الجمعة 7 نوفمبر 2025

تحقيقات

الجنوب اللبناني تحت النار مجددًا.. الاحتلال يستهدف 6 بلدات و«حزب الله» يلتزم الصمت

  • 7-11-2025 | 13:38

لبنان

طباعة
  • محمود غانم

شهد لبنان ساعاتٍ عصيبة إثر تصعيدٍ عسكريٍّ واسعٍ شنّه الاحتلالُ الإسرائيلي على مناطقه الجنوبية، في أكبر هجومٍ منذ وقف إطلاق النار المبرم مع «حزب الله» في نوفمبر 2024، بينما التزم الحزب الصمت إزاء الغارات، التزامًا بموقفه المعلن سابقًا بإفساح المجال أمام الدولة اللبنانية لممارسة دورها في مواجهة الاعتداءات.

عدوان على لبنان

وطال العدوان الإسرائيلي أمس ستَّ بلداتٍ لبنانية في الجنوب، شملت طير دبّا في قضاء صور، والطيبة في قضاء مرجعيون، وعيتا الجبل وكفر دونين في قضاء بنت جبيل، إضافةً إلى زوطر الشرقية في قضاء النبطية.

وجاء القصف الذي نفذته المقاتلات الإسرائيلية على هذه البلدات الخمس عقب إنذارٍ مسبقٍ من جيش الاحتلال بإخلائها، بزعم استهداف بنى تحتيةٍ تابعةٍ لـ«حزب الله».

أما البلدة السادسة، عيترون، فقد تعرّضت لغاراتٍ مفاجئةٍ دون أي إنذارٍ مسبق، على خلاف البلدات الأخرى.

وفي غضون ذلك، أكّد جيش الاحتلال الإسرائيلي أن غاراته على جنوب لبنان، التي تستهدف بنى تحتية لـ«حزب الله»، تأتي للتعامل مع المحاولات المحظورة التي يقوم بها الحزب لإعادة إعمار أنشطته في المنطقة.

وفي المقابل، قال إعلامٌ عبريٌّ نقلًا عن مصادر عسكريةٍ إسرائيلية، إن الهدف من الهجمات تمكين تل أبيب من تحقيق غايتها الرامية إلى تجريد «حزب الله» من سلاحه.

وكشفت المصادر أن واشنطن تشارك إسرائيل هذا التقدير، إذ تعتبر أن نزع سلاح الحزب ضروريٌّ تماشيًا مع قرارات الحكومة اللبنانية.

وحسب المصادر ذاتها، فإن الهجمات تتركز على القرى الشيعية القريبة من الحدود، بهدف منع تموضع عناصر الحزب في المناطق المحاذية لإسرائيل، في حين يستعد الجيش الإسرائيلي لاحتمال ردٍّ من «حزب الله»، بما في ذلك على الجبهة البحرية.

ووفقًا للمصادر، فإن الهجمات تأتي في مواجهة ما رصده الجيش في الفترة الأخيرة من محاولات الحزب لإعادة بناء بنيته التحتية العسكرية وتهريب صواريخ وتجنيد عناصر جديدةٍ في صفوفه.

ولم يُعلّق «حزب الله» حتى الآن على هذه المزاعم أو على الهجمات الإسرائيلية، في ما يُعدّ التزامًا بموقفه المعلن مؤخرًا، القاضي بترك مسؤولية الحرب والسلم للدولة اللبنانية.

جريمة مكتملة الأركان

وبدوره، أكّد الرئيس اللبناني جوزاف عون أن ما قامت به إسرائيل في جنوب لبنان يُعدّ جريمةً مكتملة الأركان، وفقًا لأحكام القانون الدولي الإنساني الذي يُجرّم استهداف المدنيين وترويعهم وإجبارهم على النزوح من ديارهم.

كما اعتبر «عون» ذلك جريمةً سياسيةً نكراء، موضحًا أنه كلّما عبّر لبنان عن انفتاحه على نهج التفاوض السلمي لحلّ القضايا العالقة مع إسرائيل، أمعنت الأخيرة في عدوانها على السيادة اللبنانية، وتباهت باستهانتها بقرار مجلس الأمن رقم 1701 وتمادت في خرق التزاماتها.

واستطرد قائلًا: «قرابة عامٍ منذ دخل وقف إطلاق النار حيّز النفاذ، وخلال تلك الفترة لم تدّخر إسرائيل جهدًا لإظهار رفضها لأي تسويةٍ تفاوضيةٍ بين البلدين»، متابعًا: «وصلت رسالتكم».

