بقلم – عميد: طارق الحريرى
التغير فى الموقف العسكرى
نجحت قوات الجيش الوطنى السورى فى استعادة مدينة تدمر مرة أخرى من تنظيم الدولة الإسلامية فى عملية عسكرية لا تتضارب مع وقف إطلاق النار طبقا لمقررات أستانا، التى تجيز محاربة التنظيمات الإرهابية، وبذلك استعاد النظام السورى قدرا من الهيبة ومساحة إضافية من الأرض، وفى خطوة أخرى يمكن اعتبارها فارقة تمددت قوات الجيش السورى على المحاور المؤدية إلى منبج، إذ يقطع انتشار القوات السورية فى هذه المناطق الطريق على القوات التركية والفصائل المنضوية تحت إمرتها فى عملية «درع الفرات»، التي كانت تهدف إلى التقدم نحو ريف حلب الشرقى، وسيعزز تقدم الجيش السوري فى نطاق منبج قدرته على استكمال العملية العسكرية، التي بدأها من قبل وتمكن خلالها من تحقيق سيطرة على عشرات القرى والتلال والمزارع بريفي حلب الشرقي والشمالي الشرقي، وتعكس عملية تمدد الجيش السورى فى منبج الاتفاق الصريح بين الجيش السورى وقوات سوريا الديمقراطية، التى تشكل قوات حماية الشعب الكردى، عصبها الأساسى وبعد هذه التحولات العسكرية تتسع مساحة سيطرة النظام فى دمشق مقارنة بباقى أطراف الصراع.
التغير فى الموقف السياسى
بدأت تلوح فى الأفق بوادر معقولة لإمكانية الحل السياسى أخيرا نتيجة للمفاوضات غير المباشرة بين الأطراف من خلال «ستيفان دى مستورا»، وقد أسفرت جولة جنيف ٤ عن تصور للمرحلة المقبلة من المفاوضات تتمثل فى اتفاق الأطراف على مناقشة أربع قضايا تفاوضية مستقبلا بشكل متوازٍ في الجولات المقبلة عبارة عن أربع سلال تعتمد على بيان جنيف وقراري مجلس الأمن وتحديدا القرار ٢٢٥٤.
السلة الأولى تتلخص فى وضع صيغة الحكم في سوريا، والسلة الثانية تتمثل فى إعداد دستور جديد خلال ستة أشهر بعد الاتفاق، والسلة الثالثة عن إجراء انتخابات حرة وديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة خلال ١٨ شهرا، أما السلة الرابعة فتقدم بها وفد الحكومة السورية، وتتضمن وضع استراتجية لمحاربة الإرهاب.
وفى نهاية هذه الجولة أدلى دى مستورا بتصرح دال حول أستانا، عندما صرح بأن محادثات أستانا وجنيف تكملان بعضهما بعضا، وأشار بصفة عامة إلى أن الجولة المقبلة ستكون قبل نهاية شهر مارس الحالي، بعد أن يقدم تقريرا لمجلس الأمن في وقت لاحق، وعقَّب بأن قطار السلام السوري جاهز للانطلاق، وأن الحل فى سوريا سياسي وليس عسكريا، مما يعنى أن المفاوضات بدأت تكتسب قوة دفع تتوفر لها شروط موضوعية.
التوازن الاستراتيجى الحالى
تلعب خريطة القوى العسكرية على الأرض دورا مهما عند بداية أى مفاوضات بحثا عن الحل السياسى من أجل تحقيق السلام فى أعقاب احتدام الصراع بين طرفين أو عدة أطراف تورطت فى معارك شملت جميع أراضى الدولة أو مساحة مؤثرة منها، عندما لا يتمكن طرف من أطراف الصراع المسلح من تحقيق حسم يسمح له بفرض نفوذه والسيطرة ميدانيا ومن ثم سياسيا.
