تُظهر استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أقرّها الرئيس ترامب، أمس الخميس، ملامح السياسة الخارجية للولايات المتحدة خلال الفترة المتبقية من ولايته، بدايةً من أمريكا اللاتينية مرورًا بالشرق الأوسط وأوروبا وصولًا إلى الصين.
أمريكا اللاتينية.. تعزيز عسكري بذريعة مكافحة الهجرة
تؤكد بنود الاستراتيجية على تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في المناطق البحرية الحدودية مع أمريكا اللاتينية، بحجة منع الهجرة ومكافحة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، رغم أن ذلك لا يعدو كونه ذريعة لتوسّع الولايات المتحدة في أمريكا الجنوبية، وتُعد فنزويلا مثالًا غير بعيد على محاولات تغيير الأنظمة والاستيلاء على النفط والمعادن، فضلًا عن تصدير المهاجرين الذين يراهم الرئيس الأمريكي عنصرًا غير مرغوب فيه داخل الولايات المتحدة، رغم أنها دولة بُنيت على أكتاف المهاجرين، ومن المفارقات أن ترامب نفسه من أصول ألمانية.
أوروبا.. تقليص الدور الاقتصادي والبحث عن مكاسب جديدة
وبالنظر إلى بنود الاستراتيجية فيما يخص الجانب الأوروبي، يظهر أن تقليص الدور الاقتصادي لأوروبا يؤدي تلقائيًا إلى تقليل الاعتماد على التحالف معها، فلم تعد أوروبا هي الضامن لتفوّق الهيمنة الأمريكية، كما كان الحال منذ خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، مرورًا بحلف الناتو في مواجهة حلف وارسو، ووصولًا إلى العديد من المحطات مثل حرب الاتحاد السوفيتي في أفغانستان مطلع الثمانينيات، وحرب الخليج الثانية، وغزو العراق، وصولًا إلى الصراع الأوكراني الروسي.
وقد كشف هذا الصراع — الذي كان بمثابة «ورقة التوت» — مدى اتساع الهوة بين الموقف الأوروبي، الذي يرى زيلينسكي مدافعًا عن المبادئ الأوروبية في مواجهة العدو التقليدي الروسي، وبين الموقف الأمريكي الذي يتعامل مع أوكرانيا باعتبارها ساحة صراع ينبغي استغلالها لتحقيق أكبر مكسب ممكن، بمعزل عن الأيديولوجيا التي تتبناها أوروبا.
ومن هذا المنطلق، يرى ترامب — وفقًا للاستراتيجية — ضرورة إنهاء الصراع بين أوكرانيا وروسيا وإعادة العلاقات إلى مسار أكثر هدوءًا مع موسكو، بما يمكّنه من جني ثمار سياسية واقتصادية، كما يؤكد على ضرورة أن تحافظ أوروبا على هويتها، وهو ما يعتقد أنه يتحقق عبر منع الهجرة والوقوف على مسافة من الآخر، وهي دعوة صريحة للأحزاب الشعبوية التي صعدت في أوروبا خلال العقد الأخير، مثل حزب «البديل من أجل ألمانيا» أو صعود رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، للعمل على توسيع نفوذها والهيمنة على المشهد الأوروبي بدعم أمريكي غير مباشر.
الشرق الأوسط.. تراجع التدخل المباشر لصالح الشراكة
أما في الشرق الأوسط، فتشير البنود إلى تراجع الدور الأمريكي المباشر والتدخل العسكري لصالح الشراكات الإقليمية، في إطار سياسة استثمارية — وفق ما ورد في الاستراتيجية — دون التخلي عن الدعم المطلق لإسرائيل بوصفها الشريك الأول للولايات المتحدة في المنطقة، وتحاول واشنطن، من خلال هذه الصياغة، تقديم صورة جديدة تختلف في الشكل، دون أن يطرأ أي تغيير جوهري على المضمون التقليدي لسياستها في الشرق الأوسط.