مواصلات جماعية ذكية وخضراء، تُسهم في تحسين تجربة الزائر وتقليل الازدحام المروري في واحدة من أكثر مناطق العالم جذبًا للسياح.
ومن أبرز تلك المشروعات الخط الرابع لمترو الأنفاق، الذي يخدم المتحف مباشرة من خلال محطة المتحف المصري الكبير المقابلة له، إلى جانب محطة الرماية التي تبعد نحو 600 متر فقط. ويتكامل الخط الرابع مع خطوط المترو الأخرى عبر محطة الملك الصالح (الخط الأول) ومحطة الجيزة (الخط الثاني)، كما يجري تبادل الخدمة مستقبلًا مع الخط السادس في محطة السيدة عائشة.
كذلك، ستتصل المرحلة الثالثة من الخط الرابع بـ مونوريل غرب النيل في ميدان الحصري، والمرحلة الرابعة بـ القطار الكهربائي الخفيف (LRT) في محطة مطار العاصمة، فضلًا عن تبادل الخدمة مع مونوريل شرق النيل في محطة هشام بركات، بما يحقق ربطًا شاملًا بين مختلف مناطق القاهرة الكبرى والمتحف المصري الكبير.
إلى جانب المترو، يخدم المتحف مشروع الأتوبيس الترددي الكهربائي السريع (BRT)، أحد أهم مشروعات النقل الجماعي الأخضر المستدام، من خلال 48 محطة، بينها محطة المتحف المصري الكبير الواقعة عند تقاطع الطريق الدائري مع طريق الإسكندرية الصحراوي أمام المتحف مباشرة.
كما تغطي الخدمة محطات الهرم وفيصل وترسا وتقاطع الدائري مع الفيوم، وتربط المحاور الرئيسة مثل السويس وعدلي منصور والمرج ومسطرد، وصولًا إلى العاصمة الإدارية الجديدة، لتوفر وسيلة نقل حضارية وسريعة وآمنة تتكامل مع باقي وسائل النقل.
الصناعة الوطنية في قلب المشروع
لم يقتصر التميز في تنفيذ المتحف على التصميم والإنشاء فحسب، بل امتد إلى مراحل نقل وعرض القطع الأثرية التي شهدت تطبيقًا دقيقًا لمعايير سلاسل الإمداد والتوريد باستخدام خامات مصرية ومعايير تصنيع متقدمة.
وشاركت المصانع الوطنية في أعمال التغليف والتجهيز والحوامل الأثرية والواجهات والتجهيزات الداخلية، ما يعكس تطور الصناعة المحلية وقدرتها على تنفيذ مهام حساسة بمعايير عالمية.
محور حضاري واقتصادي
وإلى جانب دوره الثقافي، يشكّل المتحف المصري الكبير قاطرة جديدة للاقتصاد المعرفي القائم على السياحة المستدامة والصناعات الثقافية والإبداعية، مثل التصميم والنحت والمعادن والزجاج والمنتجات التذكارية عالية الجودة.
هذه الصناعات لا تقتصر على كونها منتجات، بل تمثل خبرات تراكمية وفرص عمل نوعية لشباب مصر في مجالات عالية المهارة.
تنظر الدولة إلى المتحف باعتباره محورًا حضاريًا واقتصاديًا يربط بين منظومة النقل الذكي وجذب الاستثمارات وتطوير الخدمات السياحية، عبر تطوير محيطه وربطه بشبكات الطرق والمحاور اللوجستية التي تسهّل حركة السائحين داخليًا، ما يعكس رؤية شاملة تربط التاريخ بالبنية التحتية الحديثة، وتحول منطقة الأهرامات والمتحف إلى مركز عالمي قادر على زيادة تدفقات السياحة والإنفاق الأجنبي.
ويضع افتتاح هذا الصرح العملاق على عاتق قطاعات الصناعة والنقل مسؤولية مستمرة لتطوير الخدمات الداعمة، وتعزيز التصنيع المحلي والمكونات الوطنية، وزيادة القيمة المضافة للصناعات المرتبطة بالسياحة الثقافية، فكل قطعة أثرية معروضة هي فرصة لمنتج صناعي مصري، وكل سائح يصل إلى البلاد هو إضافة لحركة النقل واللوجستيات والخدمات والتجارة.