فيما أكّد الجيش اللبناني أن هذه الاعتداءات المدانة هي استمرارٌ لنهج العدو الإسرائيلي التدميري، الذي يهدف إلى ضرب استقرار لبنان، وتوسيع رقعة الدمار في الجنوب، وإدامة الحرب، وإبقاء التهديد قائمًا ضد اللبنانيين.

وأشار إلى أن هذه الاعتداءات تمنع أيضًا استكمال انتشار الجيش تنفيذًا لاتفاق وقف الأعمال العدائية.

كذلك، أعلنت قوات الأمم المتحدة المؤقتة «يونيفيل» أن الغارات الإسرائيلية تشكّل انتهاكًا واضحًا لقرار مجلس الأمن رقم 1701، موضحةً أن ذلك يأتي في الوقت الذي تقوم فيه القوات المسلحة اللبنانية بعملياتٍ للسيطرة على الأسلحة والبنى التحتية غير المصرّح بها في منطقة جنوب نهر الليطاني.

ودعت إسرائيل إلى وقف هجماتها فورًا وجميع الانتهاكات للقرار 1701، فيما حثّت الأطراف اللبنانية على الامتناع عن أي ردّ فعلٍ قد يزيد من تأزّم الوضع.

خلفية الصراع

وبين الثامن من أكتوبر 2023 وحتى السابع والعشرين من نوفمبر 2024، دارت مواجهاتٌ بين «حزب الله» وإسرائيل، تحوّلت في سبتمبر من العام الماضي إلى حربٍ مدمّرة، قبل أن تبدأ تل أبيب في أكتوبر من العام نفسه توغّلًا بريًّا في الأراضي اللبنانية.

وجاء اندلاع المواجهات أساسًا على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إذ ربط «حزب الله» وقف هجماته بإنهاء الحرب على غزة، لكنه لم يتمكّن من الالتزام بذلك تمامًا تحت ضغطٍ داخليٍّ متزايدٍ طالب بوقف الحرب التي أنهكت لبنان.

وعلى الرغم من أن «حزب الله» أبدى التزامًا باتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في نوفمبر 2024 برعايةٍ أمريكية، وتوقّف فعليًّا عن مهاجمة البلدات الإسرائيلية، فإن إسرائيل انتهكت الاتفاق مئات المرات، بذريعة استهداف عناصر من الحزب أو مواقع يُقال إنها تابعة له.

وتستند إسرائيل في تصعيدها الأخير ضد لبنان إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ على تفكيك جميع المنشآت العسكرية غير المرخَّصة والمعنية بصناعة السلاح داخل الأراضي اللبنانية، ومصادرة الأسلحة غير المرخَّصة، بدءًا من منطقة جنوب الليطاني.

وقد حظي المطلب الإسرائيلي بدعمٍ واضحٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، التي مارست ضغوطًا شديدةً على الحكومة اللبنانية لحصر السلاح في يد الدولة وحدها.

وفي هذا الإطار، اتخذت الحكومة اللبنانية بالفعل خطواتٍ ملموسة، إذ أصدرت في أغسطس الماضي قرارًا يقضي بحصر السلاح — بما في ذلك سلاح الفصائل الفلسطينية و«حزب الله» — بيد الدولة، وتكليف الجيش بوضع خطةٍ لتنفيذ ذلك قبل نهاية عام 2025.

وباشر الجيش اللبناني تنفيذ القرار من خلال تسلّم أسلحةٍ من بعض الفصائل المسلحة داخل البلاد، غير أن العملية واجهت تعقيداتٍ عدّة، في ظل استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية.

وبصفته أقوى فصيلٍ مسلّحٍ في البلاد، أكّد «حزب الله» أنه لن يسلّم سلاحه في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، الذي أبقى قواته متمركزةً في خمس تلالٍ استراتيجيةٍ جنوبيّ لبنان، في انتهاكٍ للاتفاق الذي نصّ على انسحابها الكامل من المناطق اللبنانية التي توغّلت داخلها خلال الحرب.

ورغم أن الحكومة اللبنانية واصلت التأكيد على أنها ماضيةٌ قُدمًا في مسألة نزع السلاح، فإنها وجدت نفسها أمام حرجٍ شديدٍ في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على البلاد من جهة، وتصلّب موقف «حزب الله» من جهةٍ أخرى، لا سيما بعدما ألمح الحزب إلى أن نزع سلاحه قد يجرّ لبنان إلى حربٍ أهليةٍ جديدة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة