يظل اسم قاسم أمين حاضرًا كأحد أبرز دعاة النهضة والتنوير في مصر مطلع القرن العشرين، ورمزًا لصراع فكري صاخب بين القديم والجديد.ط، فمنذ نشأته الأرستقراطية في الإسكندرية عام 1863، مرورًا برحلته العلمية في فرنسا التي فتحت أمامه أبواب الفكر الحديث، وحتى عودته للدفاع عن مجتمعه والمطالبة بإصلاح أحوال المرأة، شكل قاسم أمين علامة فارقة في مشروع التحديث المصري، لم يكن مجرد أديب أو قاض أو أحد مؤسسي الجامعة المصرية، بل كان عقلًا ثائرًا حمل هم التحرر والعدالة، وخاض معارك فكرية شرسة بقيت آثارها ممتدة حتى اليوم.
ولد قاسم أمين، في الأول من ديسمبر عام 1863م في الإسكندرية، وكان والده كان من أصل تركي عثماني، ينتمي إلى عائلة أرستقراطية، وأصبح قائد جيش الخديو إسماعيل باشا، ووالدته هي ابنة أحمد بك خطاب ابن طاهر باشا، ابن شقيق محمد علي باشا.
تلقى تعليمه بكلية الحقوق وعمره لم يتجاوز 17 عامًا، وأختير ضمن 37 شخصًا فقط في منحة حكومية للدراسة في فرنسا بجامعة مونبيليه، حيث تأثر بالفكر المجتمعي للحياة الفرنسية الذي كان يغلب عليها طابع الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة.
شغل أمين مناصب عدة منها: أمين عام جامعة القاهرة، ونائب رئيس جامعة القاهرة، ورئيس محكمة الاستئناف القومية بالقاهرة وغيرها.
تأثر قاسم أمين بالحركة النسوية التي عاصرها أثناء تواجده في فرنسا، والتي كانت توازيها حركة أخرى في إنجلترا وأمريكا، كما انبهر بالمجتمع الأوروبي، سواء مشاركة المرأة للرجل في الأعمال أو مبادئ الثورة الفرنسية التحريرية الإصلاحية، عاد قاسم أمين عام 1885م محملًا بمبادئ الإصلاح والتحرر التي عاصرها في فرنسا.
بعد عودته من فرنسا، وجد قاسم أمين كتابًا لدوق داركورت يقلل من شأن الثقافة المصرية، ويصف المصريين بالتخلف والرجعية في العادات والتقاليد السائدة، فدافع قاسم بكل شدة عن هذه التهم.
في عام 1894م، أصدر قاسم امين كتابه الأول "المصريون"، حيث دافع فيه عن ثقافة المرأة في مصر بعد انتقادات الدوق داركورت واتهام المجتمع المصري بالتخلف، وفي عام 1899، أصدر كتاب "تحرير المرأة"، وأظهر فيه أن عبودية المرأة هي سبب رئيسي في ضعف مصر، وأن المرأة المصرية هي العمود الفقري لشعب قوي، ما جعل هذا الكتاب يثير معارك شديدة.
كان أمين يرى أن تربية النساء أساس كل شيء، وتؤدي لإقامة مجتمع مصري صالح وتُنشئ أجيالًا واعية من البنين والبنات، عمل على تحرير المرأة، وذاعت شهرته، ولكنه تلقى بالمقابل هجومًا كبيرًا، حيث ظن البعض أن دعوته كانت بمثابة دعوة للانحلال والسفور، رغم أنه لم يدع لذلك في كتاباته.
اشتهر أمين بأنه زعيم الحركة النسائية في مصر، ودافع عن الحرية الاجتماعية، ودعا لتحقيق العدالة، ونادى بالتربية في سبيل النهضة القومية، كما دعا لتحرير اللغة العربية من التكلف والسجع، حيث كان أديبًا بارعًا.
يعتبر قاسم أمين من مؤسسي أول جامعة مصرية، التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم "الجامعة القومية"، وهي النواة الأولى لجامعة القاهرة الآن، كان يعمل عضوًا في اللجنة التأسيسية، وكان دائمًا يشيد بأن مصر بحاجة إلى جامعة على الطراز الغربي.
توفي قاسم أمين في 23 إبريل من عام 1908، بعد رحلة ملئية بالمواجهات والحروب الفكرية، ورثاه عدد كبير من الشعراء مثل خليل مطران وحافظ إبراهيم وغيرهم.