وفى الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف التى جرت برعاية أممية، سعيا لإيجاد حل سياسى للأزمة السورية، من الثابت أن أيا من أطراف النزاع لم يحقق من قبل سيطرة تسمح بأن تكون له الكلمة العليا على طاولة المفاوضات وإن كان النظام قد حقق تقدما ملحوظا قوى كثيرا من وضعه العسكرى بعد نهاية الجولة الأخيرة، وبالتالى تحسن مركزه التفاوضى فى الجولات المقبلة بعد نجاح قواته بمساعدة الطيران الروسى وبعض الحلفاء فى استعادة تدمر والانتشار فى منبج وتوسيع نطاق السيطرة حول دمشق، مما شكل تفوقا نسبيا للجيش النظامى.
كان يفاقم النزاع فى سوريا وتراجع محاولات الحل السياسى أن حربا بالوكالة تتم داخل البلاد تغذيها أطراف إقليمية ودولية، وأن عناصر أجنبية أقحمت على المعارك الدائرة دون أدنى اهتمام بالطبع بمصالح الشعب السورى ودون أدنى اهتمام أيضا بالفرص التى يمكن أن تساعد على استقرار الأوضاع، لكن التوافق الروسى التركى نجح فى توقيع اتفاق أنقرة فى ٢٩ ديسمبر ٢٠١٦ الذى دخل حيز التنفيذ فى اليوم التالى، مما مهد لعودة العملية السياسية فى إطار استمرار الحرب على الإرهاب.
الموقف على الأرض
أولا: الجيش النظامى
تعرض الحيش النظامى السورى لعدة انتكاسات لاحت مع الانشقاقات التى بدأت صغيرة نتيجة تسرع النظام فى استخدام القوات فى مواجهة الاضطرابات، ثم اتسعت هذه الانشقاقات بمرور الوقت مع استفحال الأزمة وتدخل قوى خارجية، ووجد الجيش نفسه متورطا فى اشتباكات متعددة على كامل مساحة الدولة ضد عناصر من الداخل تم تسليحها من المتمردين فى القوات المسلحة وعناصر من الخارج أقحمت على المشهد بأعداد ضخمة، وبعد فترة أصبح هذا الجيش منهكا ومهلهلا بدرجة خطيرة، وبدأت القوات المناوئة للنظام السورى تحقق انتصارات مهمة فى جبهات القتال، لدرجة أن النظام أصبح مهددا بالسقوط وفى مواجهة جحافل متزايدة باستمرار من عناصر مدربة تدريبا متقدما على حروب العصابات تدخلت على مسار الأزمة قوى خارجية لمساندة الجيش السورى، الذى بدأ يسترد عافيته من حلفاء انخرطوا معه فى الميدان ليصبح الأقوى ميدانيا.
ثانيا: القوى المختلفة مع النظام
هى القوى غير المدرجة على اللائحة الأممية للتنظيمات الإرهابية، التى بدأت تتخذ إطارا موحدا حتى ولو شكليا فى مؤتمر “أستانا” الذى عقد برعاية روسية تركية إيرانية، ويؤكد هذا ما نوه عنه أسامة أبوزيد المتحدث باسم الجيش السورى الحر من أن الوفد الذي يشارك في اجتماع أستانا ليس وفد فصائل، بل وفد يمثل جميع الثوار تدعمه كل الفصائل بما فيها والفصائل المشاركة فى أستانا هى الجيش السوري الحر” والفصائل المنضوية تحت جناحه، و”فيلق الشام”، “فرقة السلطان مراد”، “الجبهة الشامية”، “جيش العز”، “جيش النصر”، “الفرقة الأولى الساحلية”، “لواء شهداء الإسلام”، “تجمع فاستقم”، “جيش الإسلام”، وكونوا وفدا برئاسة محمد علوش رئيس الجناح السياسي لفصيل “جيش الإسلام” فى حين امتنع تنظيم “أحرار الشام” عن المشاركة في المفاوضات، إلا أنه أعرب عن دعمه لها وقد قاطع المحادثات كل من “أحرار الشام”، و”صقور الشام”، و”فيلق الرحمن”، و”ثوار الشام”، و”جيش إدلب”، و”جيش المجاهدين”، و”حركة نور الدين الزنكي” والفصائل الرافضة بعضها يتبنى مواقف راديكالية والبعض لم يحسم أمره بعد.
