الأربعاء 26 يونيو 2024

مبارك لكم ... لكن الشعب يريد تغيير النظام

8-3-2017 | 13:34

بقلم –  السفير د.عزمى خليفة

أصدرت محكمة النقض حكمها النهائى بالبراءة على الرئيس الأسبق مبارك فى قضية قتل المتظاهرين من أبناء الشعب فى ٢٥ يناير، حينما طالبوه فى بداية الأمر بإجراء إصلاحات فى النظام وإقالة وزير الداخلية حبيب العادلى أولاً، الإ أنه تأخر فى الاستجابة لمطالب شعبه، فطالبه الشعب بالرحيل، وقد كان فرحل فى ١٢ فبراير ٢٠١١، تاركا السلطة لوزير الدفاع والمجلس العسكرى فى مخالفة صريحة للدستور لوجود نائب للرئيس ممثلا فى السيد اللواء عمر سليمان- رحمه الله- ومنذ لحظة إذاعة اللواء عمر سليمان لبيان التنحى دخلت مصر فى مرحلتين انتقاليتين، انتهت الأولى بتولى الإخوان المسلمين الحكم واتسمت بالفوضى والتردد من المجلس العسكرى الذى أطاح بقياداته الرئيس الأسبق محمد مرسى واستمرار حكمه لمدة عام، حتى كرر الشعب المصرى سيناريو ٢٥ يناير وأطاح بالرئيس مرسى وجماعته فى ٣٠ يونيه، فكانت المرحلة الانتقالية الثانية التى بدأت بتولى الرئيس الانتقالى المستشار الجليل عدلى منصور وتعديل دستور الإخوان، وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية واستقرار الأوضاع باستعادة الدولة المصرية التى اختطفها الإخوان المسلمون من المجلس العسكرى الأول، والتى وضحت من نتيجة الانتخابات العامة وتهديد الإخوان بإحراق مصر ما لم يتم إعلان توليهم الحكم، إذا كان القضاء قد أصدر حكمه فقد أسدل الستار على محاكمة القرن- كما سميت-وإذا كان الحكم بالبراءة فهنيئا للرئيس وأنصاره وأبنائه، ولكن لا ينبغى المبالغة فى فرحتهم كما ظهرت على شبكات التواصل الاجتماعى، وذلك لاعتبارات يمكن إجمالها فيها يلى:

أولاً : أن الرئيس الأسبق مبارك قد تمت محاكمته فى هذه القضية جنائيا وليس سياسيا كما أراد الشعب بدعوى عدم وجود قانون للمحاكمات السياسية .

ثانيا: أن الرئيس الأسبق مبارك قد سبق أن صدر ضده وأولاده حكم بات ونهائى أيضاً فى قضية القصور الرئاسية وقضى مدة العقوبة وهى السجن ٣ سنوات وسدد الغرامة ،وهى بالمناسبة قضية مخلة بالشرف لأنها تتعلق بالاستيلاء على مال عام ما لم أكن مخطئا.

