تزايدت حدة التوتر الدبلوماسي بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بعدما طالبت بروكسل لندن بدفع مساهمة مالية في ميزانية التكتل للمرة الأولى منذ خروجها من الاتحاد، وذلك كشرط لإلغاء الفحوصات على المنتجات الحيوانية والنباتية وتسهيل تجارة الطاقة بأسعار أقل.
وقال دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي إن "الدول الثالثة التي تريد الوصول إلى السوق الداخلية للاتحاد تدفع.. لا يمكن الحصول على مزايا العضوية دون أن تكون عضوا"، في موقف يشير إلى إلى استعداد الدول الأعضاء لربط أي تخفيف للقيود التجارية بعودة المملكة المتحدة للمساهمة في بعض برامج التمويل الإقليمي، على غرار ما تفعله النرويج وسويسرا، بحسب ما نقلته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
ويعود هذا التصعيد بعد 6 أشهر فقط من إعلان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن "إعادة ضبط تاريخية" للعلاقات خلال قمة وندسور، إلا أن مسار التفاوض تعثر في عدة ملفات، أبرزها "برنامج تنقل الشباب" الذي يتيح العمل والسفر، حيث يتهم دبلوماسيون أوروبيون لندن بالمماطلة، في ظل حساسية ملف الهجرة لدى الحكومة البريطانية.
كما تعثرت المحادثات بشأن إعادة انضمام بريطانيا لبرنامج التبادل الطلابي "إيراسموس+"، حيث نقلت "فاينانشال تايمز" عن مصادر مطلعة على المفاوضات، دون الكشف عن هوياتهم، أن لندن تطالب بخصم بنسبة 50% مقابل المشاركة، وهو ما أثار "استياء كبيرا" لدى الأطراف الأوروبية، على حد وصف أحد الدبلوماسيين.
ويشمل الخلاف أيضا طبيعة الاتفاق، إذ ترغب بريطانيا أن يكون مذكرة تفاهم غير ملزمة، بينما يصر الاتحاد الأوروبي على اتفاق قانوني رسمي يستند إلى إطار "اتفاق التجارة والتعاون" القائم.
وفي مجال الدفاع، تضغط المفوضية الأوروبية على المملكة المتحدة للمساهمة بما يصل إلى 6.5 مليار يورو مقابل استفادة الشركات البريطانية من برنامج القروض الدفاعية الأوروبي بقيمة 150 مليار يورو، ووفق مقترح اطلعت عليه "فاينانشيال تايمز"، فإن انضمام لندن يسمح بزيادة حصة الشركات البريطانية من العقود الدفاعية الأوروبية من 35% إلى ما بين 50% و65%.
وأشارت المصادر إلى انقسام داخل الاتحاد الأوروبي حول نسبة المشاركة المقترحة، حيث تدفع فرنسا باتجاه الحد من استفادة بريطانيا، بينما تقود ألمانيا مجموعة من الدول المؤيدة لرفع مستوى المشاركة.
أما فيما يتعلق بأسواق الطاقة، يسعى الطرفان لإعادة الربط بين شبكات وأسواق الكهرباء، لكن بروكسل تربط ذلك بامتثال لندن لقواعد الدعم الحكومي الأوروبية والمعايير البيئية، فضلا عن ربط نظام تداول الانبعاثات البريطاني بنظيره الأوروبي، وهو مطلب يُتوقع أن يثير معارضة في لندن.
ونقلت الصحيفة عن دبلوماسي أوروبي، دون ذكر اسمه، أن "البريطانيين يمارسون ضغطا كبيرا على الدول الصغيرة، وهذا جزء من تكتيكهم المعتاد، يدفعون التفاوض إلى اللحظة الأخيرة ثم يتراجعون جزئيا".
في المقابل، قال متحدث باسم الحكومة البريطانية: "نعمل مع الاتحاد الأوروبي لتنفيذ الحزمة المتفق عليها في قمة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.. لن نقبل سوى اتفاقيات تحقق فائدة للمملكة المتحدة والصناعة البريطانية.. لم يتم الاتفاق على شيء بعد".
أما المفوضية الأوروبية فأكدت في بيان أن "القمة دشنت فصلا جديدا في العلاقات بين الجانبين، من خلال اتفاقات طموحة تعزز الازدهار على جانبي القناة وتقوي التعاون في الأولويات المشتركة".