ثالثا: القوى الخارجية
وهى تتمثل فى تشكيلات عسكرية من جيوش دول تواجدت داخل سوريا بقوات صريحة بدأت من روسيا الفيدرالية التى أنشأت “قاعدة حميميم” وأقامت فيها قاعدة جوية من أجل مساندة الجيش السورى، كما استخدمت الصواريخ المجنحة فى قصف مؤثر على أهداف للعناصر الإرهابية كما تقول.
القوة الأخرى التى تواجدت داخل سوريا هى من قوات تركية عسكرية متعددة التسليح وإذا كانت القوات الروسية قد أقدمت على دخول الحلبة بناء على طلب من الحكومة السورية المعترف بها حتى الآن من الشرعية الدولية، فإن القوات التركية دخلت سوريا دون إذن من أحد وانتشرت على مساحة كبيرة من الأرض فى الشمال السورى لتحجيم قدرة الأكراد على إقامة كيان مستقل على حدود تركيا الجنوبية.
كما تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية جديدة وكبيرة في قرية “تل بدر” الواقعة على بعد ٣٥ كم من مدينة الحسكة السورية، ومن قبل أنشأت قاعدة ومركزا لوجستيا قرب “الرميلان” شمالي شرقي سوريا وتستقبل هذه القاعدة الطائرات الأمريكية وتخضع لجنود وخبراء أمريكيين.
رابعا: منظمات إرهابية
هى تحديدا المنظمات المدرجة على لائحة مجلس الأمن الدولى وتشمل كلا من “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش( و”جبهة فتح الشام” )النصرة( وتمثل عناصرها المسلحة العدد الأضخم مقارنة بالميليشيات الأخرى، وتتصف قواتهما بالمستويات الأعلى فى التدريب على القتال، ويمتلك كل من التنظيمين كميات ضخمة من الأسلحة، تتصف بالتنوع ويصل بعض منها إلى مستوى أسلحة القتال الرئيسية، مثل: المدفعيات والعربات المدرعة وأسلحة متوسطة قادرة على مواجهة الأسلحة الثقيلة والطائرات مثل صواريخ “الكورنيت” المضادة للدبابات والصواريخ “استريلا” المحمولة على الكتف المضادة للطائرات، كما أن مقاتلى التنظيمين يتصفون بالشراسة وتنفيذ العمليات الانتحارية العنيفة، وطوال السنوات الماضية منذ اندلاع النزاع المسلح تلقى التنظيمان والميليشيات الأخرى على تعددها دعما ماليا ولوجستيا وتسليحيا من أطراف إقليمية ودولية، ومن المعروف أن بعض دول الإقليم والنظام تطالب بإضافة منظمات وميليشيات إلى لائحة الإرهاب، فتركيا مثلا تعد قوات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية.
خامسا: الأكراد
يشكلون تحالفا تحت مسمى “قوات سوريا الديمقراطية” يضم ميليشيات كردية وعربية وأرمنية وسريانية وتركمانية تم تكوينها بعد اندلاع النزاع، وتمثل وحدات حماية الشعب الكردية الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطى القوة المركزية للتحالف وهى قوات شعبية كردية تختص بحماية الأكراد بشكل أساسي في سوريا، وتحظى بظهير شعبى في مناطق انتشارها بسبب المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتبنى قواتها اعتمادا على قانون الخدمة الإلزامية الذى سنته الإدارة الذاتية، ويسعى إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة من منطقة الجزيرة السورية والشريط الحدودي التركي السوري، وتهدف هذه القوة إلى إنشاء سوريا ديمقراطية علمانية يتمتع فيها المواطنون السوريون بمواطنة حقيقية دون إقصاء لأحد وتحظى هذه القوات بدعم الولايات المتحدة.
مقومات نجاح جنيف٤
ساعد على حلحلة الوضع التفاوضى فى جولة «جنيف٤» بين أطراف النزاع وتعدد المنصات داخلها وتداخل القوات الموجودة على الأرض وكثرتها وتعدد أهدافها ومرجعياتها العقائدية والجهات الداعمة عدة اعتبارات هي:
أولا: أن التفاوض تم فى ظل النجاح فى تثبيت وقف إطلاق النار وهو ما لم يكن يتم طوال سنوات الصراع.
