بين النيل الذي يجري بهدوء والأهرامات التي تصطف كحراس الزمن، كانت الحياة في مصر القديمة تنبض بالحكمة والفضيلة، وكان الناس منذ الصغر يتعلمون أن الاحترام والعدل والصدق وضبط النفس والتواضع والرحمة والاجتهاد في العمل هي مفاتيح الحياة الطيبة.
كانت الأسرة هي مركز العالم، والعمل وسيلة للكرامة، والمعرفة طريقًا للفهم العميق لكل شيء، وكل تصرف حسن كان يزرع بذرة السعادة في القلوب ويقوي روابط المجتمع لتصبح الفضيلة دليلًا يوميًا في كل خطوة من خطوات الحياة، من البيت إلى السوق ومن المجلس إلى الحقول ومن ضفاف النيل حيث يبدأ النهار وينتهي.
تعاليم الحكيم بتاح حتب للأبناء
وبينما تغرب الشمس خلف الأهرامات ذات يوم، جلس آخت حتب عند قدمي والده الحكيم بتاح حتب -وزير أحد ملوك الأسرة الخامسة- وقال: "يا أبي، أرشدني إلى طريق الحياة الحكيمة"، فابتسم الأب وقال: "الحياة بحر واسع يا بني، والفضيلة سفينة تعبر بك آمنًا".
علمه كيف يحب شريكة حياته، يعتني بها، يزرع السعادة في قلبها، ويعاملها برفق وحنان، وأخبره أن القسوة تهدم البيت كما تهدم الرياح حصنًا من طين.
أخذ الحكيم بتاح ابنه إلى الحديقة حيث يلعب الأطفال وقال: "انظر إلى هؤلاء الصغار، فهم المستقبل، وإذا رزقك الله ولدًا، اهتم بتربيته، ووجهه بالحكمة والحزم، وابتعد به عن رفاق السوء.. ابنك قطعة منك وروحه امتداد لروحك".
وفي السوق بين الحرفيين والفلاحين، قال الحكيم حتب لابنه: "العمل يجلب الثروة والكرامة، واحرص على الاجتهاد دائمًا، وأكمل ما هو مطلوب منك، فكل عمل صالح ينمو ويصبح أساس حياة كريمة، ولا تتكبر بسبب علمك، فالحكمة قد تظهر في أي مكان، حتى بين النساء عند الطواحين".
آداب المجلس
في مجلس القصر، علم الأب ابنه أسلوب التعامل مع الناس: "عند دخول المجلس، كن صبورًا ومنتبهًا، لا تقاطع الآخرين، ابتسم عند ضحكهم، واستمع لكل كلمة.. الاحترام يرفع مقامك بين الناس ويجعل ما تفعله مقبولًا".
وحين غضب ابن أخيه في حضورهم، قال الحكيم بتاح: "الصبر مفتاح الحكمة، والكلمات في لحظة الغضب كالسهام، فاهدأ قبل الكلام وفكر بحكمة قبل الرد، وبهذا تحافظ على كرامتك وعلى كرامة الآخرين".
اختيار الأصدقاء
في رحلة على ضفاف النيل، قال الأب: "الصديق الحقيقي يظهر بالوقت والمحادثة، لا تسأل الآخرين عنه، اختبره بنفسك، راقب تصرفاته وأخلاقه، وكن حذرًا عند مشاركة أسرارك".
مرت السنوات، وكبر الابن وهو يتذكر كل تعاليم أبيه.. حب الأسرة، تربية الأبناء، الاجتهاد في العمل، التواضع، الصبر، اختيار الأصدقاء، والعدل، وقال الابن: "أدركت الآن أن الحياة ليست جمع ثروات أو البحث عن القوة، إنما تكون بالقيم والفضيلة"، ابتسم الأب وقال: "نعم يا بني، الفضيلة طريق مستمر، وكل فعل صالح يترك أثرًا بعد الرحيل".
عاش الابن وفق تعاليم أبيه، محافظًا على الفضيلة في كل تفاصيل حياته، وأصبحت كلمات بتاح حتب دليلًا يذكره أن الأخلاق أسلوب حياة متكامل.