الجمعة 24 مايو 2024

حضانة الطفل

8-3-2017 | 10:34

لقد اهتمت الشريعة الإسلاميِّة بدقائق حياتنا الاجتماعية اهتمامها بشعائرِنا الدينية المتعلقة بأركان ديننا الحنيف، ففصَّلت كل شاردةٍ وواردةٍ تتعلَّق بحياتنا الأُسرية بداية من التفكير فى تكوين الأسرة بالبحث عن صاحبة دين للزواج بها، ومرورًا بعقد النكاح، وما يترتب عليه من وجود الأبناء، وما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات، وانتهاءً ببلوغ الأبناء وتكوين أسرة جديدة.

ومن القضايا المهمة، التى تتعلق بالأسرة: حضانة الأطفال الصغار ورعايتهم من قبل الأبوين أثناء الزوجية، أو من قبل أحدهما إذا انتهت الزوجية لسبب من الأسباب كالطلاق أو الموت، أو من قبل غير الأبوين من القرابة القريبة، إن لم يكن أحدهما صالحا لذلك، وما يلزم من ثبت له حقُّ الحضانة من الواجبات، وما له من حقوق، وما يتعلق بذلك من أحكام، رأيت تفصيلها فيما يلي لما لهذه الأحكام من أهمية كبيرة، تتعلَّق بالإنسان الذى حافظ عليه الشرع، ووجَّه كلَّ النصوص لإصلاح حياته، وحتَّى لا يُتَنازع حول حقِّ الحضانة بين قرابة المحضون، أو يفرِّط المنوط به حضانة الطفل فى طلبها، فيضيع الولد لبقائه من غير حاضن يقوم بشأنه، الذى يعجز هو عن القيام به لصغره.

وفى البداية يجب التأكيد أنه لا فرق بين الحضانة والكفالة، كما أقرَّ بذلك أكثر الفقهاء، حيث يراد بهما رعاية الآدمى، فكلاهما مرادف للآخر يراد بإطلاق أحدهما، وهو حفظ ورعاية من لا يستقل بذلك بنفسه لصغر بالنسبة للذكور، أو عجز عن الحفظ بالنسبة للإناث، أو جنون بالنسبة لمن بلغ منهما غير عاقل.

وحضانة الطفل واجبة على من تعيَّنت عليه أُمًّا كانت أو غيرها، لأن بقاء الطفل وصلاحه لا يكون إلا بها، حيث إنه لا يمكنه القيام بما يبقيه ويصلح شأنه بنفسه، فوجب أن يقوم به غيره لحفظ نفسه، ومعلوم أن حفظ النفس من مقاصد الشريعة الواجبة، وإذا كان حفظ نفس الطفل لا يكون إلا بالحضانة فإن الحضانة تكون واجبة لذلك، لما هو معلوم من شرعنا أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب شرعًا، وقد أجمع الفقهاء فى سائر العصور من بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم- على وجوب حضانة من لا يستقل بحفظ نفسه ورعايتها على قرابته.

والحضانة فى جانب الطفل حق يجب له على من تعينت عليه حضانته، وفى جانب الحاضن تكون فى بعض أحوالها حقا وواجبا فى آن واحد كالأم إذا لم يوجد غيرها ممن يصلح لحضانة الطفل، فالحضانة حق لها لا ينازعها فيه غيرها، وواجبة عليها لا تتمكن من ترك القيام به إن أرادت ذلك.

وتكون فى بعض صورها من الحقوق غير الواجبة على الحاضن، كما لو تعدَّد من يصلحون لحضانة الطفل كالأم والأب وغيرهما، فتكون الحضانة فى حق الأم من الحقوق غير الواجبة عليها، فإن أرادت إسقاط حقها للأب جاز لها ذلك ولا تجبر عليها لوجود غيرها ممن يصلح لتولى حضانة الطفل.

وقد اختلف الفقهاء حول صاحب الحق فى الحضانة فالحنفية، والمالكية على المشهور من مذهبهم، وغيرهم: يجعلون الحق فيها للحاضن، لأن له الحق فى إسقاطها ولو بغير بدل، ولو كانت الحضانة حقا للمحضون لما سقطت بإسقاط الحاضن، وقيل: إن الحق فى الحضانة للمحضون وليس للحاضن.

والذى عليه المحققون من العلماء أن الحضانة يتعلق بها ثلاثة حقوق معا: حق للحاضنة، وحق للمحضون، وحق للأب أو من يقوم مقامه، فإن أمكن الجمع بين هذه الحقوق جمع بينها، وإن تعارضت، قدم حق المحضون على غيره من الحاضنة أو الأب.