ثانيا: استطاعت قوات النظام السورى أن تحقق انتصارات مهمة بعد أن بدأت تحظى بالدعم الخارجى فى مواجهة داعمى مناوئيها، ولم يعد النظام مهددا بالزوال أو السقوط، مما يعطيه تماسكا سياسيا؛ إذ تسيطر قواته على مساحة بنسبة تقدر من ٣٥ إلى ٤٠ ٪ من مساحة الدولة تتميز بأنها مساحة للحضر بينما جزء كبير من مناطق سيطرة المناوئين عبارة عن صحراء خالية أو شحيحة السكان ومناطق ريفية، وتتحكم قوات النظام فى الشريط الساحلى والجانب الشرقى للبلاد، وهذا يضعف مقومات أى كيان يسعى للاستقلال فى الداخل السورى؛ لأنه سيصبح كيانا حبيسا.
ثالثا: بدأت الميليشيات غير الخاضعة للتنظيمات المدرجة على اللائحة الأممية للإرهاب تقترب بدرجة معقولة من تكوين كتلة موحدة، مما يجعل إطار التفاوض أكثر واقعية بعد مرحلة التشرذم التى سيطرت على الفصائل.
رابعا: تراجع ومحدودية الدعم العسكرى الخارجى وانتهاء تدفق العناصر الأجنبية بعد الاتفاق الروسى التركى الإيراني، وهذا بدوره يجعل الفصائل المختلفة تتخلى عن التطرف فى مواقفها وتبنى صيغ أكثر واقعية.
التوازن الاستراتيجي لعناصر القوة فى الصراع العسكرى على الأرض وفى الفضاء السياسى ما بعد جولة المفاوضات الأممية الجديدة المعروفة بـ “جنيف٤”، ومن قبلها جولتا المباحثات فى “أستانا” وتتواصل جهود الأطراف كافة لتحسين مركزها التفاوضى من خلال تعزيز موقفها العسكرى بمزيد من السيطرة على الأرض رغم وقف إطلاق النار الذى ترعاه روسيا وتركيا وإيران.
التغير فى الموقف العسكرى
نجحت قوات الجيش الوطنى السورى فى استعادة مدينة تدمر مرة أخرى من تنظيم الدولة الإسلامية فى عملية عسكرية لا تتضارب مع وقف إطلاق النار طبقا لمقررات أستانا، التى تجيز محاربة التنظيمات الإرهابية، وبذلك استعاد النظام السورى قدرا من الهيبة ومساحة إضافية من الأرض، وفى خطوة أخرى يمكن اعتبارها فارقة تمددت قوات الجيش السورى على المحاور المؤدية إلى منبج، إذ يقطع انتشار القوات السورية فى هذه المناطق الطريق على القوات التركية والفصائل المنضوية تحت إمرتها فى عملية «درع الفرات»، التي كانت تهدف إلى التقدم نحو ريف حلب الشرقى، وسيعزز تقدم الجيش السوري فى نطاق منبج قدرته على استكمال العملية العسكرية، التي بدأها من قبل وتمكن خلالها من تحقيق سيطرة على عشرات القرى والتلال والمزارع بريفي حلب الشرقي والشمالي الشرقي، وتعكس عملية تمدد الجيش السورى فى منبج الاتفاق الصريح بين الجيش السورى وقوات سوريا الديمقراطية، التى تشكل قوات حماية الشعب الكردى، عصبها الأساسى وبعد هذه التحولات العسكرية تتسع مساحة سيطرة النظام فى دمشق مقارنة بباقى أطراف الصراع.
