الإثنين 15 ديسمبر 2025

مقالات

نغمات على قطرات المطر

  • 14-12-2025 | 09:36
طباعة

يلعب المناخ دوراً كبيراً في التأثير على المشاعر الإنسانية ومزاج الفنان، فكل فصل من فصول السنة يبعث بأحاسيس مختلفة عن الآخر. ففي فصل الشتاء يصاحبه الاستجمام والاستمتاع بنسمات الهواء الباردة، كما أن قطرات المطر وصوت خرير المياه من أكثر الظواهر الطبيعية إمتاعاً وإلهاماً لكل فنان. لذلك تناول الكثير من الموسيقيين فصل الشتاء بإبداعات متنوعة، منها ما يحمل الذكريات الجميلة، ومنها ما يعكس الانطواء والسكينة والهدوء. ولم يكن هذا الإلهام في الموسيقى العربية فقط، بل ظهر ذلك من قبل في الموسيقى الغربية عندما ألّف الموسيقي الإيطالي الشهير أنطونيو فيفالدي (1678 – 1741) وهو يُعد من أهم رواد مؤلفي عصر الباروك (1600 - 1750)، أي استمر هذا العصر 150 عاماً، ليؤلف (فيفالدي) عام 1725 مقطوعته الشهيرة التي تُعرف بـ (الفصول الأربعة)، حيث تتكون من أربع مقطوعات متتالية، وكل مقطع منها يشير إلى فصل من فصول السنة، ليأتي الفصل الأخير من المقطوعة معبّراً ومحاكياً لفصل الشتاء، وتظهر فيه موسيقى شاعرية ورومانسية باستخدام الكمان وتقليد صوت الأمطار.

ولكن في الموسيقى العربية تم تناول فصل الشتاء بالكثير من الأغاني الخالدة، والتي تباينت بين كل فنان وآخر. نذكر منها الآتي:

من أوائل أغنيات الشتاء التي تم تقديمها في الغناء العربي كانت من خلال المطربة الكبيرة فيروز مع الرحبانية، حيث قدمت أغنية (ثلج ثلج) عام 1961، وقد استخدم الرحبانية البيانو داخل الأغنية ليلعب دوراً كبيراً في التعبير عن أجواء الشتاء، ليظل البيانو هو الأكثر وضوحاً طوال الأغنية وكأنه خلفية لتجسيد سقوط المطر، بالإضافة إلى الأداء التعبيري للكورال وبساطة اللحن، لتقول كلمات الأغنية:

(تلج تلج عم بتشتي الدنيا تلج .... والغيمات تعبانين عالتلة خيمات مضويين ... ومغارة سهرانة فيها طفل صغير ... بعيون الحلّياني حب كتير).

في عام 1970 غنت فيروز أغنية تركت بصمة في وجدان كل من سمعها وهي أغنية (حبيتك في الصيف حبيتك في الشتا)، ألحان وكلمات الأخوين رحباني، جاءت ضمن مسرحية (يعيش يعيش)، بينما انتشرت على كافة الإذاعات العربية، لتصبح من أهم روائع فيروز، لتقول كلماتها:

(بأيام البرد وأيام الشتا .. والرصيف بحيرة والشارع غريق ... تجي هاك البنت من بيتها العتيق).

وفي العام نفسه غنّت فيروز إحدى روائعها ومن أشهر أغانيها، وهي أغنية (شادي)، هذه الأغنية الدرامية التي تعتبر ملحمة غنائية، لتصف كيف كانت تلعب بالثلج في الشتاء مع (شادي) الذي مات في الحرب الأهلية، لترصد القصة كاملة، لتقول في أبياتها:

(أنا وشادي غنّينا سوى .... لعبنا على الثلج ركضنا بالهوا ... كتبنا على الأحجار قصص صغار .... ولوّحنا الهوا).

ولكنها في النهاية ما زالت تتذكر شادي منذ عشرين عاماً، مع كل شتاء وكل قطرة مطر، لتتخيله وسط الثلوج، لتقول الكلمات:

(ومن يومتها ما عدت شفته .. ضاع شادي ... والثلج إجا وراح الثلج ... عشرين مرة إجا وراح الثلج ... وأنا صرت أكبر ... وشادي بعده صغير عم يلعب عالثلج).

