تتصاعد حالة الجدل داخل أروقة مجلس الأمن الدولي حول مشروع القرار الأمريكي الخاص بنشر قوة دولية في قطاع غزة، والذي يتضمن إقامة ما يُسمى بـ"مجلس السلام" برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصيًا، وسط تحفظات دولية واسعة على بنود المشروع، ما خلق انقسامات بين أعضاء المجلس.
مشروع القرار
وحسب ما نقلته وسائل إعلام أمريكية عن أربعة دبلوماسيين في الأمم المتحدة مُطلعين على الأمر، فإن كلًا من روسيا والصين، اللتين تتمتعان بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، دعوا إلى حذف "مجلس السلام" من الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي.
ولا تزال الولايات المتحدة تتمسك في أحدث مسودة لمشروع القرار بإقامة "مجلس السلام"، مع تعزيز الالتزام بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، رغم أن الصياغة لا تزال ضعيفة.
وهذه التعديلات – وفق ما أورده إعلام عبري عن مصادر – تتضمن بنودًا "غير مريحة لإسرائيل"، من بينها بند ينتزع من إسرائيل حق النقض بشأن اختيار الدولة التي سترسل قوات إلى قوة الاستقرار، إضافة إلى المسار المفضي إلى دولة فلسطينية.
ومع ذلك، تؤكد المصادر أن المقترح ما يزال يحافظ على الإطار العام لاتفاق وقف إطلاق النار، حتى وإن كان أقل ملاءمة بالنسبة إلى الرؤية العبرية.
الرفض لم يتوقف عند موسكو وبكين، حيث إن دولًا عربية أبدت قلقها من غياب أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة، حيث لم يتضمن المشروع الأمريكي أي دور للسلطة، وفقًا لما أورده إعلام أمريكي.
كانت مصر أكدت أن هناك ملاحظات للعديد من الدول على مشروع القرار الأمريكي، معربة عن أملها في أن يأتي القرار الأممي بالشكل الذي يحافظ على الثوابت الخاصة بالقضية الفلسطينية، وبما يتيح نشر القوة الدولية في أسرع وقت ممكن.
غير أنها رهنت ذلك – في تصريحات على لسان وزير خارجيتها بدر عبد العاطي – بتحقيق التوافق، وبما يجعل هذا القرار من خلال صياغته المُحكمة قابلًا للتنفيذ على أرض الواقع.
وشددت: "نتحرك وهناك ملاحظات للعديد من الدول، وهم منخرطون في النقاش في نيويورك، ونأمل في أن يتم التوصل إلى صياغات توافقية تعكس الشواغل وأولويات كل الأطراف، ودون المساس بالثوابت الفلسطينية خاصة الحق الأصيل للشعب الفلسطيني في إقامة دولته على كامل التراب الوطني".
وكانت الولايات المتحدة قد وزعت مشروع القرار لأول مرة الأسبوع الماضي على أعضاء مجلس الأمن الـ15، حيث يمنح المشروع قوة الاستقرار تفويضًا دوليًا واسعًا لتوفير الأمن في غزة حتى نهاية عام 2027، بالتعاون مع "مجلس السلام" الذي لم يُنشأ بعد.
ومن جانبها، قدمت روسيا مسودة مشروع قرار في الأمم المتحدة بشأن خطة إنهاء الحرب في غزة، قالت إنها مستوحاة من مشروع القرار الأمريكي.
وتطالب المسودة الروسية بأن يحدد الأمين العام للأمم المتحدة خيارات قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، كما أنها لا تذكر "مجلس السلام" الذي اقترحت الولايات المتحدة إنشاءه لإدارة الفترة الانتقالية في القطاع.
وفي المقابل، حثت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مجلس الأمن على المضي قدمًا في الموافقة على النص الأميركي.
وأكدت البعثة أن "محاولات زرع الشقاق الآن – عندما يكون الاتفاق على هذا القرار قيد التفاوض النشط – لها عواقب وخيمة وملموسة ويمكن تجنبها نهائيًا بالنسبة للفلسطينيين في غزة".
وأضافت: "وقف إطلاق النار هش، ونحث المجلس على الاتحاد والمضي قدمًا لتحقيق السلام الذي تشتد الحاجة إليه".
وفي التاسع من أكتوبر 2025، أُعلن عن التوصل إلى اتفاقٍ جديدٍ لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، بدأ سريانه في اليوم التالي، وذلك خلال مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل وفصائل فلسطينية تقودها حركة حماس، استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية، في إطار الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويُعدّ هذا الاتفاق الثالث من نوعه منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على القطاع، إذ تمّ التوصل إلى الاتفاق الأول في نهاية نوفمبر 2023 واستمر سبعة أيام، تلاه اتفاق ثانٍ في يناير 2025 دام نحو 58 يومًا، قبل أن ينهار كلاهما بسبب التعنّت الإسرائيلي.
وأوقف هذا الاتفاق حرب الإبادة الإسرائيلية التي استمرت لعامين ضد المدنيين العُزّل في قطاع غزة، حيث أسفرت عن استشهاد وإصابة أكثر من 239 ألف شخص، فضلًا عن دمار هائل لحق بالمنازل السكنية والبنى التحتية، ومجاعة أودت بحياة مئات الأشخاص.