التغير فى الموقف السياسى
بدأت تلوح فى الأفق بوادر معقولة لإمكانية الحل السياسى أخيرا نتيجة للمفاوضات غير المباشرة بين الأطراف من خلال «ستيفان دى مستورا»، وقد أسفرت جولة جنيف ٤ عن تصور للمرحلة المقبلة من المفاوضات تتمثل فى اتفاق الأطراف على مناقشة أربع قضايا تفاوضية مستقبلا بشكل متوازٍ في الجولات المقبلة عبارة عن أربع سلال تعتمد على بيان جنيف وقراري مجلس الأمن وتحديدا القرار ٢٢٥٤.
السلة الأولى تتلخص فى وضع صيغة الحكم في سوريا، والسلة الثانية تتمثل فى إعداد دستور جديد خلال ستة أشهر بعد الاتفاق، والسلة الثالثة عن إجراء انتخابات حرة وديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة خلال ١٨ شهرا، أما السلة الرابعة فتقدم بها وفد الحكومة السورية، وتتضمن وضع استراتجية لمحاربة الإرهاب.
وفى نهاية هذه الجولة أدلى دى مستورا بتصرح دال حول أستانا، عندما صرح بأن محادثات أستانا وجنيف تكملان بعضهما بعضا، وأشار بصفة عامة إلى أن الجولة المقبلة ستكون قبل نهاية شهر مارس الحالي، بعد أن يقدم تقريرا لمجلس الأمن في وقت لاحق، وعقَّب بأن قطار السلام السوري جاهز للانطلاق، وأن الحل فى سوريا سياسي وليس عسكريا، مما يعنى أن المفاوضات بدأت تكتسب قوة دفع تتوفر لها شروط موضوعية.
التوازن الاستراتيجى الحالى
تلعب خريطة القوى العسكرية على الأرض دورا مهما عند بداية أى مفاوضات بحثا عن الحل السياسى من أجل تحقيق السلام فى أعقاب احتدام الصراع بين طرفين أو عدة أطراف تورطت فى معارك شملت جميع أراضى الدولة أو مساحة مؤثرة منها، عندما لا يتمكن طرف من أطراف الصراع المسلح من تحقيق حسم يسمح له بفرض نفوذه والسيطرة ميدانيا ومن ثم سياسيا.
وفى الجولة الرابعة من مفاوضات جنيف التى جرت برعاية أممية، سعيا لإيجاد حل سياسى للأزمة السورية، من الثابت أن أيا من أطراف النزاع لم يحقق من قبل سيطرة تسمح بأن تكون له الكلمة العليا على طاولة المفاوضات وإن كان النظام قد حقق تقدما ملحوظا قوى كثيرا من وضعه العسكرى بعد نهاية الجولة الأخيرة، وبالتالى تحسن مركزه التفاوضى فى الجولات المقبلة بعد نجاح قواته بمساعدة الطيران الروسى وبعض الحلفاء فى استعادة تدمر والانتشار فى منبج وتوسيع نطاق السيطرة حول دمشق، مما شكل تفوقا نسبيا للجيش النظامى.
كان يفاقم النزاع فى سوريا وتراجع محاولات الحل السياسى أن حربا بالوكالة تتم داخل البلاد تغذيها أطراف إقليمية ودولية، وأن عناصر أجنبية أقحمت على المعارك الدائرة دون أدنى اهتمام بالطبع بمصالح الشعب السورى ودون أدنى اهتمام أيضا بالفرص التى يمكن أن تساعد على استقرار الأوضاع، لكن التوافق الروسى التركى نجح فى توقيع اتفاق أنقرة فى ٢٩ ديسمبر ٢٠١٦ الذى دخل حيز التنفيذ فى اليوم التالى، مما مهد لعودة العملية السياسية فى إطار استمرار الحرب على الإرهاب.