وفي عام 1973 غنت فيروز أغنية (رجعت الشتوية) خلال المسرحية الغنائية (المحطة) للأخوين رحباني، لتصبح منذ هذا التاريخ أهم أغاني الشتاء على الإطلاق إلى الآن، والتي تقول كلماتها:

(رجعت الشتوية ضل افتكر فيّ .. ضلّ افتكر فيّ، رجعت الشتوية فيّا .. رجعت الشتوية ..... يا حبيبي الهوا مشاوير وقصص الهوى مثل العصافير .... لا تحزن يا حبيبي إذا طارت العصافير ... وغنية منسية ع دراج السهرية .. رجعت الشتوية).
استخدم الرحبانية في بداية الأغنية دقات تعبيرية وكأنها قطرات المطر، لتبدأ فيروز بصفاء صوتها المعتاد:

(رجعت الشتوية .. آه ... آه ...... ضل افتكر فيّ)، لتكرر (رجعت الشتوية) مرات بشكل تعبيري مليء بالفرحة بعودة فصل الشتاء الذي يحمل معه ذكريات الحب والأشواق.

وفي عام 1986 انتشرت أغنية حققت نجاحًا كبيرًا ليرددها الصغار قبل الكبار، حيث تتسم بالشجن وبساطة اللحن الذي يأخذ الطابع الفلكلوري من حيث اللحن والكلمات والغناء، وهي أغنية:

(الدنيا برد .. الدنيا برد .. وعم خليل بيسقي الورد)

للفنان الأصيل أحمد منيب، والتي قدمها ضمن ألبومه (مشتاقين)، من كلمات الشاعر الكبير فؤاد حداد، فكانت تمثل لوحة فنية متكاملة تصف بها (عم خليل) الجنايني الذي يسقي الورد وسط أجواء الثلوج وبرد الشتاء، في انسجام مع أداء الكورال بشكل حواري بين الكورال وبطل الأغنية (عم خليل)، لتقول كلماتها:

(الدنيا برد وعم خليل بيسقي الورد .. الدنيا برد يا عم خليل وبتسقي الورد يا عم خليل ... يا ناس سيبوني لا تعطلوني وتعالوا بكرا يا نور عيوني ... أديكوا وردة أوراقها فاردة أما النهاردة الدنيا برد).

وفي عام 1989 ظهرت مطربة ذات صوت حنون حساس ومؤثر لتقدم أول ألبوم لها والذي يحمل اسماً مميزاً هو (عصفور في ليلة مطر)، وهي المطربة حنان ماضي، لتقدم الأغنية الأساسية في الألبوم وهي أغنية (عصفور المطر)، من كلمات إبراهيم عبد الفتاح، وألحان ياسر عبد الرحمن، حيث يظهر في هذا اللحن أسلوب ياسر عبد الرحمن بشكل واضح ومتميز، بين الأداء العاطفي الهادئ في بداية الغناء، ثم الصعود للطبقات الصوتية الأعلى بقوة في الأداء. وهذا التباين جعل من أسلوبه مدرسة جديدة في التلحين العربي أصبحت سمة تميزه عن غيره. لتقول كلمات الأغنية:

(عصفور في ليل المطر ... وقلبه جمرة نار .. جا يصرخ يقول يا بشر .. بحلم يجيلي نهار ... يا أحلامي الكبيرة ما بين أمل وحيرة ... سرق الزمان صوتي قبل الغنوة الأخيرة).

وفي العام نفسه قدم الفنان علي الحجار أغنية ما زالت تُردد إلى الآن، حيث تركت بصمة في وجدان كثير من الأجيال لتذكرنا دائماً بفصل الشتاء، وتحمل تعبيرات تُجسد جمال وروعة هذا الفصل، وهي أغنية (لما الشتاء يدق البيبان)، للشاعر إبراهيم عبد الفتاح، وألحان أحمد الحجار، وتوزيع موسيقي لياسر عبد الرحمن.

تم تجسيد الأغنية في (فيديو كليب) من إخراج أحمد مدحت وتصوير مصطفى عز الدين، حيث جاء التصوير ليعكس أجواء وجمال فصل الشتاء والمطر، لتقول كلماتها:

(لما الشتاء يدق البيبان .. لما تناديني الذكريات .. لما المطر يغسل شوارعنا القديمة والحارات .. ألاقيكي جايالي فوق شفيفي بسمتي .. كل الدروب التايهة تنده خطوتي).

قدّم أيضًا الفنان مدحت صالح أغنية (مهما الشتا قسى)، من كلمات وائل هلال، وألحان فاروق الشرنوبي، من ألبوم (تندهيني) عام 1989، ولقيت الأغنية ردود أفعال واسعة وقتها لكلماتها الدافئة المؤثرة، لتقول كلماتها:

(مهما الشتا قسى .. الريح بتتنسي .. ويدوم صوت البلابل .. لما تناغي السنابل .. ولا غصن في قلبي دابل .. ما دمتي بتخلصي).

