بدأ مسؤولون في منطقة اليورو عملية تمتد لعامين لإعادة تشكيل معظم مقاعد المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، بما في ذلك مقعد رئيسته "كريستين لاجارد"، وهي خطوة تثير تساؤلات حول مدى تمثيل المؤسسة للشرائح التي تخدمها.
وعلى عكس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، الذي يستعد لتغيير قيادته العام المقبل وسط انتقادات من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن أسعار الفائدة، يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يطمئن إلى أن استقلاليته لن تُمسّ خلال عملية التغيير وأن سياساته لن تكون محل تشكيك، بحسب ما نقلته صحيفة "الجارديان" البريطانية.
لكن التعقيدات المؤسسية داخل الاتحاد الأوروبي، التي توفر درعا للبنك ضد الضغوط السياسية، كشفت في الوقت نفسه عن سجل ضعيف للغاية في التنوع مقارنة بكبرى البنوك المركزية حول العالم، وهي مؤسسات لا تزال تهيمن عليها النخب البيضاء من الاقتصادات الغربية الكبرى.
وتأتي أحدث فرصة لسد بعض فجوات التمثيل مع قرب انتهاء ولاية نائب رئيس البنك لويس دي جيندوس مطلع العام المقبل، ويرى المنتقدون أن غياب التنوع الجغرافي والنوعي والعرقي داخل البنك يتركه عرضة لـ"نقاط عمياء" في قراءة اقتصاد كتلة تضم 20 دولة و350 مليون نسمة، ما يؤثر على فهم صناع السياسات لواقع معيشة الأسر ومعاناتها مع التضخم وأسعار الفائدة.
وتُظهر الأرقام فجوة صارخة على مقاعد المجلس الحاكم، المؤلف من 26 عضوا، حيث يجلس 24 رجلا، أما المحافظين العشرين للبنوك المركزية الأوروبية، فجميعهم رجال، كما هيمنت فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا تاريخيا على المقاعد الستة للمجلس التنفيذي، بينما لم تحصل أي دولة من دول أوروبا الشرقية، التي تمثل ثلث الكتلة، على مقعد واحد منذ تأسيس البنك عام 1998.
وقالت ماريا ديمرتسيس من مركز "ذا كونفرنس بورد": "عندما يتعلق الأمر بتمثيل النساء، فإن سجل البنك المركزي الأوروبي مخجل .. التنوع مهم، لا يمكن اتخاذ قرارات جيدة إذا كان من يتخذونها يمثلون شريحة ضيقة للغاية من المجتمع".
وطرحت دول كرواتيا وفنلندا واليونان ولاتفيا والبرتغال أسماءها لخلافة دي جيندوس، ما يرجح أن تذهب الفرصة لدولة صغيرة وربما من أوروبا الشرقية، إلا أن محللين يرون أن هذا المقعد الأقل تأثيرا بين 4 مقاعد شاغرة مرتقبة، تشمل رئيس البنك وكبير الاقتصاديين ورئيس عمليات السوق، الذين ستنتهي ولاياتهم غير القابلة للتجديد في 2027.
وقال كارستن بريزسكي من بنك "آي إن جي" الأوروبي: "إذا اختاروا من أوروبا الشرقية، فسيكون ذلك بمثابة منحة رمزية، لأن دور نائب الرئيس ليس مؤثرا بالقدر نفسه".
أما بنوك مركزية أخرى فتتقدم على المركزي الأوروبي في سد فجوة التنوع؛ إذ أصبح لدى لجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا أغلبية نسائية، بينما يقسم البنك المركزي السويدي مجلسه بالتساوي بين الرجال والنساء، ويقترب البنك المركزي النرويجي من ذلك.
وفي الولايات المتحدة، أصبح الاحتياطي الفيدرالي أكثر تنوعا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ترامب يحاول عكس هذا المسار بعزله "ليزا كوك"، أول امرأة من أصول أفريقية في لجنة الفيدرالي، وترشيح رجل بدلا منها.
وتشير دراسات إلى أن المشكلة أعمق من التعيينات العليا، إذ لا تزال نسبة النساء في صفوف موظفي الاقتصاد داخل الفيدرالي الأمريكي عند 22% فقط بعد 20 عاما.
ورفض البنك المركزي الأوروبي التعليق على عملية الاختيار، إذ لا يملك دورا رسميا فيها، ورغم أن لاجارد دعت مرارا لمزيد من الشمولية وحذرت من أن التضخم يضرب الفقراء والنساء بشكل أشد، إلا أنها لا تملك تأثيرا مباشرا على هوية صناع السياسة المستقبليين.
ويُسمي وزراء مالية منطقة اليورو أعضاء المجلس التنفيذي، فيما يُقرّهم قادة الاتحاد الأوروبي بعد جلسة استماع في البرلمان الأوروبي، الذي يستطيع فقط إرجاء التعيينات وليس منعها.