الموقف على الأرض
أولا: الجيش النظامى
تعرض الحيش النظامى السورى لعدة انتكاسات لاحت مع الانشقاقات التى بدأت صغيرة نتيجة تسرع النظام فى استخدام القوات فى مواجهة الاضطرابات، ثم اتسعت هذه الانشقاقات بمرور الوقت مع استفحال الأزمة وتدخل قوى خارجية، ووجد الجيش نفسه متورطا فى اشتباكات متعددة على كامل مساحة الدولة ضد عناصر من الداخل تم تسليحها من المتمردين فى القوات المسلحة وعناصر من الخارج أقحمت على المشهد بأعداد ضخمة، وبعد فترة أصبح هذا الجيش منهكا ومهلهلا بدرجة خطيرة، وبدأت القوات المناوئة للنظام السورى تحقق انتصارات مهمة فى جبهات القتال، لدرجة أن النظام أصبح مهددا بالسقوط وفى مواجهة جحافل متزايدة باستمرار من عناصر مدربة تدريبا متقدما على حروب العصابات تدخلت على مسار الأزمة قوى خارجية لمساندة الجيش السورى، الذى بدأ يسترد عافيته من حلفاء انخرطوا معه فى الميدان ليصبح الأقوى ميدانيا.
ثانيا: القوى المختلفة مع النظام
هى القوى غير المدرجة على اللائحة الأممية للتنظيمات الإرهابية، التى بدأت تتخذ إطارا موحدا حتى ولو شكليا فى مؤتمر “أستانا” الذى عقد برعاية روسية تركية إيرانية، ويؤكد هذا ما نوه عنه أسامة أبوزيد المتحدث باسم الجيش السورى الحر من أن الوفد الذي يشارك في اجتماع أستانا ليس وفد فصائل، بل وفد يمثل جميع الثوار تدعمه كل الفصائل بما فيها والفصائل المشاركة فى أستانا هى الجيش السوري الحر” والفصائل المنضوية تحت جناحه، و”فيلق الشام”، “فرقة السلطان مراد”، “الجبهة الشامية”، “جيش العز”، “جيش النصر”، “الفرقة الأولى الساحلية”، “لواء شهداء الإسلام”، “تجمع فاستقم”، “جيش الإسلام”، وكونوا وفدا برئاسة محمد علوش رئيس الجناح السياسي لفصيل “جيش الإسلام” فى حين امتنع تنظيم “أحرار الشام” عن المشاركة في المفاوضات، إلا أنه أعرب عن دعمه لها وقد قاطع المحادثات كل من “أحرار الشام”، و”صقور الشام”، و”فيلق الرحمن”، و”ثوار الشام”، و”جيش إدلب”، و”جيش المجاهدين”، و”حركة نور الدين الزنكي” والفصائل الرافضة بعضها يتبنى مواقف راديكالية والبعض لم يحسم أمره بعد.
ثالثا: القوى الخارجية
وهى تتمثل فى تشكيلات عسكرية من جيوش دول تواجدت داخل سوريا بقوات صريحة بدأت من روسيا الفيدرالية التى أنشأت “قاعدة حميميم” وأقامت فيها قاعدة جوية من أجل مساندة الجيش السورى، كما استخدمت الصواريخ المجنحة فى قصف مؤثر على أهداف للعناصر الإرهابية كما تقول.
القوة الأخرى التى تواجدت داخل سوريا هى من قوات تركية عسكرية متعددة التسليح وإذا كانت القوات الروسية قد أقدمت على دخول الحلبة بناء على طلب من الحكومة السورية المعترف بها حتى الآن من الشرعية الدولية، فإن القوات التركية دخلت سوريا دون إذن من أحد وانتشرت على مساحة كبيرة من الأرض فى الشمال السورى لتحجيم قدرة الأكراد على إقامة كيان مستقل على حدود تركيا الجنوبية.
كما تمتلك الولايات المتحدة قاعدة عسكرية جديدة وكبيرة في قرية “تل بدر” الواقعة على بعد ٣٥ كم من مدينة الحسكة السورية، ومن قبل أنشأت قاعدة ومركزا لوجستيا قرب “الرميلان” شمالي شرقي سوريا وتستقبل هذه القاعدة الطائرات الأمريكية وتخضع لجنود وخبراء أمريكيين.