وفي عام 1991 قدمت المطربة جوليا بطرس أغنية (برد ونار)، كلمات فرانسوا معوض، ألحان زياد بطرس، وتوزيع إحسان المنذر، من ألبوم (حكاية عتب)، وتقول كلماتها:

(برد ونار وليلي يطول ... وسهرانة لحالي وعمري خايف من أيلول ... يطل بهالليالي وارجع لقنديلي، سهرانة مقابيله ... تينسيني خوف الليل شي قصة يحكيلي).

وفي عام 1995 أطلق الفنان محمد منير ألبومه الشهير (ممكن)، وكان ضمن أغنياته أغنية تحمل الطابع النوبي تسمى (شتا)، من كلمات كوثر مصطفى، ألحان حسين جابر، وتوزيع عمرو محمود، وهي أغنية ذات فلسفة خاصة، حيث لم يُستخدم الشتاء فيها بمعناه المعروف، ولكن كان لها بُعد آخر، ورغم اختلاف المعنى إلا أنها تُشعرنا بأجواء الشتاء:

(بعد ما ادّى وبعد ما خد ... بعد ما هد وبنى واحتد ... شد لحاف الشتا من البرد ... بعدما لف وبعد ما دار ... بعد ما هدا وبعد ما ثار ... بعد ما داب واشتاق واحتار ... حط الدبلة وحط الساعة ... حط سجايره والولاعة).

قدّم الفنان كاظم الساهر أغنية (حبيبي والمطر)، كلمات الشاعر نزار قباني، وألحان وغناء كاظم، والتي قدمها عام 1999، حيث جاءت باسم الألبوم الذي ضم 9 أغنيات، كان أشهرها (قولي أحبك) و(أكرهها)، وقام بتصويرهما فيديو كليب، وجميعها من كلمات نزار قباني، حيث تقول كلمات الأغنية:

(أخاف أن تمطر الدنيا ولستِ معي ... فمنذ رحتِ وعندي عقدة المطر ... كان الشتاء يغطيني بمعطفه .. فلا أفكر في برد ولا ضجر .. كانت الريح تعصف خلف نافذتي ... فتهمسين تمسكي ها هنا ها هنا شعري ... الآن أجلس والأمطار تجلدني ... على ذراعي، على وجهي، على ظهري).

وفي عام 2012 قدم الفنان وائل كفوري أغنية (ليل ورعد وريح) ضمن ألبومه (شافوها وصاروا يقولوا)، من كلمات نزار فرنسيس، وألحان سمير صفير، لتقول كلماتها:

(ليل ورعد وبرد وريح .. دنيا برا مجنونة ... تلج مكوم ما بيزيح .. صرتي عندي مسجونة ... خليكي بهالليل مليح .. نامي مرة بعيوني).

وفي عام 2013 قدمت الفنانة دنيا سمير غانم أغنية (قصة شتاء)، من كلمات أمير طعيمة وألحان هشام جمال، وتوزيع "مادي"، حيث حققت هذه الأغنية أرقامًا قياسية وصلت إلى 13 مليون مشاهدة وقت تقديمها على "اليوتيوب"، لتقول كلماتها:
(نزلت من البيت في المطر ومهمهاش برد الشتا ... بقاله كام يوم مختفي مش فاهمة ليه يعمل كده ... نزلت وراحت على مكان كانوا فيه تملي يسهروا ... أول ما شافها في سلامه بان إن مشاعره اتغيروا).

وسر نجاح الأغنية أنها تحوي قصة درامية تحكي قصة بطلة لا تلتفت لبرد الشتاء عند البحث عن حبيبها.

قدم الفنان ماجد المهندس أغنية (الشتا يسأل)، من كلمات أحمد علوي وألحان أحمد الهرمي، توزيع سيروس، خلال ألبوم (بديت أطيب) عام 2023، وتقول كلماتها:

(الشتا بيسأل وحبات المطر تزعل ... ولا عمر الدفا يكمل ... وبدونك كل ليلة برد ... الشتا يحلف بأن أصابعي ترجف من اللهفة ولا توقف .... ولا تقوى تصافح يد).

حيث تعد هذه الأغاني نماذج تعكس صورة من صور الإبداع الموسيقي عندما يتجلى هذا الفن مع الطبيعة.

الاكثر قراءة