عُثر على تمثال الملك زوسر في إحدى الحجرات الصغيرة المعروفة باسم السرداب، الواقعة في الجزء الشمالي الشرقي من المجموعة الجنائزية الملكية بمنطقة سقارة، ليبقى هذا التمثال شاهدًا خالدًا على عبقرية الفن المصري القديم وإبداعه.
تتجلى أهمية التمثال في كونه أحد أقدم التماثيل التي ما زالت قائمة منذ عصور الفراعنة، وهو بحجم طبيعي للملك، حيث يظهر زوسر جالسًا على عرشٍ مهيب مرتديًا ثوبًا فاخرًا، تجسد ملامحه القوة والهيبة التي كانت تميز ملوك الدولة القديمة.
يُعد الملك زوسر من أبرز ملوك مصر القديمة، وُلد عام 2686 قبل الميلاد، وبرز خلال القرن السابع والعشرين قبل الميلاد مع بداية عصر الدولة القديمة. ويُذكر اسمه باعتباره صاحب أول صرح حجري في التاريخ الإنساني، وهو الهرم المدرّج بسقارة، الذي أُقيم تحت إشراف المهندس العبقري إمحوتب، ليكون أول بناء هندسي ضخم شُيّد بالكامل من الحجر الجيري، ويبلغ ارتفاعه نحو 62 مترًا، ويتألف من ممرات ضيقة وغرف داخلية تؤدي إلى منجم القبر.
وقد ورد اسم الملك زوسر باللون الأحمر في بردية تورين، تكريمًا وتمييزًا له عن سائر الملوك، حيث اعتُبر من أوائل من أرسوا أسس الدولة المركزية في مصر القديمة. وتشير المصادر التاريخية إلى اختلافٍ في مدة حكمه؛ فبينما ذكر المؤرخ مانيتون أنه حكم لمدة تسعٍ وعشرين سنة (من 2640 حتى 2611 ق.م)، تُوضح بردية تورين أنه حكم تسع عشرة سنة فقط.
كان عصر زوسر يشهد ازدهار عبادة الشمس التي دعمها الملك بقوة، كما تميز حكمه بنشاطٍ اقتصادي وعمراني واسع، حيث أرسل أولى الحملات الفرعونية إلى وادي المغارة في سيناء لاستخراج النحاس والفيروز، مما أسهم في ازدهار الصناعة والتجارة آنذاك.
ويظل تمثال زوسر في سرداب سقارة قطعة نادرة تختزل ملامح الملك الذي غيّر ملامح العمارة المصرية القديمة، وجعل من الحجارة بدايةً لتاريخٍ خالدٍ لا يزال يُروى حتى اليوم.