وقد رتب الفقهاء على عملية الحضانة مجموعة من الحقوق تثبت للحاضن والمحضون والأب، وهي:

أولًا: إجبار الحاضنة على الحضانة إذا تعيَّنت عليها، حيث تجبر الأم على حضانة الطفل إن تعينت عليها حضانته، كما لو لم يوجد من يصلح لحضانة الطفل غيرها؛ لأن فى تركها للحضانة هلاك للطفل وإبطال لحقه. ولا تجبر على الحضانة إذا لم تتعين عليها، كما لو وجد من يصلح لحضانة الطفل غيرها ممن يحق لهم حضانته كالأب، حيث إنه لا يترتب على تركها للحضانة إضرار بالمحضون، والحضانة من حقوقها فلها إسقاطها ما لم تكن واجبة عليها، وهى هنا غير واجبة بخلاف ما لو تعينت عليها.

ثانيًا: الاختلاف فى سقوط الحضانة بالإسقاط، فإذا أسقط الحاضن حقه فى الحضانة، فقد اختلفت كلمة الفقهاء: حيث يرى الحنفية وبعض المالكية: أن الحضانة لا تسقط بإسقاط الحاضن حقه فى الحضانة. وعللوا ذلك بأن الحضانة حق للولد، فلا تملك الحاضنة أو الحاضن الذى تعينت عليه إسقاطها.

بينما يرى المالكية فى مشهور المذهب: أن إسقاط الحق فى الحضانة من الحاضنة أو الحاضن جائز ويسقط به الحق فى الحضانة بشرط عدم تضرر الطفل بذلك، فلو كانت الأم هى الحاضنة وكان الطفل شديد التعلق بأمه ويتضرر بفراقها لم يصح. وإذا سقط حقها فى الحضانة فإن الحق ينتقل عندهم إلى الأب فى مشهور مذهبهم، لكن المفتى به وعليه العمل عندهم أن الحق ينتقل إلى من يليها فى حق الحضانة ولا ينتقل إلى الأب..

أما ثالث الحقوق المترتبة على الحضانة فهى: لا يسقط حق الأم فى الحضانة وإن لم تكن مرضعته.. فإذا كانت الأم هى الحاضنة وكان للطفل مرضع غيرها، كما لو استأجر الأب من ترضع الطفل، فلا يجوز أخذ الطفل من الأم لذلك، بل ترضعه المرضعة عند الأم أو تأخذه لإرضاعه ثم يرد إلى الأم، لأن لها الحق فى حضانته فلا يسقط الحق بإرضاع الغير له، لأن الرضاعة بعض ما يحتاجه الطفل فى الحضانة وليس كل الحضانة، فيبقى حق الأم فى الحضانة كما لو كانت هى المرضع للطفل.

أما رابع الحقوق فهو أن الأب لا يملك انتزاع الطفل من الأم بغير مسوّغ شرعى: فإذا أراد الأب أن يأخذ الطفل من الأم فى مدة الحضانة ليقوم بحضانته بنفسه أو يسلمه إلى غيرها لتقوم بحضانته، فلا يحق له ذلك، وعلى القاضى أن يرده إلى أمه؛ لأن حق الحضانة وإن كان يثبت للأب إلا أنه عند التعارض يقدم حق الأم على حق الأب، وهنا تعارض حق الأب مع حق الأم فيقدم حقها على حقه، وقد رُوى عن عَمْرُو بن شُعَيْبٍ عن أبِيهِ عن جَدّهِ عَبْد الله بنِ عَمْرِو: «أَنّ امْرَأَةً قالَتْ: يَا رَسُولَ الله إنّ ابْنِى هذَا كَانَ بَطْنِى لَهُ وَعَاءً، وَثَدْيِى لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِى لَهُ حِوَاءً، إِنّ أبَاهُ طَلّقَنِى وَأَرَادَ أنْ يَنتَزِعَهُ مِنّى، فقالَ لَها رَسُولُ الله: أَنْتِ أحَقّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي. وأيضا ما روى عنه أنه قال» مَنْ فَرّقَ بين وَالِدَةٍ وَوَلَدِها فَرّقَ الله بَيْنَهُ وبين أحِبّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فالدلالة واضحة من الحديثين الشريفين على أحقية الأم بالحضانة وعدم جواز انتزاعها منها من قبل الأب أو غيره.