تنطلق أعمال القمّة العالمية الثانية لمنظمة الصحة العالمية حول الطب التقليدي في الهند خلال الفترة من 17 إلى 19 ديسمبر، وستجمع صانِعو السياسات والممارسون والعلماء وقادة الشعوب الأصلية من جميع أنحاء العالم.
وسيناقش المشاركون كيفية تنفيذ استراتيجية منظمة الصحة العالمية للطب التقليدي حتى عام 2034، والتي تهدف إلى تطوير الطب التقليدي والتكميلي والتكاملي القائم على الأدلة، وتقديم إرشادات حول التنظيم والتعاون بين الجهات المعنية.
وبحسب تصريحات مسؤولة في منظمة الصحة العالمية، فإن استخدام الطب التقليدي أصبح واقعًا عالميًا، حيث يعتمد عليه بين 40 و 90 % من سكان معظم الدول الأعضاء في المنظمة، وذلك لأسباب تتعلق بالوصول إلى الرعاية الصحية، وكذلك لارتباطه بالثقافة والنهج الشامل للصحة.
وتعقد هذه القمة في وقت يتزايد فيه الاهتمام العالمي بالنهج الشامل للصحة، وتعمل بمشاركة واسعة من الحكومات، الباحثين، الممارسين وأصحاب الخبرات من مجتمعات مختلفة، سعياً نحو دمج الطب التقليدي بشكل آمن وفعّال في الأنظمة الصحية الوطنية.
ويُعد الطب التقليدي، الذي يشمل أنظمة علاجية عريقة ومتنوعة مثل الأيورفيدا، والطب الصيني التقليدي، والطب العربي-الإسلامي، جزءًا أساسيًا من منظومات الرعاية الصحية في العديد من دول العالم. ويعتمد عليه ملايين الأشخاص لتلبية احتياجاتهم الصحية اليومية، خاصة في المناطق التي تعاني من محدودية الوصول إلى الخدمات الطبية الحديثة، حيث يكون في كثير من الأحيان الخيار الأقرب أو الأكثر توافراً للسكان، سواء لأسباب اقتصادية أو جغرافية أو ثقافية.
ويتميّز الطب التقليدي بنهجه الشامل في التعامل مع الصحة، إذ لا يقتصر على علاج الأعراض الظاهرة فقط، بل يركّز على الإنسان ككل، من خلال السعي إلى تحقيق التوازن بين الجسد والعقل والحالة النفسية والبيئة المحيطة.
هذا النهج المتكامل ينسجم مع المفاهيم الحديثة للصحة والعافية، التي ترى أن الوقاية وجودة الحياة لا تقلان أهمية عن العلاج ذاته.
كما يكتسب الطب التقليدي أهمية متزايدة في التعامل مع الأمراض المزمنة، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، وكذلك في دعم الصحة النفسية والتقليل من مستويات التوتر والقلق. ويعود ذلك إلى أن العديد من الممارسات التقليدية تعتمد على أساليب طويلة الأمد تهدف إلى تحسين نمط الحياة وتعزيز التوازن الداخلي، بدلاً من الاعتماد فقط على التدخلات العلاجية السريعة.
ويركّز هذا النوع من الطب أيضاً على الوقاية الصحية وتعزيز المناعة، من خلال استخدام الأعشاب الطبيعية، والنظم الغذائية المتوازنة، وتمارين التنفس، وأساليب التأمل، وغيرها من الممارسات التي تهدف إلى الحفاظ على الصحة قبل حدوث المرض. ويستند الكثير من هذه الأساليب إلى خبرات تراكمية ممتدة عبر أجيال، ما يجعلها جزءًا من التراث الصحي للمجتمعات.
إضافة إلى ذلك، يسهم الطب التقليدي في تعزيز احترام التنوع الثقافي داخل النظم الصحية، حيث يراعي الخصوصيات الاجتماعية والمعتقدات المحلية، ويقوّي علاقة الثقة بين المريض ومقدّم الرعاية. هذا الاندماج بين الثقافة والصحة يساعد على زيادة التزام المرضى بالعلاج، ويحسّن من النتائج الصحية على مستوى الأفراد والمجتمعات، وهو ما تسعى منظمة الصحة العالمية إلى دعمه من خلال تنظيم هذا القطاع وتطويره على أسس علمية واضحة.
ورغم الانتشار الواسع والاستخدام المتزايد للطب التقليدي، لا يزال هناك نقص في التمويل البحثي النوعي لدعم الأدلة العلمية الكاملة حول فعّاليته في بعض الحالات، إذ لا تتجاوز نسبة التمويل المخصص للبحث في هذا المجال أقل من 1% من إجمالي تمويل بحوث الصحة على المستوى العالمي.
ومن أهداف القمة العالمية أيضاً تعزيز التعاون الدولي، وتطوير الأطر التنظيمية، وتشجيع البحث العلمي لضمان تكامل آمن وفعّال بين الطب التقليدي والطب الحديث، مع احترام حقوق الشعوب والمعرفة الأصلية.
وتمثل القمة العالمية الثانية للطب التقليدي مناسبة دولية هامة لإعادة النظر في دور الطب التقليدي ضمن أنظمة الصحة العالمية، بما يحقق توازناً بين التقليد والحداثة، وبين الثقافة والعلم، في سبيل تحسين صحة المجتمعات حول العالم.