أطلت الكاتبة العالمية شيماماندا نغوزي أديتشي على جمهور الدورة الرابعة والأربعين لمعرض الشارقة الدُّوَليّ للكتاب، في جلسة حوارية تحدّثت فيها عن روايتها الجديدة "إحصاء الأحلام" الصادرة هذا العام باللغتين الإنجليزية والفرنسية، كاشفةً تفاصيل تجربتها الإبداعية وأبعادها الإنسانية والفكرية.
وتحدثت أديتشي، النيجيرية الأمريكية، الحاصلة على زمالة ماك آرثر وجائزة المرأة للخيال الأدبي، في جَلسة حاورها فيها عبدالكريم حنيف، عن رؤيتها للكتابة بوصفها فعلًا للمقاومة والبحث عن الذات، مؤكدة أن الأدب بالنسبة لها مساحة للبوح والتعافي وإعادة رسم صورة المرأة الإفريقية في الأدب الحديث.
وقالت أديتشي: "كتبت هذه الرواية لأعيد تعريف الهُوِيَّة الإفريقية من منظور نسائي إنساني، وأمنح المرأة ذات البشرة الملونة مساحة للحلم، فالعالم كثيرًا ما يحاصرها بتصورات مسبقة عن العِرق والثراء والانتماء"، موضحة أن الرواية تطرح أسئلة وجودية عن الانتماء والهوية، وتعالج تحوّلات الذات في مواجهة الاغتراب والتمييز.
وقالت إن رواية "إحصاء الأحلام" تتمحور حول 3 نساء إفريقيات تتقاطع مصائرهن في مدن الغرب؛ اثنتان منهما نيجيريتان وواحدة غينية، مشيرة إلى أن الشخصيات تجسّد وجوهًا مختلفة للمرأة الإفريقية في الشتات، وتكشف عن نضالها اليومي لاستعادة إنسانيتها وسط عالم لا يمنحها فرصة متكافئة.
وفي حديثها عن البُعد الاجتماعي في الرواية، تناولت أديتشي، فكرة الثراء الإفريقي بوصفه موضوعاً ملتبساً في المخيلة الغربية، قائلة "حين يكون الإفريقي ثرياً، يُنظر إليه كمن فقد أصالته، بحيث يعتبرون هذا الثراء ناتج عن فساد أو أن هناك مصدرًا غير معلوم للثروة".
وأضافت أن العمل يناقش كيف تتحوّل الهوية إلى عبء حين تُقاس بالمكانة الاجتماعية أو اللون أو الأصل، وأنها أرادت أن تفكك هذه النظرة الأحادية من خلال شخصياتها.
وانتقلت أديتشي للحديث عن الجانب الشخصي من التجربة، موضحة أن الرواية وُلدت في فترة من الفقد العميق بعد رحيل والديها عامي 2020 و2021.
وقالت "توفي والدي فجأة، وقد كنت ابنته المدللة، ثم رحلت والدتي في يوم ميلاده نفسه، شعرت أن الأرض انسحبت من تحتي، ولم أكتب الرواية بدافع الحزن فحسب، بل بدافع الرغبة في استعادة العالم الذي فقدته"، مضيفة أن "الكتابة كانت وسيلتي للحفاظ على التوازن، وأثنائها كنت أضحك وأبكي في الوقت ذاته، الحزن لا يختفي، لكنه يتحول إلى طاقة كبرى.
وأشارت إلى أنها مرت بفترة جفاف إبداعي استمرت نحو عشر سنوات، معتبرة أن عودتها للكتابة جاءت بدفع من "روح والدتها التي بقيت حاضرة في تفاصيل حياتها"، مضيفه "أنا كاتبة بطيئة جدًا، وربما كانت الكتابة تنتظر أن تتهيأ روحي من جديد، أشعر أن أمي هي التي أعادتني إلى الورق، فالكتابة لم تمحُ الألم، لكنها جعلتني أتصالح معه".
واختُتمت الجلسة بنقاش مفتوح مع الحضور حول الرموز والدلالات في الرواية، لا سيما فكرة "إحصاء الأحلام" بوصفها استعارة لمحاولة الإنسان جمع ما يتبدّد من ذاته وهويته وسط عالم متغير، وأكدت أديتشي في ختام حديثها أن الأدب سيظل بالنسبة لها أداة للمقاومة والشفاء وبحثًا دائمًا عن الحقيقة الإنسانية.
وتُعد شيماماندا نغوزي أديتشي من أبرز الأصوات الأدبية في العالم المعاصر، وواحدة من أكثر الكاتبات تأثيرًا في جيلها، وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 55 لغة، من بينها "أمريكانا" و"نصف شمس صفراء"، و"زهرة الكركديه الأرجوانية"، كما أدرجتها مجلة "تايم" ضمن قائمة أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم، وكرّمتها مؤسسات أكاديمية كبرى من هارفارد إلى إدنبرة تقديرًا لإسهامها في الأدب والفكر الإنساني.