تواجه وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز، غدا /الأربعاء/، اختبارًا جديدًا، عندما تعرض ميزانيتها السنوية الثانية، فمن المتوقع أن تكشف عن جولة ثقيلة أخرى من الزيادات الضريبية، في خطوة ستختبر ثقة حزب العمال الحاكم، بينما يراقب سوق السندات بقلق شديد.
وذكرت صحيفة (ديلي تليجراف) البريطانية- عبر موقعها الإلكتروني- أن قبل عام، قالت راشيل ريفز بثقة: "لن نضطر أبدًا لوضع ميزانية مثل هذه مرة أخرى"، مؤكدة أنها نجحت في استعادة الاستقرار المالي من المحاولة الأولى، وأنها لن تعود لفرض زيادات ضريبية جديدة.
وكانت الأشهر الـ18 الأولى صعبة بالنسبة لوزيرة مالية سادس أكبر اقتصاد في العالم، فالخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك إنجلترا — وأول امرأة تتولى منصب وزير الخزانة — بنت هويتها السياسية على أنها البديل عن حالة الفوضى التي عصفت بالسياسة البريطانية في السنوات الأخيرة.
لكن أسابيع من الرسائل المتضاربة الصادرة عنها وعن رئيس الوزراء كير ستارمر بشأن الضرائب أضعفت ثقة المستثمرين والناخبين، واضعة مصداقيتها وربما مستقبل ستارمر السياسي على المحك.
وبحسب استطلاعات؛ لا يرى سوى 9% من البريطانيين أن ريفز تقوم بعمل جيد، مقابل 61% يرون العكس ورغم أن بعض منتقديها يسخرون منها بلقب "راشيل من المحاسبة"، فإن ريفز تقول إنها لا تسعى للشعبية، وتشير إلى الاستثمارات العامة الجديدة في الطاقة النووية والخدمات الصحية كدليل على تأثيرها.
وقالت هذا الشهر- في حديث لهيئة الإذاعة البريطانية- "هل أنجزنا كل ما نريد؟ بالطبع لا، وأنا أول من يعترف بذلك.. لكننا نحقق تقدمًا".
وكانت ريفز لاعبة شطرنج متميزة في صغرها، وهي تأمل الآن أن تحقق ما يسميه اللاعبون "الخدعة": الخروج من وضع خاسر عبر المناورة الذكية للوصول إلى تعادل أو حتى فوز.
ويتمثل ذلك في إقناع الأسواق المالية بأنها تملك خطة مالية موثوقة، وفي الوقت نفسه طمأنت أعضاء حزب العمال القلقين بأنها لم تهدر الفوز الانتخابي الكبير العام الماضي، وما زالت قادرة على تحسين الخدمات العامة وتعزيز الاستثمار والنمو.
ودفعت ريڤز بمفهوم "الاقتصاد الآمن"، الذي يدعو الحكومات للاستعداد لعصر من الصدمات المستمرة لكنها أرجعت هذا الشهر تقلص قدرتها المالية إلى رسوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمركية والصراعات العالمية التي استنزفت هامش الأمان المالي الذي خصصته.
وقال نائب من حزب العمال- طلب عدم الكشف عن هويته- إن ريفز "كانت ضحية الظروف، لكن ربما كان عليها الاستعداد بشكل أفضل".
ومع استمرار ذكرى أزمة "الموازنة المصغرة" التي أسقطت ليز تراس عام 2022، تساءل المستثمرون عما إذا كان حزب العمال يدرك مخاطر فقدان الثقة.
وفي أوائل نوفمبر، بدا أن ريفز تمهّد الطريق لرفع ضريبة الدخل، محذرة من أن الالتزام بالوعد الانتخابي بعدم رفعها سيؤدي إلى خفض كبير في الاستثمارات؛ لذلك تفاجأ المستثمرون عندما صدرت تسريبات حكومية تفيد بالتراجع عن ذلك الاتجاه: ضريبة الدخل لن ترتفع، ما أثار توقعات بزيادات ضريبية متعددة صغيرة وغير واضحة العائد.
وتراجعت السندات الحكومية البريطانية بشكل حاد عقب الإعلان، وقال ديفيد زاهن رئيس الديون الأوروبية في "فرانكلين تمبلتون": "لقد بنت بعض المصداقية… ورأينا عوائد السندات تستجيب لذلك… ثم فقدت كل شيء".
وقال نيكولا ترينداد مدير المحافظ في "أكسا إنفستمنت مانيجرز": "إنه اقتصاد من مجموعة السبع.. لا يمكننا الاستمرار بهذه الطريقة".
لكن المستثمرين يخشون أن أي وزير مالية بديل قد يكون أقل انضباطًا ماليًا، وأن رحيل ريفز قد يوجه ضربة خطيرة لحكومة ستارمر.
ورغم ذلك، ما زال كثيرون يفضلون السندات البريطانية، وتظل عوائد السندات لأجل 10 سنوات أقل بكثير من ذروة الـ27 عامًا المسجلة في سبتمبر، كما تفوقت السندات طويلة الأجل هذا العام على معظم نظيراتها في مجموعة السبع، وإن كان الأداء أضعف منذ فوز حزب العمال العام الماضي — باستثناء السندات اليابانية.
ورغم الضغوط، نجحت ريفز في طمأنة ممثلين عن القطاع المالي خلال زيارتها الأخيرة للولايات المتحدة، بما في ذلك مشاركتها في اجتماع خاص لمعهد التمويل الدولي، بحسب مصدر حضر اللقاء؛ لكن مكانتها لدى مجتمع الأعمال المحلي أقل قوة، بسبب رفع الضرائب على الشركات العام الماضي وحالة الضبابية المستمرة.
واتهم رئيس اتحاد الصناعة البريطانية، ريفز بتجاهل الشركات في صياغة سياسات مهمة، في تناقض واضح مع استمالتها لقطاع الأعمال قبل الانتخابات.
ويظل الخطر الأكبر بالنسبة لريڤز هو رد فعل سوق السندات، يليه احتمال انقلاب نواب حزب العمال عليها إذا حدث اضطراب مالي بعد ميزانية الأربعاء؛ ويعي ستارمر أن مصيره مرتبط بمصيرها، إذ قال لهيئة الإذاعة البريطانية في يوليو: "نحن نعمل معًا ونفكر معًا… نحن في خط واحد".