هذا الحكم فى الواقع يقودنا إلى التمييز بين فترة حكم مبارك التى وصلت إلى ثلاثين عاما، وبين المستقبل، فاستمرار حكم مبارك هذه الفترة الطويلة جعلت كل من عمل فى حكمه هو أحد المسئولين عما جرى فى فترة حكمه عمليا، فكل من تخرج فى الجامعة منذ ١٩٧٨ صار على الأقل فى منصب قيادى عند تنحيه عام ٢٠١١، ولكن من الناحية السياسية جاء تخلى مبارك عن الحكم تحت ضغط شعبى عارم قاده الشباب الذى وجد الطريق مسدودا أمامه، والفساد يزكم الأنوف والمحسوبية شائعة، والسلطة المطلقة بمفاسدها المطلقة تسيطر على الحياة السياسية نتيجة تزاوج السلطة من رأس المال وكل ما ترتب على ذلك من نتائج ،وهذا هو مربط الفرس، فالبراءة خاصة بقضية حوكم عليها الرئيس مبارك، والإدانة السابقة خاصة بقضية أخرى أدين فيها الرئيس الأسبق أيضاً، والجميع دون استثناء شارك فى نظام حكمه حتى لو لم يدن، وبالتالى فالشعب ليس ضد مبارك بوصفه شخصا، وإنما بوصفه كان رئيساً للجمهورية، بمعنى آخر أنه ضد نظام حكم الرئيس الأسبق مبارك، فإن كان الرئيس الأسبق قد حصل على البراءة فهذا لا يعنى أنها براءة الذئب من دم ابن يعقوب، ومن ثم نعيد محاكمة مبارك لأن رأى الشعب فى هذا الحكم قد صدر يوم ٢٥ يناير، وانتهت المداولة مساء ١١ فبراير وتم تنفيذه من صبيحة ١٢ فبراير، لقد أصدر الشعب حكمه ضد دولة مبارك ونظام مبارك الذى تسبب فى كوارث رهيبة للأمة المصرية دون أن يأبه للغضب الشعبى الذى تراكم من أحداث تبدو منفصلة، ولكنها فى حقيقة الأمر مرتبطة بإهمال وسوء سياسات الرئيس مبارك المتمثلة فى شهداء غرق العبارة السلام ٩٨ دون مساءلة أو محاكمة، وكذا العبارة سالم إكسبريس والعبارتان لمالك واحد، شهداء حوادث الطرق والسكك الحديد، شهداء خيرة شباب البلد فى طائرة الكابتن البطوطى التى أسقطت فور إقلاعها من نيويورك، كم الفساد فى جميع مؤسسات الدولة والتى بدأنا الإعلان عنها مؤخراً خاصة أن الفساد كان ولا يزال مقننا بالقانون، تدهور المستوى التعليمى لدرجة غير مسبوقة، ولحق به المستوى الصحى، تقسيم أراضى الدولة بين رجال الأعمال وهو ما تسعى الدولة إلى استرداده اليوم، وبيع هذه الاراضى بآلاف الأفدنة كأراض للاستصلاح الزراعى فأضحت منتجعات يباع المتر فيها بآلاف الجنيهات، قضايا الخصخصة التى زكمت الأنوف رائحة الفساد فيها، تآكل الطبقة الوسطى الحافظة لقيم المجتمع وتوازنه حتى اختفائها فى نهاية عهده، وما ترتب على ذلك من نتائج، إقصاء الشعب عن الحكم، بل وإهانته بتعمد طرح مشروع التوريث بصورة عملية وتحزيم النخبة المصرية لتقييد حركتها من خلال عضويتهم فى لجنة السياسات برئاسة نجله جمال مبارك، تنفيذ مشروعات، ثبت عدم جدواها الاقتصادية مثل توشكى، تهميش المناطق الحدودية سيناء ومطروح والوادى الجديد والنوبة ومازالت تعانى هذه المناطق تارة لتركه الأنفاق فى سيناء دون سيطرة وتارة أخرى لتهريب البشر فيها وفى الجنوب الغربى وتارة ثالثة لتركه تهريب السلاح على حدودنا الغربية، والطامة الكبرى إهمال علاقاتنا الإفريقية مما أدى إلى أزمتى الاتفاق الإطارى وسد النهضة، وتقسيم السودان تحت سمعه وبصره دون إبداء أى مقاومة فعلية، وتبديد أموال التأمينات الاجتماعية بفضل سوء تصرف وإهمال وزير المالية يوسف بطرس غالى، كل ما يتعلق بالفساد فى المجال الصحى من سرقة الأعضاء البشرية وأكياس الدم الملوثة وندرة وجود المواد التموينية وأزمات الخبز والبوتجاز والفاكهة والخضراوات المسرطنة بل والأغرب استيراد خبراء إسرائيليين فى الزراعة لتطوير الزراعة المصرية، التى وصل عمرها فى ذلك الحين إلى سبعة آلاف سنة، والاستجابة للضغوط الأمريكية مما أدى إلى تدهور إنتاج مصر من القطن الذى اكتسب شهرة عالمية، قضايا احتكار الحديد ومجمل مواد البناء، وتزوير انتخابات مجلس الشعب تزويرا فاجرا ورفض الاستجابة لأحكام القضاء، تغيير الدستور وخاصة المادة ٧٦ رغم أن الحوار المجتمعى كان يستهدف كل المواد المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، وارتفاع نسبة البطالة والتضخم، إضافة إلى إفساح المجال للإخوان للمشاركة فى الحكم رغم علم الجميع بموقف الإخوان من الدولة ومن الخلافة ببساطة شديدة.

من المهم أن نؤكد فى هذه المرحلة أن كل من تلوثت يده بسرقة أموال الشعب فى أى مجال، وكل من تلوثت يده بتعذيب المصريين أو احتكار أقواتهم، أو نهب أراضيهم، هو إنسان أدانه الشعب المصرى فى ٢٥يناير، حتى وإن كان رد هذه الأموال مضاعفة عشرات المرات لأن ما نحتاجه فى لحظة يفوق فى أهميته ما لا نحتاجة فى أوقات أخرى، ولأن تلوث يد البعض هو دليل على استحلالهم مال الشعب، وإذا كانوا قد خرجوا بحكم قانون التصالح، فهذا معناه استعدادهم للسرقة مرة أخرى إذا أتيحت لهم الفرصة وستتاح لأنهم تعودوا على كل أشكال الفساد واتقنوها، ومصر فى غنى عنهم لأنها غنية بشعبها وأبنائها القادرين على حمايتها.

ببساطة نعم لبراءة مبارك ولكن لا وألف لا لنظامه ودولته وأولاده، فمن المؤكد أن الشعب المصرى اكتسب قيما جديرة بالاحترام، والتقدير، كلها قيم تتعلق ببناء معانى الحياة مثل الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وهى ما لا يمكن التنازل عنها .

إننا جميعا على المحك إما أن نبنى دولة تستند إلى هذه القيم.. أو أن نسترد معها كل مظاهر فساد نظام مبارك.. فمن يختار مبارك الشخص فمبارك له وعليه، ومن يسترد أموال الشعب بالقيم التى عبر عنها هذا الشعب فسيكون مباركا من شعبه منصوراً دائما له وبه.

 

    الاكثر قراءة