لسنوات طويلة بقيت قرية "دالي كوامبي" النائية كواحدة من أكثر الألغاز التي حيرت العلماء باعتبارها أحد أكثر المواقع غرابة على وجه الأرض؛ حيث يشهد سكانها منذ قرون ظاهرة وراثية استثنائية تتمثل في ولادة واحد من كل اثنين تقريبًا فاقدي البصر، في مجتمع يعيش عزلة شبه كاملة عن العالم الخارجي.
وتقع القرية على بُعد نحو 1000 كيلومتر من العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتوصف بأنها الأكثر عزلة في البلاد، مما يجعل الوصول إليها مهمة شاقة للباحثين والرحالة.
ووفقًا للخبراء، فإن هذه العزلة القاسية ساهمت في انتقال اضطراب جيني نادر عبر الأجيال يجعلهم يصابون بالعمى، نتيجة الانغلاق الجغرافي وغياب التنوع الجيني، إذ يرى الباحثون أن القرابة الداخلية والانعزال الممتد لقرون يلعبان الدور الحاسم في استمرار الظاهرة.
يشير سكّان القرية إلى تفسير مختلف تمامًا لهذا العمى؛ إذ يؤكد عمدة القرية أن الأمر يعود إلى نبوءة قديمة مضى عليها عشرة أجيال، تحدثت عن ميلاد رجل صالح فاقد للبصر، وأن العمى أصبح قدرًا ملازمًا لأهل القرية منذ ذلك الحين.
ورغم التحديات التي يفرضها فقدان البصر، طوّر السكان قدرة لافتة على التأقلم، إذ يتحرك الأهالي داخل البيوت والطرقات الرملية بدقة مدهشة، مستندين إلى حاسة السمع واللمس والذاكرة المكانية، وإلى شبكة تضامن مجتمعي متينة تشكّل العمود الفقري لحياتهم اليومية.
أيضًا القرية تفتقر إلى الكهرباء والإنترنت ومعظم مقومات الحياة الحديثة، ومع ذلك، يواصل الأهالي حياتهم وفق أساليب تقليدية متوارثة، ويعتمدون على تعاونهم العميق لتجاوز قسوة البيئة الصحراوية وظروف الإعاقة البصرية، بل ويستقبلون الزوار النادرين بترحاب دافئ، مشاركينهم قصصهم ومعتقداتهم التي نسجتها الأجيال.