رابعا: منظمات إرهابية
هى تحديدا المنظمات المدرجة على لائحة مجلس الأمن الدولى وتشمل كلا من “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش( و”جبهة فتح الشام” )النصرة( وتمثل عناصرها المسلحة العدد الأضخم مقارنة بالميليشيات الأخرى، وتتصف قواتهما بالمستويات الأعلى فى التدريب على القتال، ويمتلك كل من التنظيمين كميات ضخمة من الأسلحة، تتصف بالتنوع ويصل بعض منها إلى مستوى أسلحة القتال الرئيسية، مثل: المدفعيات والعربات المدرعة وأسلحة متوسطة قادرة على مواجهة الأسلحة الثقيلة والطائرات مثل صواريخ “الكورنيت” المضادة للدبابات والصواريخ “استريلا” المحمولة على الكتف المضادة للطائرات، كما أن مقاتلى التنظيمين يتصفون بالشراسة وتنفيذ العمليات الانتحارية العنيفة، وطوال السنوات الماضية منذ اندلاع النزاع المسلح تلقى التنظيمان والميليشيات الأخرى على تعددها دعما ماليا ولوجستيا وتسليحيا من أطراف إقليمية ودولية، ومن المعروف أن بعض دول الإقليم والنظام تطالب بإضافة منظمات وميليشيات إلى لائحة الإرهاب، فتركيا مثلا تعد قوات حماية الشعب الكردية منظمة إرهابية.
خامسا: الأكراد
يشكلون تحالفا تحت مسمى “قوات سوريا الديمقراطية” يضم ميليشيات كردية وعربية وأرمنية وسريانية وتركمانية تم تكوينها بعد اندلاع النزاع، وتمثل وحدات حماية الشعب الكردية الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطى القوة المركزية للتحالف وهى قوات شعبية كردية تختص بحماية الأكراد بشكل أساسي في سوريا، وتحظى بظهير شعبى في مناطق انتشارها بسبب المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية وتبنى قواتها اعتمادا على قانون الخدمة الإلزامية الذى سنته الإدارة الذاتية، ويسعى إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة من منطقة الجزيرة السورية والشريط الحدودي التركي السوري، وتهدف هذه القوة إلى إنشاء سوريا ديمقراطية علمانية يتمتع فيها المواطنون السوريون بمواطنة حقيقية دون إقصاء لأحد وتحظى هذه القوات بدعم الولايات المتحدة.
مقومات نجاح جنيف٤
ساعد على حلحلة الوضع التفاوضى فى جولة «جنيف٤» بين أطراف النزاع وتعدد المنصات داخلها وتداخل القوات الموجودة على الأرض وكثرتها وتعدد أهدافها ومرجعياتها العقائدية والجهات الداعمة عدة اعتبارات هي:
أولا: أن التفاوض تم فى ظل النجاح فى تثبيت وقف إطلاق النار وهو ما لم يكن يتم طوال سنوات الصراع.
ثانيا: استطاعت قوات النظام السورى أن تحقق انتصارات مهمة بعد أن بدأت تحظى بالدعم الخارجى فى مواجهة داعمى مناوئيها، ولم يعد النظام مهددا بالزوال أو السقوط، مما يعطيه تماسكا سياسيا؛ إذ تسيطر قواته على مساحة بنسبة تقدر من ٣٥ إلى ٤٠ ٪ من مساحة الدولة تتميز بأنها مساحة للحضر بينما جزء كبير من مناطق سيطرة المناوئين عبارة عن صحراء خالية أو شحيحة السكان ومناطق ريفية، وتتحكم قوات النظام فى الشريط الساحلى والجانب الشرقى للبلاد، وهذا يضعف مقومات أى كيان يسعى للاستقلال فى الداخل السورى؛ لأنه سيصبح كيانا حبيسا.
ثالثا: بدأت الميليشيات غير الخاضعة للتنظيمات المدرجة على اللائحة الأممية للإرهاب تقترب بدرجة معقولة من تكوين كتلة موحدة، مما يجعل إطار التفاوض أكثر واقعية بعد مرحلة التشرذم التى سيطرت على الفصائل.
رابعا: تراجع ومحدودية الدعم العسكرى الخارجى وانتهاء تدفق العناصر الأجنبية بعد الاتفاق الروسى التركى الإيراني، وهذا بدوره يجعل الفصائل المختلفة تتخلى عن التطرف فى مواقفها وتبنى صيغ أكثر واقعية.